تبدو مدينة عدن الجنوبية -التي لجأ اليها الرئيس اليمني “عبدربه منصور هادي”- مثل فسيفساء أمنية تتقاسم فيها النفوذ القوات الموالية للرئيس وأخرى للحوثيين، ومسلحو اللجان الشعبية والانفصاليون الجنوبيون، في مشهد ينذر بمخاطر كبيرة.
والتوتر السائد -منذ عدة أسابيع- يمكن أن ينزلق إلى العنف في أي لحظة، تمامًا كما حصل الخميس (19 آذار/مارس 2015)، في الاشتباكات العنيفة بين المسلحين الموالين للرئيس هادي والقوات الموالية لسلفه المتحالف مع الحوثيين “علي عبدالله صالح”.
وقتل 12 شخصًا في الاشتباكات التي اندلعت مساء الأربعاء، واستمرت حتى الخميس.
ومطار عدن الواقع في وسط المدينة، يجسد تمامًا الوضع الأمني المعقد في عدن، فقد شاركت في المواجهات قوات الأمن الخاصة، التي يقودها العميد “عبدالحافظ السقاف”، الذي رفض قرارًا -بإعفائه من منصبه- أصدره الرئيس هادي.
وصل “هادي” إلى عدن، في الـ21 من شباط/فبراير، واستأنف ممارسة مهامه كرئيس معترف به دوليًّا، بعد أن تمكن من الإفلات من الإقامة الجبرية، التي كان يفرضها عليه المسلحون الحوثيون الشيعة، الذين يسيطرون على صنعاء.
واندحرت الخميس قوات “السقاف”، الذي خسر مواقعه في عدن، وسلم نفسه لمحافظ لحج الجنوبي.
وكان السقاف -المعروف بعلاقته مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح ومع الحوثيين- يقود قوة يتراوح عددها بين ألف وألفي مقاتل، مسلحين بشكل قوي، ومتمركزين بشكل أساسي في مقرهم في وسط عدن.
وفي تصريح نقلته الصحف المحلية –مؤخرًا- قال السقاف إنه يريد أن يشكل “حائط صد في مواجهة القاعدة”، لا سيما أن قوات الأمن الخاصة هي الجهاز المكلف مكافحة الإرهاب.
ولم تحقق القوات الحكومية كثيرًا في مواجهة القاعدة، بل إن الميليشيات الموالية للجيش -المعروفة باسم اللجان الشعبية- هي التي نجحت في 2012 بطرد القاعدة من مناطق واسعة كانت قد سيطرت عليها في جنوب اليمن في خضم الانتفاضة ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وكانت اللجان الشعبية متمركزة بشكل أساسي في محافظة ابين الجنوبية في شمال عدن.
ودخلت اللجان الشعبية إلى عدن في كانون الثاني/يناير، غداة استقالة الرئيس هادي، الذي كان يقبع تحت ضغط الحوثيين في صنعاء، الذي عاد وتراجع عن الاستقالة بعد نجاحه في الانتقال إلى عدن.
وانتشرت اللجان الشعبية -بطلب من السلطات في عدن- في سائر أنحاء المدينة، وهي تقوم بحراسة الميناء، والإذاعة والتلفزيون، ومصفاة النفط، والمباني العامة الرئيسية.
ورسميًّا، ينتشر مسلحو هذه اللجان، من أجل حماية عدن من أي تسرب للحوثيين إلى المدينة الجنوبية.
ويتمتع قائد اللجان “عبدالله السيد” بصورة الأسطورة، إذ نجا من سبع هجمات نفذتها القاعدة ضده، بينها هجومان انتحاريان أسفرا عن مقتل عدد كبير من المقربين منه.
قال السيد: “نحن في المحافظات الجنوبية، لن نسمح بأي تسرب للحوثيين. أقول لهم: ابقوا حيث أنتم ولا تدخلوا الشعب في نزاع طائفي”.
وأضاف زعيم اللجان الشعبية -من مكان سري في شمال عدن-: “القاعدة لم تعد إلى هنا ليأتوا لمحاربتها، ونحن قادرون على تنظيف البلاد من العناصر المتطرفة، وأن نحمي البلاد”.
واتهم السقاف بـ”زرع الكراهية بين قوات الأمن الخاصة واللجان الشعبية والجيش”.
من جهته، قال المحلل “حسين صالح الحنشي” للوكالة الفرنسية، إن “الرئيس هادي يحاول أن يهدئ التوتر في عدن، إلا أن المصدر الأساسي للتوتر هو موقف السقاف”.
ولم يحبذ الرئيس اليمني استخدام العنف مع السقاف.
إلى ذلك، أطلق هادي -مطلع الأسبوع- حملة للتطوع في الجيش، لجمع عشرين ألف شاب من الحافظات الجنوبية، وقد تقدم حوالى ثلاثة آلاف متطوع حتى الآن، بحسب الصحافة المحلية.
وتتهم الأوساط السياسية اليمنية الجنوبية، الرئيس اليمني -وهو متحدر من الجنوب- بأنه فكك جيش دولة اليمن الجنوبي السابقة، بدلًا من دمجه في الجيش الوطني مع الوحدة بين الشمال والجنوب في 1990.
وترى هذه الأوساط أن الولاءات التي يتمتع بها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، سمحت له بأن يبقى لاعبًا أساسيًّا في البلاد، بعد تخليه عن السلطة في 2012.
وإضافة إلى الصراعات السياسية، تنتشر القاعدة بقوة في عدن؛ حيث لديها خلايا عدة.