كشفت دراسة قامت بها “حملة السكينة” التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية، والمختصة بمحاورة المتعاطفين والمؤيدين للفكر المتطرف والأعمال الإرهابية أن 80 % ممن يدخلون على الصفحات التي تدعو للعنف والتشدد، أعمارهم ما بين 18 و 24 سنة، و 75 % منهم من الذكور، و 25 % إناث، وتصدرت مصر قائمة معدلات الدخول على هذه الصفحات، بعدها تونس وليبيا والجزائر والكويت ثم المغرب فالعراق والسعودية واليمن، بالترتيب.
وقال مدير حملة السكينة الشيخ عبد المنعم المشوح لـ “سبق” إن الدراسة شملت 200 من “الصفحات الجهادية المتطرفة” في الفيسبوك, رغم أن هذه الصفحات أكثر من هذا العدد لكن هذه هي العينة التي جرت عليها الدراسة, وبلغ عدد المشتركين في هذه الصفحات (150 – 170) ألف مشترك -موقع الدراسة- وعدد الفاعلين (15000 ) خمسة عشر ألفاً, واقتصر زمن الدراسة على الفترة من 6 سبتمبر إلى 6 أكتوبر 2013م “لمدة شهر”, استخدمت آلية الإحصاء اليدوي وفقاً للمعايير الفكرية المحددة.
وانصبت الدراسة على الصفحات التي تحمل دعوة صريحة وتحريضاً على المشاركة في القتال في مناطق متعددة من العالم، وتحمل أفكاراً متطرفة في “التكفير والجهاد والحسبة”. وقال “المشوح” إن الصفحات الداعية للجهاد فقط -من المنظور النظري- لا تدرج ضمن القائمة، فلا بد أن يكون في الصفحة غلو في التكفير أو في مسائل الجهاد أو الاحتساب.
وأوضحت دراسة “السكينة” أبرز الصفات الفكرية التي رُصدت في هذه الصفحات، وهي:
-التحريض للمشاركة في القتال في: سوريا، العراق، مالي، أفغانستان.. وغيرها من مناطق الصراع، والدعوة للجهاد ضمن مخالفات شرعية وفي ظل عدم اكتمال شروط الجهاد المبيحة له.
-الغلو في التكفير وإعلانه صراحة سواء تكفير دول إسلامية أو أنظمة أو شخصيات وبعضها شخصيات علمية وفقهية.
-الجهل بأحكام الشريعة ويظهر الجهل في العبادات الأوليّة كالصلاة والوضوء فضلاً عن المسائل الدقيقة كالتكفير وبقية مسائل الإيمان.
-الاعتماد بشكل كبير على الصورة والمقاطع، صور المقاتلين والمعارك، وعلى الرؤى والأحلام وما يتداول على أنه كرامات.
ورصدت دراسة “السكينة” أبرز التعليقات التي جاءت على هذه الصفحات، وهي:
•من الطبيعي وجود هذا الكم من التحريض للمشاركة في الجهاد والقتال والمشكلة الأكبر أنه يصحبها انحراف فكري في مسائل عقدية ومنهجية وفقهية في أبواب الإيمان والتكفير والأحكام والاحتساب.
•يظهر جلياً فشوّ الجهل الشرعي لديهم حتى في مسائل العبادات اليومية، فمن خلال بعض المشاركات توجد أخطاء في صفة الوضوء والصلاة وبعضهم يناقش مسائل الجهاد والتكفير وإخراج المسلمين من الإيمان واستباحة الدماء وهو لا يحسن أداء الصلاة بطريقة صحيحة ويجهل مسائل في العقيدة مهمة وأساسية.
•كما يظهر أنه لا توجد توعية بشكل مناسب فأغلبهم لديهم شبهات وأفكار عامّة يمكن مناقشتها وتوضيح المنهج الصحيح الشرعي فيها لكنهم لم يتعرضوا لعملية توعية مناسبة، وهنا يأتي دور المدرسة والمناهج الدراسة ودور المسجد وخطبة الجمعة وكذلك الجهات المناط بها عملية التوعية والإرشاد والأمن الفكري.
•مؤشر الاهتمام والتفاعل واضح في دول المغرب العربي ومصر وهو مؤشر خطير يستحق العناية والانتباه ويعكس آثار الثورات.
•من المهم طرح فكرة التوعية داخل مناطق الصراع والقتال فلا نريد أن يعاد سيناريو بيوت المجاهدين العرب في مرحلة أفغانستان والتي ترِكَت لدعاة التكفير وغلاة المجاهدين، فمن المهم الآن إيجاد آلية وطريقة للتوعية من الداخل لا شك أن العملية ليست سهلة لكنها مهمة ففي النهاية هذه الأعداد من الشباب سيعودون إلى أوطانهم محمّلين بلوثات فكرية خطيرة؛ لذلك أي حركة استباقية سيكون لها الأثر العميق على المدى البعيد.
