– المحاكم استقبلت في ٧ أشهر الماضية 307 دعاوى “عضل” من فتيات رَفَضَ آباؤهن تزويجهن من رجال يوصفون بـ”الكفاءة”.
– قضايا عضل الفتيات قديمة ووعي المرأة وراء ارتفاع عدد القضايا.
– “العتيبي”: الواجب على ولي الأمر أن يخاف الله تعالى في موليته وألا يحرمها من الزواج.
– “الغامدي”: ازدياد قضايا العضل نتيجة لضعف الوازع الديني وتدهور الوضع المادي.
– “خثيلان”: وزارة العدل اهتمت بمثل هذه القضايا وبادرت بإصدار عدة قرارات عدلية تحمي المرأة.
– “التميمي”: هناك الكثير من الفتيات يتم عضلهن ولا يلجأن للقضاء لأسباب تخص العادات والتقاليد.
تشير كثير من الدراسات إلى أن “العضل” أحد أهم أسباب ارتفاع نسبة العنوسة في السعودية، وهروب عدد من الفتيات من أسرهن، وله صور متعددة مثل: رفض زواج المرأة من رجل لا يعاب عليه في دينه أو خلقه، وتتمحور قضية “عضل الفتيات” حول تعطيل الفتاة عن الزواج لأسباب عدة.
وفجّرت حادثة المواطنة “روان” التي تَقَدّمت لإمارة المنطقة، ببلاغ أن والدها يمنعها من الزواج لمن يتقدم لها، القضية من جديد، فأحيل الموضوع إلى لجنة إصلاح ذات البين باعتبارها اللجنة المعنية بمعالجة مثل هذه الأمور الأسرية بخصوصية وبعناية.
وشددت “روان” على نزع الولاية من والدها؛ الأمر الذي سيكفيها تكرار ما فعله أبوها المتعاطي بها؛ مطالِبة بحماية ابنتها -ذات الثلاثة أعوام- والزواج من رجل يسترها، ويُهدي لها حياة كريمة.
وكذلك حادثة فتاة “تبوك” التي حاولت الانتحار بسبب رفض والدها تزويجها؛ حيث ناشدت الفتاة أمير المنطقة التدخل في حل قضيتها.
سلطت “احد المصادر” الضوء على ظاهرة عضل الفتيات ومنعهن من الزواج، بعد ارتفاع عدد الدعاوى، وقيام الكثير من الفتيات بالمطالبة بحقوقهن في المحاكم.
أرقام وإحصائيات
ذكر تقرير وزارة العدل، أن قضايا عضل الفتيات المنظورة في المحاكم السعودية ارتفع العام الماضي لنسبة 26٪، وأشار التقرير إلى أن هناك قضايا عديدة لا تصل إلى المحاكم نظراً للأعراف الاجتماعية المحافظة في السعودية، واستقبلت المحاكم -خلال الأشهر السبعة الماضية- 307 دعاوى “عضل” من فتيات رَفَضَ أولياء أمورهن تزويجهن من رجال يوصفون بـ”الكفاءة”.
كما أوضح أن 43 محكمة عامة استقبلت قضايا العضل المشار إليها، وأن المحكمة العامة في العاصمة الرياض تصدّرت قائمة المحاكم من حيث عدد القضايا بواقع 76 دعوى، تلتها المحكمة العامة في محافظة جدة بـ71 دعوى.
وأفاد بأن المحكمة العامة في مكة المكرمة جاءت في المرتبة الثالثة بـ29 دعوى عضل؛ فيما جاءت المحكمة العامة في الدمام في المرتبة الرابعة بـ20 دعوى، تلتها محكمة تبوك العامة في المرتبة الخامسة بـ12 قضية، وجاءت بعدها محكمة الطائف بـ10 دعاوى عضل.
ارتفاع نسبة العنوسة
وتأتي هذه الأرقام، وسط تحذيرات من أن العضل أحد أهم أسباب ارتفاع نسبة العنوسة في المملكة؛ إذ أكدت دراسة سعودية أن عدد الفتيات العوانس في المملكة مرشح للتزايد من 1.5 مليون فتاة حالياً، إلى نحو 4 ملايين فتاة خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
العضل والقانون
وانتقد أخصائيون اجتماعيون عدم تطبيق قرار هيئة حقوق الإنسان الحكومية، القاضي بإنزال عقوبة ضد ولي الأمر الذي يعضل، وتتمثل في عقوبة تصل إلى السجن 15 سنة، وغرامة بمليون ريال سعودي، وصدر القرار في نوفمبر 2011، وصنّف قضايا العضل ضمن قضايا الاتجار بالبشر.
وقالت المستشارة القانونية سارة بنت حسن الخثلان بمكتب ديوان الاستشارات للمحاماة لـ”سبق”: “العضل من المنع، وعرّفه ابن قدامة -رحمه الله- بأنه: منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه.
