أرجع مختصّون العنف ضدّ المعلمين، إلى إهمال “التربية” معلميها حتى صارت عوناً لممارسة العنف ضدّهم وعدم تشريعها قوانين تحميهم، كما رأى آخرون أن ضعف الوازع الديني وإهمال الأسرة لتربية أبنائها كانا سبباً في عنف الطلاب تجاه معلميهم، محذرين من الدور السلبي لبعض وسائل الإعلام والمسلسلات التي تشجع على العنف، مطالبين بضرورة غرس سلوك الاحترام لدى الطلاب منذ الصغر، حتى لا يقع المعلم ضحيةً لمنظومة فاسدة.
احترام المعلم
رفض المعلم سعيد الحربي، عنف بعض التلاميذ تجاه معلميهم، مرجعاً ذلك لضعف شخصية المعلم، وقال: هناك بعض الأسر تربي أبناءها على عدم احترام المعلم، وأنه أفضل منه، وأن المعلم يعمل لخدمته؛ ما أسهم في عصبية بعض الطلاب تجاه معلميهم.
أما المعلم محمد عبد الله، فقد عبّر عن أسفه من تفشي ظاهرة العنف بصفةٍ عامة داخل المجتمع، وخاصة في المنظومة التعليمية، وقال: على المسؤولين أن يضعوا قوانين صارمة تحافظ على هيبة المعلم ، وفي الوقت نفسه لا تضر بالطالب حتى تستقم المنظومة، ملقياً اللوم على “التربية” باعتبارها المسؤولة عن إهدار حقوق المعلمين أمام تلاميذهم.
ورأى فهد عبد الرحمن أنه سلوكٌ خاطئ، إلا أنها حالات فردية لا ترقى إلى الظاهرة أو الحديث عنها، وبسؤاله عن قتل أحد المعلمين: أجاب قائلاً: هناك أسبابٌ نفسية ومرضية لا يجب أن نتجاهلها وربما تكون سبباً وراء ذلك، مؤكداً أن مَن يقوم بهذه التصرفات من الطرفين مرضى نفسيون ويجب ألا نقيس عليهم.
فيما رفض أحد المعلمين ما قاله فهد، وقال لـ “سبق”: هناك الكثير من الأخطاء يجب ألا نغفلها، فعندما نجد طالباً يركل أستاذه أو يتعدّى عليه باللفظ أو الجسد، أو يحطم زجاج سيارته، كلها تصرفات ترهب المعلم وتضعف شخصيته أمام أبنائه من الطلبة، ما يؤثر فيه بشكل سلبي في أدائه الوظيفي.
فراغ تربوي
وأرجع الخبير التربوي نزار رمضان أسباب العنف، إلى غياب الدور الحقيقي المساند للتعليم وهو التربية والتوجيه، وضعف الجانب التربوي لدى أغلبية المعلمين وضعف تدريبهم وهم على رأس العمل، بل أحياناً مَن يقوم بالدور الإرشادي داخل المدرسة المعلم القديم أو المحبوب أو معلم التربية الإسلامية، ويتم تغافل الكفاءة والتخصّصية الأخرى، لافتاً إلى الفراغ التربوي كقلة التنوع في الأنشطة والبرامج في المدارس، وطالب باتباع منهجيات واضحة مع الطلاب في الأنشطة، بحيث يكون لكل طالب طريقة احتواء معينة وطاقة موجهة.
وانتقد رمضان الإعلام لتصويره المعلم أنه شخصية مجنونة ومستهترة، وعلاج بعض مشكلات العنف في الوسط التعليمي بطريقة غير تربوية، خاصة أن طرفَي العملية التعليمية وقطبيها تعرّضا لإهاناتٍ ونكتٍ وشائعاتٍ؛ ما يسهم في ترسيخ هذا الطابع الاستهزائي على أنه حقيقة، مبيناً أن للمشكلة أطرافاً متعددة وقطباها هما الأسرة والمدرسة، وقال: إن الطالب يمضي نحو 50 في المائة من وقته في المدرسة، أو في متطلباتها والباقي بين الأسرة بنسبة 40 في المائة، هذا من ناحية الوقت وينسحب ذلك أيضا بقوة التأثير في العنف.
وحذّر من العنف الأسري الذي يترجم واقع العنف المدرسي، ويعمل على تعطيل طاقات الفعل والإبداع والابتكار في شخصية الطالب، وينتج الشخصية الانطوائية والعصبية والانفعالية والمتسلطة والمنتقمة من سيطرة الغير، ولو كان زميلاً أو معلماً، وسيطرة الشخصية المتنمرة التي تتلذّذ بأذى الضحية من “شد الشعر أو الدماء”، لافتاً أن القصور والتراخي في تطبيق القواعد المنظمة للسلوك فشلا في احتواء الطلاب وأبوة المعلم، ودعا إلى تعليم “الذوق الإنساني والحقوق والواجبات” في مدارسنا، كما نتعلم القراءة والحساب، وختم حديثه مطالبا بإفساح
المجال للحرية المنضبطة، والمسؤولية المتبادلة بين المعلم والطالب؛ لخلق مناخ تربوي تعليمي راقٍ بعيدٍ عن الحشو والتلقين والوظيفة.
