رصدت عدسة “مصادر” جبال النفايات التي تحاصر أحياء عديدة بالعاصمة المقدسة، وانتقلت متجولة بحي كدي والمسلفة والمناطق المحيطة بتلك الأحياء والتي لا تبعد عن المسجد الحرام سوى مئات قليلة من الأمتار، ويعاني قاطنوها الأمرين لدى الدخول والخروج لحيهم، بل تضاعفت مخاوفهم إلى انتقال الأمراض والأوبئة جراء لهو أطفالهم حول النفايات، وسط تحذيرات طبية من انتشار السرطانات والغازات السامة وأمراض الكبد.
وفي المشاهدات، اصطفت أكوام النفايات على مداخل ومخارج معظم أحياء العاصمة المقدسة، ولسان حال من يشاهدها يقول هذه متاريس تحمي حاراتنا من هجوم الأعداء، لكن الواقع المرير يحكي فصولاً من تهاون واستهتار من وضعت فيهم الأمانة والمسؤولية والتي لم تتحرك ضمائرهم لتهب إلى نظافة أطهر وأقدس بقعة على البسيطة.
وحمّل عمدة كدي السابق عطاوي الندوي، كلاً من أمانة العاصمة المقدسة وشركة النظافة مسؤولية تكدس النفايات لأكثر من شهر، ووصف الحالة التي يعيشها أهالي الحي الذي تخطى أكثر من عشرة آلاف نسمة وتدهور الوضع بأن الحي بات منكوباً بسبب أكوام النفايات أمام المنازل، وإغلاق مداخل الحي بسبب النفايات التي لا تتحمل الشوارع جبالها.
إحباط ويأس
وقال المواطن عبدالله الدعدي من ساكني حي كدي: “أصبنا بإحباط ويأس من كثرة الاتصال بطوارئ الأمانة العاصمة المقدسة وضاقت بنا الحلول ولم نعد نصدق وعود الأمانة بإنهاء ظاهرة تكدس النفايات، ولم نشاهد اهتماماً أو وقوفاً على أرض الواقع ورفع الضرر عن قاطني الحي، وتزيد المعناة على كبار السن والعجزة الذين يحتاجون إلى هواء نقي ولكن حُرموا منه في ظل الوباء المحيط بمنازلنا”.
اختلاط بالصرف الصحي
وأضاف الدعدي أن أبناءنا وبناتنا يلبسون ملابس المدارس النظيفة وما إن يصلوا للسيارة إلا وكل شيء قد اتسخ من اختلاط مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار بالنفايات، مناشداً أمير منطقة مكة المكرمة بالتدخل لإنهاء المشكلة التي لم يجدوا لها حلاً لدى مسؤولي الأمانة.
الضمير والسبات العميق
وقال صالح الهذلي، أحد سكان “طلعة الوزان بالمسفلة”: “قضيتنا يعلم بها المراقبون ولكن لا أحد يتفاعل ولجأنا إلى الله.. ثم “سبق” لعل الضمير يستيقظ من السبات العميق، مضيفاً: “شهر ونصف وعمال النظافة متوقفون عن رفع النفايات، ولا يتجاوز عددهم 3 عمال ويأتون للموقع ويجلسون في الشوارع حتى ينتهي دوامهم ثم يعودون أدراجهم، ويساومون المواطنين لدفع مبلغ لرفع النفايات”.
وأضاف الهذلي أن أطفالنا أصبحوا يلعبون بالقرب من أكوام النفايات وصارت جزءاً من ألعابهم اليومية بين الحشرات الناقلة للأمراض والذباب الذي ازداد بسبب أطنان النفايات التي تحيط بمنازلنا وأمام أبواب الوحدات السكنية.
شكاوى بلا جدوى
وأشار المواطن محمد الشريف إلى أنه اتصل بمراقبي الأمانة واشتكي من عدم تواجد عمال النظافة في الحي لرفع النفايات ولكن جاءت الإجابة بأن العمال في الحي للقيام بعملهم، والواقع الذي نشاهده أصبح مقززاً، ولا يرضى المسلمون أن يروا أطهر بقعة على وجه الأرض بمشاهد لا تسر الناظرين؛ حيث نخرج من منازلنا برائحة العطور والبخور ولا نصل إلى مركباتنا إلا وأصبحت الرائحة رائحة نفايات.
ثعبان الشوارع
وقال المواطن عبدالرحمن النمري إنه يستحي أن يضيّف أحداً أو يدعو الأقارب أو الأصدقاء لمنزله من الإحراج الذي يصيبه عندما يرى ضيفه النفايات المتراكمة أمام منزله، مشيراً إلى أن العراك الكلامي حاضر بين الجيران بسبب وضع النفايات حول المنازل وعدم وجود حاويات تستوعب أطنان النفايات المكدسة، فغلب علينا الأمر وتكالبت عليها الأضرار من التكدس وتسربها لمياه الشرب مع المجاري وتوسطها الكيابل الكهربائية كأنها ثعبان بين الشوارع وأخطار تحيط بنا، والله المستعان”.
ربو وسيلان
وأوضح أستاذ الكيمياء المشارك بجامعة أم القرى نائب رئيس لجنة المسؤولية الاجتماعية والبيئة بالاتحاد السعودي لكرة القدم الدكتور فهد عبدالكريم علي تركستاني، أن تكدس أكوام النفايات المنزلية خطر كبير على صحة الإنسان وبيئته، لذا يجب الوعي بهذه المخاطر والعمل على محاربتها وللأسف ونحن الآن في موسم الأمطار بمدينة مكة، وتغيير شركة النظافة كدس النفايات المنزلية في الحاويات بشكل مخيف لأسابيع، فمخاطرها على صحة الإنسان تؤثر على الجهاز التنفسي نتيجة الروائح المنبعثة منها وكذلك ما يحمله الهواء من هذه الأكوام من النفايات من دقائق صغيرة تؤدي إلى الحساسية والربو والشري وسيلان الأنف، والتهاب العينين.
كوليرا وسرطان وتشوهات
وأضاف: “هناك الأمراض التعفنية الناتجة من النفايات المنزلية إذا تعرضت للرطوبة والأمطار تكون بيئة خصبة لنمو الكثير من البكتريا والفيروسات التي تسبب الكوليرا (الهيضة) – التيفويد – الحمى الصفراء – الطاعون – الملاريا – التهاب الكبد b وc – السل”.
وأوضح: “وهناك الأمراض التي تؤثر علي الجلد، مثل الليشمانيا – البلغرة – البلغرة الصفراء – الجرب الفطار- ولا ننسى وجود الكثير من المخلفات الكيماوية الناتجة من المخلفات المنزلية مصدرها المبيدات الحشرية مثلاً أو المنظفات أو المستحضرات المتنوعة تودي مخلفاتها إلى التشوهات الخلقية وسرطانات الكبد والبلعوم والقولون والغدة الدرقية والرئة والثدي والجلد”.
الغازات السامة
وبين: “الأبخرة المهيجة المشبعة بالغازات السامة تؤدى لتوالد الحشرات واستدعاء الحيوانات الناقلة للأوبئة والأمراض، كالكلاب والقطط الضالة والفئران؛ حيث تجد مرتعاً وملاذاً خصباً في تنبيش محتويات النفايات، لتصبح ناقلاً للأمراض” مشيراً إلى أن خطر النفايات يمتد ويتوسع مع الأدخنة المنبعثة نتاج عملية إحراقها فتصيب المحيط الأكبر.