أحلام بالسفر، والدراسة، والحصول على أعلى الدرجات العلمية من أعرق الجامعات الأجنبية، ثم العودة بعد ذلك للمملكة، والحصول على وظائف مرموقة، وتحقيق الذات، ونقل خبرتهم لأشقائهم في المملكة.. هكذا تجول الأفكار برأس العديد من الشبان السعوديين الذين يحصلون على منح بالابتعاث والدارسة في الخارج.
لكن خلال 30 يومًا، جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن بالنسبة لثلاثة مبتعثين، واحدًا تلو آخر، بعد أن ذهبوا للدراسة في الخارج بدول مختلفة؛ حيث آلت مصائرهم إلى أوضاع مأساوية؛ ما بين “قتيل” و”محتجز” ومنضم لـ”داعش”.
القاضي.. “البداية”
البدايةُ كانت مع المبتعث السعودي عبد الله القاضي الذي انتشر نبأ اختفائه من خلال أخيه المبتعث أحمد القاضي، وتحديدًا الجمعة (19 سبتمبر 2014) عبر صحفته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، حين كتب: “الرجاء الدعاء لأخي عبد الله، مختفٍ من يومين في لوس أنجلوس”، طالبًا ممن تتوافر لديه معلومات عن الشاب عبد الله الاتصال برقم هاتف كتبه على جواله.
وتعاطفًا مع الواقعة ومن جانبهم، دشَّن مغردو تويتر وسمًا حمل اسم “عبد الله القاضي مفقود في لوس أنجلوس” شاركوا فيه بمئات التغريدات التي دعوا فيها بالحفظ والسلامة للشاب المفقود.
وفي يوم الخميس الموافق (2 أكتوبر 2014)، ذكر موقع “ديلي نيوز” الأمريكي أن فريقًا من مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” سيشارك في عملية البحث عن المبتعث السعودي المفقود، مع قسم التحقيقات في قضايا القتل والسرقة التابع لشرطة ولاية لوس أنجلوس.
وحينها نقل الموقع عن “فرانك فلورس”، أحد المحققين بقسم قضايا القتل والسرقة بشرطة لوس أنجلوس، تأكيده أن إف بي آي ستكون الوكالة الفيدرالية الوحيدة المشاركة في عملية البحث عن المبتعث السعودي المفقود، وعلل ذلك قائلا: “لقد تطلبت تطورات التحقيقات تدخلهم، فالقضية حساسة بعض الشيء، نظرا لأن الشخص المفقود مبتعث أجنبي قادم من المملكة العربية السعودية”، علاوة على أنه لا يستطيع الإدلاء بمعلومات عن سير التحقيقات؛ ولكنه أكد أن فريق التحقيقات حريص على الإمساك بزمام جميع الخيوط التي من الممكن أن تقودهم للمبتعث المفقود.
وخلال حوار لشقيق المبتعث مع “CBS Los Angeles”، قال إن أخاه المفقود منذ مساء يوم الأربعاء (17 سبتمبر 2014)، ولم تفلح محاولات البحث عنه في العثور عليه لمدة 20 يومًا.
إلى أن جاء اليوم الموعود، وأكدت عدة وسائل إعلام أمريكية صباح السبت (18 أكتوبر 2014) نبأ العثور على بقايا جثمان المبتعث السعودي عبد الله القاضي؛ حيث ذكر الإعلام الأمريكي أن شرطة لوس أنجلوس عثرت على جثمان الفقيد ليل الخميس (16 أكتوبر 2014) في منطقة صحراء بالم ديزرت، بالقرب من جسر “شارع كوك” على الطريق السريع.
وفي اليوم نفسه، ذكرت صحيفة “abc7” الأمريكية، أن شرطة لوس أنجلوس أعلنت عن نبأ العثور على بقايا الجثمان بعد ظهر يوم الجمعة، بعد التحريات التي شارك فيها مكتب التحقيقات الفيدرالي منذ الإبلاغ عن اختفائه، فيما أوضحت صحيفة “صن دايل” الأمريكية أنه لن يتم الإفصاح عن أية معلومات جديدة بخصوص القاضي قبل انعقاد المؤتمر، لأن التحقيقات أخذت منعطفًا حاسمًا.
ونقلت صحيفة “صن دايال” الأمريكية يوم (21 أكتوبر 2014) تصريحات عن رئيس شرطة لوس أنجلوس تشارلي بيك، قال فيها إن الشرطة ترجح أن يكون المبتعث قد قتل يوم اختفائه، أي يوم 17 سبتمبر الماضي، وهو اليوم نفسه الذي التقى فيه المبتعث مع المتهم الأول في القضية أوجستين روزيندو فرنانديز (مكسيكي الجنسية، 28 عاما).
وبحسب ما ذكره موقع “KTLA 5” الأمريكي، الثلاثاء (18 نوفمبر 2014)، ظهر المتهم أجوستين روزيندو فرنانديز في المحكمة العليا في سان فرناندو؛ حيث أجَّل القاضي توجيه الاتهام له إلى جلسة بتاريخ 21 يناير المقبل.
