يمثل قانون “الحماية من الإيذاء”، نقلة نوعية في حياة المرأة السعودية، إذ يعد الأول من نوعه، الذي ينص على عقوبة الحبس لمدة تصل إلى عام، ودفع غرامة تصل إلى 50 ألف ريال، للمدانين في قضايا الإيذاء النفسي أو الجسدي. ووصف حقوقيون وأكاديميون القانون بـ”الجيد”، مؤكدين أنه يخدم قطاعات كبيرة من المجتمع السعودي، لاسيما النساء، والأطفال، والخادمات.
وقد أقر مجلس الوزراء في 26 أغسطس الماضي هذا القانون، بعد عدة شهور من إطلاق جمعية خيرية محلية، حملة في أنحاء السعودية؛ لمكافحة العنف ضد المرأة، وكانت مؤسسة الملك خالد أطلقت في إبريل حملة نوعية، لزيادة الوعي بشأن العنف ضد المرأة. وانتشر ملصق الحملة الذي تظهر فيه منتقبة وعلى عينها علامات ضرب على الإنترنت، وكتبت تحت الصورة عبارة: “وما خفي كان أعظم.. معاً لمكافحة العنف ضد المرأة”.
وعزا “مختصون” انتشار العنف المنزلي إلى التقاليد التي تمنع النساء، من الإبلاغ عن تعرضهن للإيذاء؛ خوفاً مما يصفونه بـ”وصمة اجتماعية”. ويعطي “القانون” من يبلغون عن الإيذاء الحق في إبقاء هوياتهم في السر والحصانة من المقاضاة، إذا لم تثبت واقعة الإيذاء في المحكمة، ويشجع “القانون” الشهود على الإبلاغ عن الانتهاكات من دون الكشف عن هويتهم، وهو ما رأى فيه خبراء جزءاً مهماً من القانون، معتبرين أن “القانون” الجديد يمنح المرأة بعض الاستقلال، ورأوا أنه بمثابة خطوة نحو تغيير بعض القوانين، التي تلزم المرأة بالحصول على موافقة ولي أمرها؛ للقيام بعمل ما، أو التقدم لوظيفة، أو السفر للخارج.
جهاز شرطة اجتماعي
واعتبرت الكاتبة والأكاديمية، دكتورة أميرة كشغري، القانون خطوة جيدة، بيد أنه يحتاج إلى وقت كاف؛ حتى يعتاد المجتمع، وخاصة النساء، على معرفة حقوق المرأة في ظل الثقافة الذكورية المهيمنة عليه، وأكدت على ضرورة وعي الرجل بوجود قانون يُجرم الإيذاء، ويُعاقِب عليه، وأبدت تعاطفها مع المرأة، قائلة: للأسف هي تتردد في الإبلاغ عما تتعرض له من إيذاء؛ خشية الحرمان من أطفالها، مطالبة المرأة بمعرفة أن تطبيق هذا القانون سوف يوفر لها الحماية.
وأضافت: “يجب أن تعلم المرأة أن هناك رقماً فورياً للاتصال؛ يقدم لها الحماية في حالة تعرضها للإيذاء، ولن يستطيع الرجل الانتقام منها”.
وأفادت “كشغري”: أن النظام لم يحدد الجهة المخولة بتطبيق القانون، إلا أنها طالبت وزارة الشؤون الاجتماعية بتحديد جهة الاختصاص. وانتقدت دور الحماية قائلة: إنها – بوضعها الحالي – عاجزة عن توفير الحماية النفسية، والاجتماعية للمرأة، فهي تحتاج إلى دعم مادي، وتوفير كوادر بشرية متخصصة، مؤكدة على دور جهاز الشرطة مع دور الحماية؛ لفرض العقوبة المباشرة، حتى لا يصبح “القانون” مجرد “حبر على ورق”، واقترحت وجود “جهاز شرطة اجتماعي” بأقسام الشرطة يعنى بمتابعة قضايا الإيذاء، ويُمنح صلاحيات القبض الفوري على المعنِف.
إيذاء عاطفي
من جهتها، دعت الناشطة الحقوقية، دكتورة سهيلة زين العابدين، إلى ضرورة تغيير الخطاب الديني، والقضائي، الذي يعتبر العنف ضد المرأة حقاً شرعياً للرجل في التأديب، وليس جريمة. وقالت: “لابد من تصحيح المفاهيم الدينية الخاطئة لدى البعض كالقوامة، وإعادة النظر في الأحكام القضائية التي تستند إلى أحاديث ضعيفة”.
واقترحت تضمين نظام الحماية من الإيذاء “للإيذاء العاطفي” الذي يسبب ضرراً نفسياً للمرأة، وتنجم عنه مشكلات اجتماعية بالغة الخطورة؛ كحرمانها من التعليم، والعمل، وعدم رؤية أطفالها، واستخراج أوراقها الثبوتية، مطالبة بإعادة النظر في تشكيل الهيئة الوطنية للحماية من الإيذاء، بحيث تصبح المرأة عضواً فيها، واشترطت – في اختيارها – أن تتمتع بالمعرفة الصحيحة للعقيدة الإسلامية المستمدة من القرآن والسنة، وليس وفقاً للعادات والموروثات السائدة، التي ترسخ تسلط الرجل على المرأة.
وطالبت “زين العابدين” أعضاء الهيئة من: الوزراء، ووكلاء الوزارة، بتعديل أنظمة وزارتهم بما يكفل حماية المرأة، كما طالبت وزير التربية والتعليم، بإعادة النظر في المناهج التي تُحقر من المرأة، وتحرمها من حقوقها. وشددت – في ختام حديثها – على ضرورة استثمار هذا “القانون” في تعديل بعض السلبيات؛ حتى لا يصبح القانون “هباء منثوراً”.
نظام الحقوق الاجتماعية
بدوره، رأى رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى، الدكتور محمد السعيد: أن إدخال الأنظمة والقوانين في العلاقات الاجتماعية، يرسخ المادية، ويفسد العلاقات الأسرية، والاجتماعية، بيد أنه أكد على أهمية وجود نظام قضائي إذا وصل الإيذاء إلى حد الجرائم. وانتقد الرجل الذي يمارس العنف ضد المرأة تحت اسم: “القوامة”، قائلاً: إن الرجل الذي يضرب زوجته، أو يتحرش بابنته، قليل المروءة، لديه قصور في فهم المعنى الحقيقي للقوامة، كما أقره الشرع، مستشهداً بالآية القرآنية، التي تحدد حالة ضرب الزوجة: “وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ واضربوهن”، واعتبر “الضرب” الذي أقره الشرع رسالة معنوية للمرأة؛ كي تعود إلى رشدها، ويشترط فيه ألا يتجاوز حد السواك. وأكد “السعيد”: أن حل المشكلات الاجتماعية يكمن في الإيمان بالله أولاً، ثم سلطة المجتمع التي تمنع الأفراد من التجاوزات الأخلاقية، مشيراً إلى أن ضعف سلطة المجتمع يؤدي إلى الفردية، وينجم عنه انهيار أخلاقي. وطالب وزارة الشؤون الاجتماعية بإقرار “نظام الحقوق الاجتماعية”؛ لربط المجتمع ببعضه، حتى يقوم بالوصاية على السلوكيات المنحرفة