“عدوى” الاتكالية
ورأى استشاري الطب النفسي دكتور جمال الطويرقي، أن “عدوى الاتكالية” المتفشية في المجتمع سبب رئيس لانتشار العنف بين أفراده، وقال: مع الأسف البيت والمدرسة يتبادلان اتهامات التقصير في تربية الأبناء، فالأب يهدّد المعلم ويجرح كرامته، ولا يسمح له بتربيه ابنه، متهماً قوانين التربية والتعليم بالاهتمام بالفرعيات، وقال : مع الأسف وزارة التربية والتعليم تجاهلت التربية، وتعاملت مع قوانين عقيمة سمحت فيها للطالب بالتجرؤ على المعلم، وإهانته، واستخدام العنف ضده. ورفض استخدام العنف ضد المعلم حتى إن تجاوز في أسلوبه التربوي، قائلاً: إن المعلم خط أحمر غير مسموح بتجاوزه، وعلى وزارة التربية والتعليم توفير الحماية له، وتهيئة المناخ التربوي المناسب لأداء رسالته التعليمية.
وحول الدوافع النفسية للعنف ضد المعلم، قال الطويرقي: قد يكون هذا الطالب مصاباً بجنون “انفصام ذهني”، وقد يكون قد نشأ في مناخ اسري غير سوي، وتعرّض لمشكلاتٍ اجتماعيةٍ، أفرزت شخصية إجرامية، فيصبح فريسةً سهلةً للمخدرات والجريمة، لافتاً إلى تعرُّض الطالب لتحرُّشٍ أو اعتداءٍ جنسي من قِبل المعلم، واعتبر تصاعد العنف ضدّ المعلمين خطراً يهدّد العملية التربوية.
وحقناً لدماء المعلمين في المدارس شدّد على تفعيل دور الأخصائي الاجتماعي في المدارس قائلاً: إن دور الأخصائي الاجتماعي يكمن في معرفة أسباب الخلل داخل الأسرة، الذي نجم عنه سلوك شاذ من الطالب، وطالب في ختام حديثه بوجود “مركز تربوي” بكل مدرسة لتقييم سلوك الطالب، واحتواء مشكلاته النفسية، حتى تستقيم أركان العملية التربوية.
مسلسل سحق المعلمين
من جانبه، قال الأكاديمي المتخصّص في التربية والكاتب في صحيفة “المدينة” عبد الله الجميلي: إنّ المعلم والمعلمة هما أهم أركان العملية التربوية، ورعايتهما وحمايتهما وخَـلق البيئة المناسبة والصحية لهما بجميع صورها كَـفيل بأن يؤديا رسالتهما في البناء التربوي والمعرفي للطلاب والطالبات، مؤكداً أن الدول المتقدمة أدركت أهمية التعليم العام في التنمية، وأهمية المعلم والمعلمة؛ وبالتالي سخرت لهما الدعم والحماية والتقدير المعنوي والمادي اللذين تفوقا به على القاضي وعضو هيئة التدريس، وأبدى أسفه لأن المعلم والمعلمة أصبحا الركن الأضعف في العملية التربوية.
وقال الجميلي: لقد بدأ مسلسل سحق المعلمين والمعلمات بإهدار حقوقهم المادية والمعنوية؛ ثم تواصلت حلقات الحكاية حتى وصلت للعنف بصوره المختلفة (اللفظي والجسدي)، لافتاً إلى انتقال العنف من الضّـرب والطعن والرّكل إلى القتل، كما حدث قبل أيامٍ للمعلم البرناوي – رحمه الله! وأرجع أسباب عنف الطلاب ضد المعلمين لضعف الوازع الديني، وإهمال الأسَـر تربيتهم، وأيضاً تأثير الأفلام والمسلسلات، محذراً من البرامج الإعلامية التي تزرع فيهم غريزة العنف، وأبدى أسفه لتجاهل عديدٍ من الأسر لغرس سلوك احترام المعلم في نفوس أبنائها، بل على العكس يسمعون منها القدح في المعلم وتهديده قولاً، والانتقال للـنّـيْـل منه فِـعْـلاً داخل المدرسة.
وانتقد وزارة التربية والتعليم لظلمها للمدرسين والمدرسات، وسلب حقوقهم، فكانت القدوة في الحط من مكانة المعلم، وكانت عوناً في ممارسة العنف ضدّه وفَـتْـح الأبواب لِـسَـحقه؛ بعدم تشريعها لأنظمة رادعة تحميه، بل صل الأمر بقرارات تهديد ووعيد سلبت منه حتى حقّه في الدفاع عن نفسه، مبدياً أسفه لمساهمة التربية بأنظمتها وصمتها في تقديم معلميها ضحايا للعنف، وأرجع ذلك لعدم قدرتها على تطوير التعليم وأدواته ومخرجاته، ولذا قررت أن يكون تفريغ شحنات غضب المجتمع عنفاً مع المعلمين والمعلمات، محذراً من سيلٍ جارفٍ من العنف ضدّ المعلمين والمعلمات، ومزيدٍ من الضياع للتربية والتعليم، واقترح في ختام حديثه إنشاء جمعية لحماية المعلم السعودي.