ومن واقع العمل في المحاكم، أرى أن نسبة قضايا العضل قد ارتفعت عن ذي قبل؛ لازدياد وعي المرأة بحقها، ولصدور عدد من الأحكام في حق مَن يتعسف في ولاية المرأة؛ إذ كانت المرأة في السابق لا تعلم أن من حقها اللجوء للمحكمة والمطالبة بأن يكون لها ولي آخر سواء القاضي أو من ذويها ممن هو أهل لذلك”.
وأضافت: “لأن العضل من أشد أنواع الظلم الذي يقع على المرأة؛ حيث تمنع من الزواج بالكفء؛ تعسفاً من وليها في حقها؛ فقد أولت وزارة العدل الاهتمام بمثل هذه القضايا، وبادرت بإصدار عدة قرارات عدلية تحمي المرأة في مجال الأحوال الشخصية؛ من بينها: نزع الولاية عن ولي المرأة التي تتعرض للظلم والعضل، وللمرأة التي تتعرض للعضل وترغب في اللجوء إلى المحكمة أن تتقدم بصحيفة دعواها إلى محاكم الأحوال الشخصية بالمدينة التي تسكنها؛ حيث نصّت المادة الثالثة والثلاثون من نظام المرافعات الشرعية الجديد في الفقرة السادسة منها، على اختصاص محاكم الأحوال الشخصية بنظر دعاوى تزويج مَن لا ولي لها، أو مَن عَضَلَها أولياؤها”.
ازدياد قضايا العضل
وقالت المحامية خلود الغامدي : “ازدادت قضايا العضل بالمحتمع، ومن المحزن أن يعضل الأب بناته للتكسّب من ورائهن؛ فيحرمهن من الزواج والإنجاب، وهي الفطرة التي جبلنا الله عليها، ولا أعلم سبب زيادة عدد قضايا العضل هل هو عدم وعي؟ أو ضعف ديني؟ أو بسبب الحالة المادية المتدهورة؟ ولكني أُرجّح اجتماع الأسباب كلها”.
وأشارت إلى أن “التصرف في حالة عضل الأب أو العم أو الأخ للفتاة، أن تقوم برفع دعوى قضائية بدائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة تُسمى “دعوى عضل”، ويتم شرح حالة الفتاة للقاضي، ويكون هناك خاطب كفؤ متقدم لها؛ ولكن ولي الأمر غير موافق على النكاح دون أي مسوغ؛ فعندما يتأكد القاضي من كفء الخاطب ومِن أن هناك عضلاً وظلماً واقعاً على الفتاة؛ يتم نقل سلطة التزويج ليِدَ القاضي الذي يقوم بدوره بتزويج الفتاة”.
حرّم الله عضل النساء
توجهت “احد المصادر” لوكيل كلية المجتمع بمحافظة حريملاء د. نهار بن عبدالرحمن العتيبي؛ للاستفسار عن الرأي الشرعي بقضايا العضل؛ حيث صرح “العتيبي”: “حرم الله تعالى عضل النساء وتزويجهن من الأكفاء أو الإضرار بالزوجات من الأزواج لطمع دنيوي أو لإضرار بالزوجة، وقد تُطَلّق الفتاة من زوجها لخلاف بينهما، وتنتهي عدتها ولم يراجعها، ثم بدا له أن يراجعها بعقد جديد، وهي تريده وهو يريدها، وقد يكون لهما أولاد؛ فيرفض ولي الفتاة ذلك بسبب أنه طلقها من قبلُ ولم يراجعها في عدتها، وهذا من العضل المنهيّ عنه، وجاء فيه قول الله تعالى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
وقد نزلت هذه الآية في أُخْتَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَخَطَبَهَا، فَأَبَى مَعْقِل؛ فلما نزلت الآية رضخ معقل لأمر الله تعالى، وقال: (سَمْعٌ لِرَبِّي وَطَاعَةٌ)، ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ: (أُزَوِّجُكَ وَأُكْرِمُكَ)، فزوجها إياه”.
وأضاف: “فوعظ الله تعالى الأولياء عن عضل البنات، وبيّن أن تزويجهن ممن أردن إذا كانوا مرضيي الدين والخلق، أزكى لهن وأطهر، وأن الله تعالى أعلم منهم بما يصلح لهم ويصلح لبناتهم. ومن الأولياء من يعضل الفتاة إذا ترمّلت أو طُلقت؛ بحجة حبسها على أولادها، أو لئلا يقال إنها تريد الرجال؛ فتمنع حقها بسبب ذلك، وهي حين طلبت النكاح أعلم بحاجتها من غيرها”.
العضل وأهل الجاهلية
وأردف “العتيبي”: “قد يموت الزوج فيعمد أهله إلى امرأته فيمنعونها من الزواج إلا بمن يريدون؛ لأنها أرملة ابنهم، وهذا عضل كان يفعله أهل الجاهلية، ويوجد في بعض القبائل؛ فنهى الله تعالى عنه بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}.
