ناصر معشي – جازان فويس
أدرك العالم أجمع استحالة رضوخ المملكة العربية السعودية للضغوط الخارجية والتدخلات السافرة في سيادتها، والنَّيل من الأحكام الشرعية التي تطبقها؛ فالسعودية قائمة على تطبيق شرع الله وسُنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وشريعتها وسيادتها “خط أحمر”؛ لا تساوم عليه، ولا تسمح لأحد بالتطاول والنَّيل منه، وسوف تستمر في ذلك، وليرضَ مَنْ يرضى، أو يغضب من يغضب.. وقضاؤها فوق كل سلطة، ويخضع له الجميع طاعة وامتثالاً، ولن يرضى أي مسلم أن تنال منه السويد أو غيرها؛ فهيبة قضاء السعودية أساس العدل فيها.
فمن حق السعودية رفض التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم المجاملة بشأن ثوابتها؛ فهي دولة من الوزن الثقيل، التي يقدر العالم مكانتها الدينية بوجود الحرمين الشريفين على أرضها، وبدبلوماسيتها التي تقوم على “الهدوء والاتزان، والحكمة والتروي، وتبتعد عن الارتجال والتسرع والتردد”.
سياسة السعودية
إن السلطة الحاكمة في السعودية تستمد حكمها من كتاب الله سبحانه ومن سُنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وتؤمن باستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية؛ وبالتالي لا تسمح بالتدخل في أحكام القضاء، ولا في الشأن الداخلي للبلاد، وهو ما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله – في خطابه الأخير؛ إذ قال: “إن سياسة السعودية الخارجية ملتزمة على الدوام بتعاليم ديننا الحنيف الداعية للمحبة والسلام، وفقاً لجملة من المبادئ، أهمها استمرار السعودية في الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، بما في ذلك احترام مبدأ السيادة، ورفض أي محاولة للتدخل في شؤوننا الداخلية، والدفاع المتواصل عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية بشتى الوسائل”.
ولعل ما يبعث الغرابة أن تخرج وزيرة الخارجية السويدية لتنتقد حكماً قضائياً، توخى فيه مصدروه الضمانات العدلية كافة، بينما لا تجد لها صوتاً أمام الجرائم اليومية التي يرتكبها نظام الأسد ضد الشعب السوري طيلة السنوات الثلاث الماضية، أو لا تسمع لها تعليقاً على الممارسات الإسرائيلية اليومية في حق الشعب الفلسطيني المظلوم.
السيادة المطلقة
إن وزيرة الخارجية السويدية قد أدخلت بلادها وحكومتها في أزمة سياسية، ليس مع السعودية فقط، بل مع العالم العربي الذي استنكرت دوله في بيان جماعي تلك الانتقادات السويدية، وكان الأجدر بها قبل التدخل في شأن السعودية أن تتوقف لدراسة السياسة السعودية ذات السيادة المطلقة والمنهج الواضح.
إن انتقادات وزيرة خارجية السويد يفتقد الحنكة الدبلوماسية، ويبقى السؤال: لماذا لم تتحرك وتعلن رفضها المساس بمشاعر أكثر من مليار مسلم، وتطالب بإصدار قانون أوروبي يمنع التعرض إلى رسولنا الكريم بشكل خاص، وإلى تعاليم ديننا بشكل عام؟ لماذا لم نسمع عن قانون سويدي يعاقب من يتطاول على رسولنا الكريم؟ لقد أكد مجلس الوزراء نقطة جوهرية، هي أن مبادئ الإسلام غير قابلة للمساومة، وهي المبادئ التي تستند إليها السعودية في كل تعاملاتها، ثم إن القضاء له قاعدتان أساسيتان، تمثلان ضمان مدنية أي مجتمع وسلامة بنيته واستقرار أوضاعه، هما: عدم مناقشة القضايا المعروضة على القضاء، وعدم التشكيك في الأحكام القضائية أو الطعن فيها.
الصفعة السعودية للدبلوماسية السويدية
إن موقف السعودية القوي ضد وزيرة الخارجية السويدية تعتبر صفعة قوية على وجه الدبلوماسية السويدية، وإن التصرف السعودي جاء كرد فعل قوي على التدخل في الشؤون الداخلية لها، الذي ينطلق وفقاً للشريعة الإسلامية، ويجب تطبيقه كاملاً كما القانون السويدي الذي يقدَّم كحزمة كاملة، ولا يجوز قبول ما يناسب الفرد وترك ما يتعارض مع هواه.
فالاقتصاد السويدي يتعرض حالياً لخلل كون المملكة العربية السعودية تعتبر رابع أكبر سوق للصادرات السويدية خارج الاتحاد الأوروبي، وحين ترد السعودية على هذه التصرفات فهي سترد رداً قوياً، يتناسب ومكانتها في العالم، وثقلها في العالمين العربي والإسلامي.