•الآن لا بد من الانتباه الشديد من قبل الأسر وتوجيه أولادهم بطريقة سليمة وفتح أسلوب حواري راقي معهم والتعاون مع المدرسة والمعلمين في عملية التوعية والتوجيه والإرشاد.
وأكدت دراسة “حملة السكينة” أن المشاركة والتحريض لا تقتصر على من ظهرت عليه علامات الالتزام الديني بل نسبة كبيرة ممن هم في الدراسة يظهر من مشاركاتهم والصور التي يعرضونها لا يصنّفون ضمن التيار الجهادي أو الملتزم ظاهريا.
وأكدت “السكينة” على ضرورة العمل على تعزيز الوسطية, واعلنت استعداد دعاتها وفريق العمل بها تقديم استشارات (فكرية) للأسر التي تحتاج إلى ذلك ودعت المختصين والباحثين للتطوّع في هذا المجال وهو تقديم الاستشارات والتوجيهات للأسر ومهمتنا لا تتعدى الجوانب الفكرية والشرعية والاجتماعية، ويمكن التواصل مبدئيا عبر موقع السكينة www.assakina.com
وقالت الدراسة إنه لا بد أن من توضيح قاعدتين شرعيتين مهمتين، فالتعامل مع هذه القضية يجب أن يكون مبدؤه التعامل الشرعي الديني مع النظر في العناصر الأخرى المهمة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية عامة:
*القاعدة الأولى: أن الجهاد في سبيل الله شعيرة عظيمة وعبادة نتقرب فيها للمولى سبحانه، ولأنه عبادة فله شروطه وأحكامه وموانعه مثل بقية العبادات، فالصلاة وهي الركن الثاني في الإسلام لا تصح بلا طهارة ولا تجوز بلا إتمام شروطها وأركانها.. كذلك الجهاد لا يقوم شرعا ولا يصح إلا بشروط وانتفاء موانع، وعلى سبيل المثال مشاركة السعوديين في الجهاد القائم في سوريا أفتى كبار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية بعدم جواز الذهاب للجهاد في سوريا ؛ ذلك لعدم اكتمال الشروط ووجود موانع شرعية.
أولاً: إذن ولي الأمر شرط من شروط صحة الجهاد. وولي الأمر هنا حذر من الذهاب والمشاركة مع فتحه أبواب النصرة عبر القنوات الإغاثية الرسمية وعبر تفعيل القضية في المجالات السياسية الدبلوماسية، فإعلان النفير وإعلان الجهاد هذا من صلاحيات ولي الأمر لأنه يتعلق بمصلحة الأمة جميعها قال تعالى (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) فالتحريض وإعلان النفير مرتبط بولي الأمر. قال الإمام ابن قدامة في المغني رحمه الله: “وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك ” انتهى. ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر ؛ لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور وليس أفراد الناس)؛ لأن ضبط هذا الشرط مانعٌ من الفوضى ومانعٌ من المفاسد المتوقعة.
ثانيا: رضى الوالدين شرط في صحة الذهاب للجهاد والأحاديث في ذلك كثيرة (ففيهما فجاهد)، والقدرة شرط في الجهاد وانتفاء المفاسد. كذلك شرط وجود الراية الواضحة الصحيحة في الجهاد.
ثالثا: هناك من يغرر ويحرض الشباب ويقول هذا الجهاد فرض عين وهذه الشروط في فرض الكفاية وهذا تلبيس وغلط وقلة فقه، فإذن ولي الأمر شرط في جميع أنواع الجهاد إلا إذا دهمك العدو وأصبحت تدفع عن نفسك القتل وعن عرضك السوء.
وقالت الدراسة: أما قتال في منطقة أخرى فهو يخضع لكل أنواع الشروط السابقة كما قرره الفقهاء, وهذه الشروط وغيرها تحمي هذه العبادة العظيمة وهذه الشعيرة من تلاعب المحرضين وفساد المغرضين، وقد جربنا سابقا كيف ذهب الشباب إلى العراق على أمل المشاركة في الجهاد -كما صوره لهم بعض المحرضين- والحقيقة أنهم أصبحوا في أيدي عصابات وقطاع طرق فمنهم من قتل بلا هدف ومنهم من باعوه بثمن بخس وهانحن نعاني من سجن بعضهم وتعذيبهم، وهناك من ذهب وتلبّس بأفكار منحرفة خرجت به عن تعظيم الشريعة فأصبح متطرفا غاليا في الدماء والتكفير. فالضوابط تحقق الغاية من الجهاد وتخفف من الآثار السيئة والعواقب المتوقعة.
