– تراجع الاسعار قد يكون إيجابي وسيسهى في حل مشاكل الأراضي والتضخم وتوزيع الدخل في المجتمع.
– الدكتور حامد اليوسف: نحن بصدد تراجع أكبر ومخاوف متزايدة من انخفاض أكبر والدخول في حرب تخفيض في الأسعار وتنافس بين الدول المنتجة.
- مدير برنامج الطاقة: اقتربنا من مرحلة أكبر تراجع للأسعار وقد تخفض “أوبك” الإنتاج
للمحافظة عليها.
- التساؤلات الاقتصادية تتزايد: هل تتراجع مواردنا المالية وستنتهي السعودة الوهمية، وتضخم عدد العمالة الأجنبية والتوظيف الوهمي وبرنامج “نطاقات” الكارثي؟
تتراجع منذ 3 أشهر تقريباً أسعار النفط في الأسواق العالمية، إلى ما دون 91 دولاراً للبرميل؛ لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من عامين، وهي التي كانت فوق الـ 120 دولاراً، وأبدى عدد من الاقتصاديين تخوفهم من تداعيات مثل هذا التراجع على الاقتصاديات المعتمدة على تصدير النفط كدول الخليج العربي، وعلى توقعات خطط التنمية الاقتصادية، والموازنات العامة، وبالتالي على احتياجات المواطنين المباشرة بشكل سلبي؛ لا سيما وأن التوقعات المستقبيلة كانت تضع النفط في أسعار مرتفعة.
واعتبر بعض المتخصصين أن من أسباب هبوط أسعار النفط الحالي: إنتاج النفط الصخري الأمريكي، وارتفاع مؤشر سعر صرف الدولار بالنسبة للعملات الأخرى، إضافة إلى
قلة الطلب؛ خاصة من قِبَل دول جنوب شرق آسيا؛ كالصين والهند بعد تباطئ النمو فيها خلال الأشهر الماضية.
تراجع أكبر
يقول المتخصص في اقتصاديات النفط الدكتور حامد اليوسف لـ”سبق”: “نحن بصدد تراجع أكبر، والتداعيات الإقليمية والعالمية المحتملة في حالة قلق وحالة ترقب، ومخاوف متزايدة من انخفاض أكبر في أسعار النفط، في ضوء تراجع الطلب العالمي ووفرة المعروض.
ويؤكد الدكتور “اليوسف” أن المخاوف تبرز من الدخول في حرب تخفيض في الأسعار وتنافس
بين الدول المنتجة.
ويشير إلى أن الصراعات العسكرية في بعض الدول المنتجة كالعراق، وليبيا وغيرها، لم تُسهم في رفع الأسعار كما كان متوقعاً؛ لأنها لا تزال تُصَدّر نفطها باستمرار؛ موضحاً أن الموازنة السعودية لن تتأثر بتراجع أسعار البترول الحالية برغم أن حجم إنتاجها يصل إلى حوالى 11 مليون برميل يومياً؛ لكن الخطط التنموية للأعوام القادمة ستتأثر سلباً بما لا يخدم المواطن.
ومن جانبه يرى تايسون سلوكم -مدير برنامج الطاقة- في منظمة “بابليك سيتيزنز”، أن أهم أسباب تراجع الأسعار، هو تراجع الطلب على النفط؛ خاصة من ألمانيا، والولايات المتحدة، والصين، واليابان.
وقال: “إننا في هذه المرحلة ربما نكون اقتربنا من مرحلة أكبر تراجع للأسعار، وقد تخفض “أوبك” الإنتاج”.