وأشار إلى أن مِن العضل المحرم كذلك منع الفتاة من الزواج إلا من ابن عمها، وعدم السماح لها بالزواج من غيره، وهذا من الظلم الواضح المصادم لشرع الله تبارك وتعالى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)”.
عضل الزوج لزوجته
وقد يقع العضل من الزوج؛ فيحبس زوجته في عصمته وهو لا يريدها، أو يكون عاجزاً عن أداء حقوقها، يريد بعضلها مضارّتها أو افتداء نفسها بمال تبذله له؛ فيؤذيها ولا يحسن عشرتها، ولا يعطيها حقوقها؛ حتى ترد عليه مهره أو بعضه لتتخلص من عذابه، وهذه دناءة لا يفعلها إلا أراذل الناس؛ فنهى الله تعالى الأزواج عن ذلك؛ تكريماً للمرأة، ورعاية لحقوقها فقال سبحانه: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.
ظلم الأولياء
وأضاف: “الواجب على كل ولي أمر امرأة أن يخاف الله تعالى في موليته، وأن يحرص على تزويجها بالأكفاء، وألا يحرمها من الزواج فتنحرم بسببه من الأبناء الذين هم زينة الحياة الدنيا ومتعها وعونها في هذه الحياة، وإن كانوا صالحين دعوا لها بعد مماتها عند انقطاع أعمالها، ويحرمها عند عدم تزويجها من الزوج الصالح الذي يؤانسها ويعتني بها ويشاركها هذه الحياة، كما يحرمها من بيت يظلها مع أسرتها التي هي نواة هذا المجتمع”.
وأضاف “العتيبي”: “سوف يحاسب الله جل وعلا هذا الولي الظالم يوم يقف بين يدي الله يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون. ويحق للقاضي شرعاً نزع ولاية هذا الولي الظالم وتزويج تلك الفتاة المسكينة الذي يُعتبر الزواج حقاً من حقوقها، ولا يجوز لأحد منعها من هذا الحق كائناً مَن كان. وقد بلغني بعض الحالات من فتيات تجاوزن سن الأربعين، وبلغن سن اليأس، ولم يتزوجن بسبب ظلم الأولياء.. حسبنا الله ونعم الوكيل”.
الإسلام كرّم المرأة
من جهة أخرى، قال المحامي الدكتور سامي بن عبدالرحمن التميمي : “من محاسن شريعتنا الغراء أنها رفعت عن المرأة الظلم والضيم الذي كان واقعاً عليها قبل الإسلام، وحافظ على كرامتها ورَفَعَ قدرها؛ فالنساء شقائق الرجال، وحين منع الشرع المرأة من تزويج نفسها بغير ولي؛ فإنما كان ذلك حفاظاً عليها، ورعاية لها، وصيانة لحيائها وكرامتها. وأَمَرَ سبحانه وتعالى الأولياء بتقوى الله في النساء والحرص على مصالحهن، واختيار الأزواج الصالحين لهن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخُلُقه فزوجوه؛ إلا تفعلوه تكن فتنه في الأرض وفساد كبير)”.
وأضاف: “ومن صور العضل أن يجبرها وليها على الزواج ممن لا ترغب فيه؛ خصوصاً إن كان فاسقاً أو فاجراً، أو كان يكبرها سناً لمجرد غناه أو وجاهته أو حسبه ونسبه؛ مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا البكر حتى تُستأذن). قالوا: يا رسول الله، كيف إذنها؟ قال: (أن تسكت)”.
استشارة أهل الخبرة
وأضاف “التميمي” : “وأما عن القضايا التي تقام بهذا الخصوص؛ فهي كثيرة ومتعددة لدى المحاكم، وتتزايد كل يوم عن سابقه بصورة مخيفة، وإن كان لا يخفى على الجميع أن هناك الكثير من الفتيات يتم عضلهن ولا يلجأن للقضاء لأسباب عدة تخص العادات والتقاليد والعائلات وغيرها، ونقول لكل من ولّاه الله تعالى أمر واحدة أو أكثر من النساء؛ فليتق الله فيهن، وليعلم أنه موقوف بين يدي الله تعالى، وسيسأله الله عمن استرعاه”.
وعن حماية المرأة من ولي الأمر قانوناً؛ فشريعتنا الغراء قد كفلت للمرأة الحق الكامل في اللجوء للقضاء في هذا الشأن لإنصافها ورد الظلم عنها، وفي حال تم رفض القضية؛ فيحق لها اللجوء لدور رعاية الفتيات بالشؤون الاجتماعية؛ ولكننا ننوه على أنه يجب على من ترغب في اللجوء للقضاء وإقامة مثل هذه القضية أن يكون لديها من الأسباب والبينات الكافية التي تكفل لها كسب القضية واستشارة أهل الخبرة قبل إقامة الدعوى؛ حتى لا يتم رفضها”.