*القاعدة الثانية: الجهاد يقوم بعدة أشكال وأنواع، فالجهاد ليس هو القتال فقط، فالمشاركة بالمال عبر القنوات الرسمية الآمنة جهاد، الدعاء لهم وتفعيل قضيتهم لمن كان من أهل الرأي والتأثير جهاد، وهناك الجهاد بالقلم والبيان، لا شك أن أهلنا في سوريا يعيشون محنة عظيمة وحالة تصفية تاريخية ولا شك أنه يجب نصرتهم وإعانتهم لكن وفق الشرع ووفق ما أمر الله به فنحن نقدم الشرع على العاطفة ليكون عملنا مقبولا نافعا صحيحا، فلا يجوز ذهاب من في السعودية -كما أفتى أكابر العلماء- إلى سوريا للمشاركة في القتال القائم هناك، مع الحث على نصرتهم بالمال والدعاء والبيان.
وقال دراسة “السكينة”: إن المشهد الموجود في الداخل السوري وبعض المناطق الأخرى.. داخل الجماعات الجهادية يشبه إلى حد كبير مرحلة المضافات وبيوت المجاهدين إبان الجهاد الأفغاني، دخل في بعضها من لديهم أفكار متطرفة وغالية في أبواب الحكم والتكفير والاحتساب وتأثر بهم بعض الشباب ثم رجعوا إلى بلدانهم بعقول مفخخة ونفوس مشحونة وقلوب مليئة بالحقد والغل على بلدانهم ومجتمعاتهم حتى وصل الأمر في بعضهم أنه لا يصلي في المساجد ويعيد الصلاة إذا صلى في الحرم ! هذا من شدة الغلو وتمكّن الشبهات في قلوبهم وعقولهم، والأسوأ تحويل هذه الأفكار إلى جرائم واعتداءات ؛ لذلك يلزم الانتباه والتحرك السريع والمركز لمنع تكرار التجارب السابقة بعد أفغانستان والعراق. وما زال الأمر ممكنا (فكريا) والحمد لله في الداخل السعودي الاستجابة ليست كبيرة مما يدل على مستوى الوعي لكن حتى لو كانت النسبة قليلة يجب علينا التحرك الفوري وتكثيف التوعية وتحصين الشباب من الانزلاق في هاوية الأفكار المنحرفة.
وعلى الموجودين في سوريا وغيرها من مناطق القتال ألا تغرهم الشعارات والدعوات والرايات وأن يرفضوا أفكار الغلاة ولا يكونوا قنطرة لعبور الفتن إلى بلادهم وأوطانهم.
وحددت دراسة “السكينة” العلاج في ثلاثة أبعاد:
أولاً: الوعي المجتمعي: وهذا البعد الأهم، وعي الأسرة.. المسجد.. المدرسة.. الإعلام.. الجميع يجب أن نوضح لهم الموقف الشرعي والمفاهيم الصحيحة ونبين لهم المآسي التي يواجهها من يذهب إلى هناك وأن ما ينقل لهم غير صحيح وفيه تدليس.
ثانياً: تكثيف الحوارات مع الشباب المتحمس وإشراكهم القوي في برامج فاعلة وإيجابية وتوجيههم التوجيه السليم،وهو ما أكد عليه خادم الحرمين -وفقه الله- قطع الطريق على المحرضين وصدّهم وفضحهم، وهذا منه -حفظه الله- إدراك بمدى عمق الألم الذي يعيشه المجتمع بسبب هؤلاء المحرضين.
ثالثا: لا بد من توضيح وكشف الحقائق للشباب عن تلك الجماعات الموجودة في الساحة والتنظيمات التي أعلنت تطرفها الفكري فهل من سيذهب للجهاد هناك هل سيكون تحت راية تنظيم القاعدة؟ القاعدة التي قتلت من المسلمين في العراق أكثر مما قتلت من غيرهم؟ القاعدة سفكت دماء جنودنا وأولادنا المصلين الصائمين؟ القاعدة التي خالفت الشريعة والعقيدة في بعض أبواب الإيمان والتكفير؟ القاعدة التي ترى العلماء الكبار الذين شابت لحاهم في العلم والدعوة تراهم ضالون مضلون وأعلنوا ذلك مرارا وعلى رأسهم أميرهم الظواهري؟ هل هذه هي الراية التي يجاهدون تحتها؟
وطالبت “السكينة” المجتمع الدولي يتحمّل مسؤولية سياسية تجاه تجمّع هذه التنظيمات والخلايا في مناطق الصراع، فالتأخير في الحسم يعني دعم التطرف وبالتالي ستعاني منه الدول التي شارك مواطنوها فيها إذا رجعوا, وقالت: من المهم طرح مشاريع وبرامج فكرية نوعية وفعلية للمرحلة المقبلة ونحن بحاجة إلى خطة وطنية شاملة وعاجلة حتى نستطيع احتواء هذه التغيرات الفكرية.
واختتمت بالقول: إن نظام جرائم الإرهاب الذي صدر مؤخرا محور مهم في التعامل مع الإرهاب ومقدماته خاصة وأنه حدد المصطلحات المشكِلة والآلية في التعامل مع الجرائم، في المقابل نحن بحاجة إلى نهضة فكرية وسطية تغطي أدوات الإرهاب والغلو.