أطول طفرة اقتصادية
من جانبه يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالرحمن السلطان ”مررنا خلال الـ 15 عاماً الأخيرة بأطول وأقوى طفرة نفطية في التاريخ؛ فمن المعلوم أن أسعار النفط تتعرض عادة لتذبذبات عنيفة؛ بسبب نمو المعروض النفطي بمعدلات تفوق الطلب عليه؛ مما يدفع الأسعار للتراجع؛ لهذا السبب أصبحت السوق النفطية بحاجة إلى تقييد عرض النفطي، وهي المهمة التي كانت تقوم بها شركات النفط الكبرى في العالم، والتي كانت تسمى بـ”الأخوات السبع”، ثم لاحقاً قامت بهذا الدور منظمة “أوبك”؛ إلا أن قوة الطلب العالمي على النفط خلال العقد الماضي في ظل قدرة محدودة لزيادة الإنتاج، سَمَحَ بأن تحافظ أسعار النفط على ارتفاع مستمر لما يُقارب 15 عاماً؛ بحيث تضاعفت أسعار النفط عدة مرات دون أن ينتج عن ذلك ضغط على الأسعار للتراجع؛ بسبب انخفاض في الطلب أو زيادة في العرض، من ثم فقد تمتّعت الدول المصدّرة للنفط بطفرة هي الأقوى والأطول في تاريخ النفط”.
ويضيف الدكتور “السلطان” أن محدودية إمكانية زيادة الإنتاج من النفط التقليدي؛ نظراً لأن كل الدول المنتجة للنفط التقليدي -فيما عدا المملكة- تنتج طاقتها القصوى، ولا مجال كبير أمامها لزيادة إنتاجها؛ ولهذا دور أساسي في استمرار الارتفاع الكبير في أسعار النفط الخام؛ إلا أنه قد تَسَبّب أيضاً في زيادة الجدوى الاقتصادية لإنتاج النفط من المصادر غير التقليدية كالنفط الرملي والنفط الصخري؛ بحيث إن إنتاج الولايات المتحدة من النفط بلغ في الأسبوع الماضي أعلى معدل منذ ما يزيد على 30 عاماً، بوصول إنتاجها إلى 8.9 مليون برميل يومياً، ويتوقع أن يصل إنتاج الولايات المتحدة من النفط في عام 2015 لأعلى معدل له في 45 عاماً، ببلوغه حوالى 9.6 مليون برميل يومياً.. ومن ثم -وفي ظل تباطؤ أداء الاقتصاد العالمي- فقد تسبب هذا النمو المتسارع في الإنتاج النفطي غير التقليدي في زيادة المعروض النفطي في السوق العالمية؛ بحيث بدأ الآن في الضغط على مستويات الأسعار للتراجع؛ ففقدت أسعار النفط الخام بما يزيد على 15% من قيمتها خلال أقل من شهر واحد.
خطر كبير من تراجع الأسعار
وعن المدى الذي يمكن أن يصل إليه تراجع الأسعار؟ وعن أهم الآثار الاقتصادية لذلك على الدول المصدّرة للنفط؟ يقول الدكتور “السلطان”: “بالنسبة للمدى الذي يمكن أن تصل إليه الأسعار؛ فإنه لا خطر إطلاقاً من وصول الأسعار إلى مستويات متدنية؛ كأن تتراجع مثلاً إلى 40 دولاراً للبرميل؛ ففي ظل التكلفة العالية لإنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة والتي قد تصل إلى ما يزيد على 70 دولاراً للبرميل؛ فإن أي تراجع للأسعار دون حتى 80 دولاراً للبرميل سيتسبب في تراجع إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري، والذي بدوره سيدفع الأسعار للارتفاع من جديد؛ بالتالي لا يوجد علينا خطر كبير من حدوث تراجع كبير في أسعار النفط على الإطلاق، وأسعار النفط ستكون في الغالب في نطاقات مقبولة نسبياً؛ إلا أنه -وبسبب النمو الكبير والمستمر في حجم الإنفاق الحكومي خلال العشر سنوات الماضية- فإنه من المؤكد أن يعود العجز في ميزانية الدولة في عام 2015؛ ما لم يتم تحجيم هذا الإنفاق، وهذا أمر ممكن جداً، في ظل النمو المبالغ فيه جداً في معدلات هذا الإنفاق حالياً؛ مما يعني وجود إمكانية كبيرة لترشيده ورفع كفاءته”.