وأعلن القنصل الأمريكي في الظهران جوي هود، لأسرة المبتعث السعودي المغدور عبد الله القاضي، أن ثلاثة أمريكيين من أصول مكسيكية تآمروا لقتل “القاضي” بدافع السرقة، وأن مشتري السيارة التي عرضها “القاضي” للبيع قبيل اختفائه، كان هو الخيط الذي قاد الأجهزة الأمنية الأمريكية إلى كشف خيوط الجريمة، حيث اتفق المشتري مع صديقه وصديقته على قتل “القاضي” والاستيلاء على ما يحمله ودفن جثته.
السحيمي و”داعش”
وفي 25 سبتمبر 2014، أُعلن اختفاء طالب سعودي مبتعث بالعاصمة الأسترالية سيدني في ظروف غامضة يُدعى “مشعل صالح السحيمي”.
ودشن أهل الطالب المبتعث حسابًا على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” باسم “أهل المفقود مشعل” @meshal20127865، أوضحوا من خلاله تفاصيل اختفاء ابنهم، حيث كان آخر تواصل لهم معه قبل اختفائه مباشرة أفاد فيه بأنه بصحة جيدة، إلا أن أخباره انقطعت بعدها، مما اضطرهم للتواصل مع السفارة السعودية في أستراليا، التي بدورها اكتشفت أنه غادر إلى ماليزيا.
وفي يوم (7 أكتوبر 2014) كشف شقيق المبتعث السحيمي عن أنه سبق وسمع أن “مشعل” أرسل لوالدته رسائل يستأذنها في الخروج لـ”الجهاد” لكنها رفضت ودعته لمراجعة النفس.
وكانت تلك الرواية اعتمادًا على ابن خال السحيمي الذي يدرس أيضًا في أستراليا، والذي لاحظ تردد مشعل على اثنين من زملائه، وأن الشكوك تحوم حولهما في إقناع أخيه مشعل بالذهاب لـ”الجهاد” في مواطن الفتن.
ولاحقًا تواصل المبتعث مشعل مع عائلته في تبوك عبر اتصال هاتفي إضافة إلى إرساله صورة شخصية له ظهر فيها وهو يحمل سلاحا ناريّا ويرتدي زيّا عسكريّا يعود إلى تنظيم داعش الإرهابي، وتحديدا في 3 نوفمبر الماضي، بعد مرور ما يقرب من شهر على اختفاءه من أستراليا في ظروف غامضة، وإعلان والدته أنها فقدت التواصل معه.
وأفادت تقارير هناك محاولات جارية في الوقت الحالي لإعادته إلى المملكة بعد التأكد من التغرير به من قبل عدد من المتشددين، والمفاوضات جارية مع أحد أمراء داعش يعود إلى المنطقة التي توجد بها عائلة المبتعث السحيمي.
الاحتجاز
وأخيرا كاد أن يشكل مبتعث سعودي حلقة جديدة في هذه السلسلة، لولا أن القنصلية السعودية بشيكاجو تحركت سريعا للبحث عنه، وكشفت عن مكانه بعد إبلاغ أهل المبتعث عن فقده، وعدم التواصل معه منذ أيام.
وكانت أسرة المبتعث -الذي لم يكشف عن اسمه- استعانت بموقع تويتر في البحث عن ابنها، حيث وجّهت رسالة في التاسعة من صباح الأربعاء (8 أكتوبر 2014) على حساب “سعوديون في أمريكا” كان نصها: “السلام عليكم ورحمة الله ممكن مساعدة ودي أتطمن ع ولدي في ولاية شيكاجو في مدينة ملاوكي له أسبوعين ما كلمني وما عندي رقمه”.
ويبدو من الرسالة أن والدة المبتعث هي التي كتبت التغريدة السابقة، والتي قابلها متابعة الحساب، واهتمام المبتعثين الآخرين بكل تعاون وود، حيث أشار عليها أحدهم بمخاطبة الملحقية السعودية مباشرة، وكتب آخر ردّا على التغريدة رقم الملحقية السعودية في شيكاجو، ودعا آخرون للمبتعث بالسلامة والعافية مع المبتعثين عبد الله القاضي ومشعل السحيمي اللذين اختفيا قبله بأيام، بينما عرض مبتعث آخر البحث بنفسه عن المفقود، مشيرا إلى أنه في مدينة ملواكي، وسيبحث عنه.
كل ذلك قبل أن تقوم الملحقية بطمأنة أهل المبتعث بعد التوصل إلى مكانه، حيث كتب والده الجمعة (10 أكتوبر 2014) على موقع تويتر: “السلام عليكم أنا والده.. جاني رسالة من القنصلية أن ولدي محتجز من أسبوع عند السلطات في إدارة الهجرة بسبب مخالفته لنظام الطلاب الأجانب الحمد لله”.
وبذلك، تكون القنصلية السعودية في شيكاجو توصلت إلى حل لغز اختفاء المبتعث، وطمأنت ذويه على ولدهم في الخارج، لتضاف قصة جديدة إلى قصص نجاح القنصلية في رعاية المواطنين بالخارج.