ولو اضطرت السويد السعودية إلى إعادة النظر في العلاقات بينهما فإنها هي الخاسر؛ إذ إن الميزان التجاري بين البلدين يميل لمصلحة السويد ببلايين الدولارات.
ولعل ما قامت به الخارجية السويدية من تدخل جرَّ على بلادها الويلات بعد تلك الصفعة القوية، والرد المفحم من قِبل السعودية من جراء تدخلها في شؤونها الداخلية.
القيادة ترفض تهميش دور المرأة
وإن المرأة في السعودية تحظى بدور المرأة المسلمة الفاعل؛ فقيادة السعودية ترفض تهميشها وإلغاء دورها؛ لذا فقد أولتها اهتماماً ورعاية بإعطائها الفرصة للمشاركة الحقيقية والفاعلة في المجالات كافة، ابتداء من الحياة السياسية بإشراكها في صنع القرار في مجلس الشورى بعضوية كاملة، ومن ثم الترشح لانتخابات المجالس البلدية، إضافة إلى المناصب القيادية والاجتماعية المؤثرة وفي المجالات كافة داخل الوطن وخارجه، التي تقلدتها المرأة؛ وذلك لإيمان حكومة خادم الحرمين الشريفين بحقها في الحصول على أفضل الفرص للعلم والعمل؛ لذا كان لها نصيبها في برامج الابتعاث، وكذلك فتحت أمامها أبواب العمل ومجالاته المنوعة، مع الالتزام بثوابت ديننا وقيمه. والحقيقة، إن السعودية ليست بحاجة إلى محاضرات سياسية رخيصة من الوزيرة السويدية.
بيان مجلس الوزراء
أدانت السعودية التصريحات المسيئة لها، الصادرة من وزيرة خارجية مملكة السويد، التي تضمنت انتقاداً لأحكام النظام القضائي الإسلامي المطبق في السعودية، وتعريضاً بأسسها الاجتماعية، وانطوت على تجاهل للحقائق وللتقدم الكبير الذي أحرزته السعودية على الأصعدة كافة، بما في ذلك المكانة المتميزة التي حظيت – ولا تزال – بها المرأة في مختلف المجالات التعليمية والعلمية والصحية والاقتصادية والتجارية.
وتؤكد السعودية أن ضمان استقلال السلطة القضائية مبدأ ثابت، ومرتكز رئيس لحماية وتعزيز حقوق الإنسان، وأن قضاءها القائم على الشريعة الإسلامية السمحة كفل العدالة التامة للجميع، وأن الكل متساوٍ، وله حق التقاضي والحصول على حقه.. والقضاء في السعودية يتمتع باستقلالية تامة، ولا سلطان عليه غير سلطان الشريعة الإسلامية، كما أن حرية التعبير مكفولة للجميع في إطار الشريعة الإسلامية، ولا يجب إضفاء ادعاءات غير صحيحة على القضايا ذات الحقوق الشخصية بين الأفراد، ومحاولة إخراجها عن سياقها القضائي.
وفي مجال حقوق المرأة، فإن الشريعة الإسلامية تكفل المساواة العادلة بين الجنسين، ولا تفرق الأنظمة بين الرجل والمرأة، وفي مقدمتها النظام الأساسي للحكم الذي نص في مادته الثامنة على أن الحكم في السعودية يقوم على أساس العدل والمساواة وفق الشريعة الإسلامية.
وقد حققت المرأة السعودية إنجازات ملموسة في العديد من المجالات، مع حفاظها على هويتها الإسلامية والعربية؛ إذ تولت المرأة مناصب قيادية في القطاعين الحكومي والأهلي، إضافة إلى مشاركتها الفاعلة في مجلس الشورى، التي تفوق نسبة مشاركتها فيه نسب مشاركة المرأة في المجالس البرلمانية في الدول الأخرى.
كما يؤكد المجلس أن الإساءة إلى النظم القضائية والأنماط الثقافية والاجتماعية لمجرد اختلافها مع النمط السائد في دول أخرى أمرٌ يتعارض مع الأسس والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع الدولي، التي تنادي بضرورة احترام الأديان والتنوع الثقافي والاجتماعي للشعوب. كما أن مبادئ الإسلام الذي يدين به نحو ألف وخمسمائة مليون مسلم في العالم هي مبادئ غير قابلة للمساومة، ويتعين احترام خيارات الشعوب الإسلامية ومنهجها في الأخذ بأساليب النماء والتطور كافة، وعدم إقحام أنظمتها وشؤونها كمادة لتحقيق أغراض سياسية داخلية من قِبل السياسيين في أي دولة؛ لما في ذلك من تعارض مع الأعراف الدبلوماسية والعلاقات الودية بين الدول.
وإن المملكة العربية السعودية إذ يؤسفها صدور مثل تلك التصريحات غير الودية لتأمل ألا تضطر على ضوء ذلك إلى إجراء مراجعة لجدوى الاستمرار في العديد من أوجه العلاقات التي تربط بين البلدَيْن.