كشف الفكر الداعشي في السعودية عن وجهه القبيح على أرض الواقع، وأعلن على الملأ أنه يستهدف قوات الأمن السعودي، عبر سلسلة من الاغتيالات، بدأها قبل أسابيع قليلة، عندما نفذ عدداً من العمليات الإرهابية، أبرزها قتل رجلَي أمن في شرق الرياض، ثم قَتْل رجل أمن أمس الجمعة في جنوب العاصمة. وصور زعماء داعش من يرتكبون هذه الاغتيالات بأنهم يصنعون أفعالاً تقربهم إلى جنة الخلد، وتجعلهم مع الصديقين والشهداء في مرتبة واحدة في الفردوس الأعلى.
ويتفق هذا الأمر مع ما ذهب إليه محللون على أن الأمن داخل السعودية بات مستهدفاً بشكل واضح من قِبل ما يعرف بالفئة الضالة، وتحديداً تنظيم داعش، وأكدوا أن الضربات الاستباقية التي تنفذها الجهات الأمنية المختصة التابعة لوزارة الداخلية لا تمثل نجاحاً أمنياً فحسب، بل هي ردع مزدوج، لا يقف تأثيره عند الفئة الضالة التي يتساقط أفرادها في قبضة الأمن، بل يصل تأثيره إلى كل من يتعاطف مع هذه الفئة.
ووصل البعض إلى التلميح بأن السعودية هي الهدف الاستراتيجي لكل المنظمات الإرهابية، باعتبارها قلب العالم الإسلامي، مشيرين إلى أن مزاعم المنظمات الإرهابية بإعادة إقامة دولة الخلافة الإسلامية تتطلب منهم إقامتها في قلب العالم الإسلامي حيث السعودية؛ وبالتالي يلجأ هؤلاء الإرهابيون إلى إثارة البلبلة من خلال تكفير العلماء، واستغلال ثورات الربيع العربي في الجانب المعاكس، وإثارة الفوضى لتنفيذ أجندتهم بأيدي شباب سعودي مغرر بهم، وتحت معتقدات محاربة الكفر والإلحاد.
الرأي الشرعي والأمني
وفيما يحرم الله -سبحانه وتعالى- قتل النفس بقوله {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}، فقد أجمعت الفتاوى على أن مصير من يتعمد قتل الأنفس البريئة نار جهنم.
وفي السياق ذاته، حذر الشيخ سعد البريك أثناء لقائه مع نزلاء خرجوا للتو من خلف قضبان إصلاحية الحائر -كانت “سبق” حاضرة- من أصحاب الفكر الضال الذين ينتمون لداعش، ويبايعون ما يسمى بـ”أبو بكر البغدادي”، متسائلاً: كيف يجرؤ أحدهم على قتل رجل أمن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؟ يقتل رجل أمن له زوجة أرملها، وطفلة أثكلها ويتمها، وأم وأب وأخ فجعهم جميعاً!! أي دين، وأي دولة، وأي استقامة تجعله يتصرف تصرف كهذا؟
وقال المتحدث الأمني لوزارة الداخلية اللواء منصور التركي: “كل رجل أمن مهدد ومعرض للتحريض، واستهداف الشخصيات واغتيالها أسهل من أعمال التفجير لدى الجماعات التكفيرية؛ لأن ذلك لا يتطلب سوى سلاح فردي، والإرهابيون يرون أن رجال الأمن الصخرة التي تتحطم عليها كل مؤامراتهم، وهناك من يستغل هموم المجتمع ويصطاد بالماء العكر، ويسيء للدولة، وما زلنا نعول على الرأي العام من المواطنين والمقيمين في التصدي لهذه الأعمال”.
تغيير الاستراتيجية
ويميل الفكر الداعشي الذي تسرب إلى أرض السعودية عبر طرق عدة، واعتنقه بعض المواطنين الذين غُرر بهم، إلى تغيير الاستراتيجية بشكل جزئي، وربما كلي؛ ليتماشى مع مستجدات الأوضاع الأمنية، فيما نجحت وزارة الداخلية في توجيه ضربات استباقية لعناصر هذا الفكر، وإجهاض مخططاتهم التي كانوا ينوون تنفيذها في مناطق السعودية، ورأى التنظيم أن يغير في آلية عمله، والتوجه إلى اغتيال العناصر الأمنية، كردة فعل انتقامية من وزارة الداخلية التي أربكت مخطط التنظيم، وبعثرت تركيزه.