تأثيرات إيجابية
وأضاف الدكتور “السلطان”، أنه “دون التقليل من أهمية هذا التأثير المالي السلبي لتراجع أسعار النفط على الاقتصاد السعودي؛ إلا أنه في المقابل سيكون لذلك تأثيرات إيجابية على اقتصادنا في غاية الأهمية؛ خاصة في المدى الطويل؛ فاضطرارنا لتخفيض إنتاجنا النفطي الذي سيكون حتمياً؛ للحدّ من فائض العرض النفطي في السوق، سيسهم في الحد من استنزاف مواردنا النفطية؛ فخلال العقد الماضي وجدنا أنفسنا مضطرين لزيادة إنتاجنا بصورة مبالغ فيها جداً”.
حماية للاقتصاد العالمي من حدوث ارتفاع كبير في الأسعار، وهو إنتاج دون شك يفوق كثيراً حاجتنا المالية، ولا يخدم مصلحتنا الوطنية على المدى الطويل.
ويشير الدكتور “السلطان” إلى أن الهيمنة الكاملة لقطاع النفط على اقتصادنا؛ إن بدا أنه أمر إيجابي؛ إلا أنه تسبب أيضاً في تهميش شديد لقطاعات الاقتصاد الأخرى، بصورة جعلت من غير الممكن تفعيل هذه القطاعات وتعزيز جهود تنويع مصادر الدخل، وهذا أمر في غاية الخطورة؛ فعمر النفط مهما طال؛ فهو محدود، ولن يكون من الممكن تطوير مصادر بديلة للدخل، إن لم ننجح بذلك الآن، وقبل نضوب النفط بعقود.
وهناك نمو مبالغ فيه في معدلات الإنفاق الحكومي، ونحن بحاجة إلى تحجيم هذا الإنفاق، ومن الواضح أننا نجد صعوبة في القيام بذلك في ظل هذه الوفرة المالية. ومن ثم فإن تراجع إيراداتنا النفطية لن يكون أمامنا معه أي خيار آخر؛ إلا تخفيض الإنفاق العام وترشيده ورفع كفاءته، وهذا في حد ذاته مكسب في غاية الأهمية، سيسهم في حل عدد من مشكلاتنا الاقتصادية الناتجة عن النمو المبالغ فيه في السيولة المحلية، الناتجة عن هذا النمو المبالغ فيه وغير الضروري في الإنفاق الحكومي؛ مثل: مشكلة غلاء الأراضي، وما نتج عنها من تفاقم في مشكلة الإسكان، وارتفاع معدلات التضخم، وتفاقم مشكلة تفاوت توزيع الدخل في المجتمع التي جعلت شريحة واسعة في المجتمع؛ ليست فقط غير مستفيدة من الطفرة الحالية؛ بل قد تكون حتى متضررة.
وهذه الوفرة المالية -بحسب الدكتور “السلطان”- جعلتنا نتراجع عن جهود تحقيق اعتماد أكبر على العمالة المواطنة، وقَبِلْنا -بدلاً من ذلك- بالسعودة الوهمية الممولة من صندوق التنمية البشرية، وفتحنا باب الاستقدام على مصراعيه؛ فتضخم عدد العمالة الأجنبية بشكل كبير جداً.
وتراجع إيراداتنا المالية سيجعلنا الآن أكثر جدية في التعامل مع هذه المعضلة الخطيرة، وسيضطرنا إلى تبنى برامج توطين حقيقية؛ بدلاً من برامج تشجع على التوظيف الوهمي، وتزيد من الاستقدام غير الضروري، كما هو حال برنامج “نطاقات الكارثي”، الذي تسبب في تشوّهات خطيرة في سوق العمل السعودي، قد يستغرق إصلاحها سنوات طويلة.