ويعتمد تنظيم داعش على برامج فكرية تخريبية، تعيد صياغة تفكير الشباب المغرر بهم، وتبشرهم بالجنة في حال قتلهم. وسبق لوزارة الداخلية أن أعلنت وجود استهداف لشخصيات عامة من قِبل عناصر التنظيمات الإرهابية، وألمحت الوزارة إلى وجود خلية خاصة بالاغتيالات؛ ما أثار الكثير من التساؤلات عن التغيير الجذري الذي أحدثته الجماعات الإرهابية في آلية تنفيذ عملياتها الإرهابية. واعتبر عدد من المحللين سياسة الاغتيالات من الأدوات الجديدة لأفراد الفئات الضالة في حال عدم تمكنهم من تنفيذ أعمال إجرامية على نطاق أوسع.
عمليات القتل
وقُتل أمس الجمعة رجل أمن، إثر تعرض دوريته لإطلاق نار من سيارة مجهولة، في رابع حادث يستهدف رجال أمن بالرياض خلال شهرين. وقال الناطق الإعلامي لشرطة منطقة الرياض إنه عند الساعة السابعة والنصف بعد مغرب أمس الجمعة، وأثناء قيام إحدى دوريات أمن المنشآت بجنوب مدينة الرياض بمهامها تعرضت لإطلاق نار من سيارة مجهولة؛ ما نتج منه استشهاد قائدها الجندي ماجد عائض الغامدي.
ويعد هذا رابع حادث أمني يستهدف رجال الشرطة في الرياض خلال شهرين، وتم الكشف عن وقوف تنظيم “داعش” خلف اثنين منها. وقُتل شرطيان الأربعاء 8 إبريل الماضي في إطلاق نار من قِبل مسلحين مجهولين شرق الرياض، وتم الكشف عن وقوف داعش خلف الهجوم، وتم الكشف عن هوية المتهمَين، وتم اعتقالهما يومي 24 و28 من الشهر نفسه.
وأُصيب رجلا أمن إثر تعرض دورية أمنية لإطلاق نار من سيارة مجهولة الهوية في الرياض يوم 29 مارس الماضي، وتم الكشف عن وقوف داعش خلف الهجوم، وتم إعلان اعتقال المتهم يوم الجمعة 10 إبريل الماضي.
وأعلنت السلطات السعودية في وقت سابق، وتحديداً يوم 8 مارس الماضي، تعرض ضابط أمن لإطلاق نار من مجهول بالقرب من المنزل الذي يقيم فيه بالرياض؛ وتم نقله إثر الهجوم للمستشفى.
وفي 28 إبريل الماضي أعلنت وزارة الداخلية أنها أحبطت “محاولة انتحارية” كانت تستهدف سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالرياض بواسطة سيارة محملة بالمتفجرات في مارس. وأعلنت اعتقال 93 شخصاً، من بينهم 81 ينتمون لتنظيم داعش، على مدار الأشهر الأربعة الماضية؛ الأمر الذي أدى إلى “إحباط مخططاتهم الإجرامية”، وكان من بينها استهداف مقار أمنية ومجمعات سكنية، واغتيال عسكريين من مختلف القطاعات، واستهداف مجمعات سكنية، وتنفيذ عمليات لإثارة الفتنة الطائفية، وكذلك استهداف رجال الأمن، ومهاجمة سجون المباحث العامة.
5000 يعتنقون الفكر الضال
وتضم قائمة الذين يعتنقون الفكر الضال من بين السعوديين نحو 5000 مواطن في الداخل والخارج، يوجد بينهم 1400 سعودي في بؤر الصراع، مثل سوريا والعراق وأفغانستان، ويوجد نحو 600 شخص عادوا إلى السعودية، يضاف إلى ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص في السجون السعودية، وهي أعداد غير مقلقة، بعدما نجح برنامج المناصحة التابع لوزارة الداخلية في توعية الكثيرين ممن تم تجنيدهم لصالح الجماعات الإرهابية في الخارج.
وتعرض هؤلاء إلى عمليات غسل مخ ممنهجة ومكثفة قبل تكليفهم بتنفيذ أي أعمال إرهابية، وأوهمت هذه العمليات أصحاب الفكر الضال بأنهم يحاربون الأشرار، الذين يحكمون بخلاف شريعة الله، وما أنزله على الرسول الكريم، وتوهم زعامات الفئات الضالة الشباب المغرر بهم أن قوات الأمن السعودي هي الذراع الأمنية التي تحمي أنظمة الكفر والإلحاد، وأن قتلهم واجب، يقرب صاحبه إلى الجنان التي وعد بها الله عباده المجاهدين، بحسب زعمهم.