
في غضون 50 يومًا فقط من ولايته الثانية، أشعل الرئيس دونالد ترامب نيران سياسات اقتصادية مثيرة للجدل تهدد بتحويل “الحلم الأمريكي” إلى كابوس. فبينما تتهاوى مؤشرات الأسهم وتتصاعد مخاوف الركود، تبرز أسئلة مصيرية: هل تُطيح الصدمات الاقتصادية بخطة ترامب لإعادة تشكيل أمريكا؟ وهل سيدفع الشعب الأمريكي ثمن التجربة؟
صدمة السياسات
وشهدت الأيام الأولى لإدارة ترامب الثانية إعصارًا من القرارات المتسارعة: إلغاء قانون خفض التضخم، تجميد تمويلات الطاقة النظيفة، وفرض رسوم جمركية قياسية. لم تكن شركة “زيرو إميشن نورث وست” الوحيدة التي تعاني؛ فالمئات من الشركات الصغيرة وجدت نفسها فجأة أمام فواتير غير مدفوعة وموظفين بلا رواتب، وفقاً لصحيفة “التلغراف” البريطانية.
وتكمن المفارقة في أن ترامب، الذي وعد بإنعاش الاقتصاد، حوّل موجة التفاؤل الأولية إلى ذعر. فمؤشر S&P 500 فقد 10% من قيمته، بينما تبخرت مكاسب “انتعاش ترامب” التي حققها السوق بعد فوزه الانتخابي.
تداعيات التراكمية
ولا تقتصر الأزمة على وول ستريت. تقارير البنك الفيدرالي في أتلانتا تشير إلى انكماش الاقتصاد بنسبة 1.5% خلال الربع الأول، بينما خفضت جولدمان ساكس توقعات النمو من 2.4% إلى 1.7%. التضخم يتجه لتسجيل 3% بنهاية العام، مدفوعًا بارتفاع تكاليف الواردات بسبب الرسوم الجمركية التي وصلت قيمتها الإجمالية إلى 770 مليار دولار.
والأرقام ليست مجرد إحصاءات، فمزارعو ولاية مين يخشون على محاصيلهم من الرسوم الكندية، بينما تحذر تيسلا من شلّ الصناعة الأمريكية. حتى إيلون ماسك، الحليف التقليدي لترامب، بدأ ينتقد السياسات علنًا.
مقصلة التوظيف
وتستهدف خطة ترامب خفض الإنفاق الحكومي بمقدار تريليون دولار، ما يعادل 3.5% من الناتج المحلي. وفقًا لتحليلات “تي إس لومبارد”، قد يفقد 900 ألف عامل وظائفهم بحلول سبتمبر، مع تأثيرات متتالية على القطاع الخاص.
والمشهد في سبوكين بولاية واشنطن يعكس هذه الكارثة: ديفيد فونك، مؤسس شركة استشارات الطاقة، اضطر لإيقاف رواتب موظفيه بعد تجميد الحكومة لمدفوعات بقيمة 65 ألف دولار. “الوضع مدمر”، يقول فونك، بينما تتراكم الشكاوى من شركات تعتمد على العقود الحكومية.
معضلة الهجرة
ولا تقل سياسات الهجرة خطورة. محاولات ترامب لترحيل 14 مليون مهاجر غير شرعي تهدد بفجوة عملاقة في سوق العمل. فيشكل هؤلاء 25% من عمال البناء والزراعة، قطاعان يعانيان بالفعل من نقص الأيدي العاملة.
وتأثيرات الترحيل قد تكون كارثية: نقص الإنتاج، ارتفاع الأجور، وتسارع التضخم. تقارير من الحدود المكسيكية تكشف انخفاض الاعتقالات بنسبة 65%، ما يشير إلى هروب العمال من الولايات خوفًا من الحملات.
تراجع الشعبية
وبينما تتسع الفجوة بين الوعود والواقع، تبدأ قاعدة ترامب الانتخابية في التصدع. استطلاعات “سلفر بليتين” تُظهر انخفاض تأييده من 51.6% إلى 47.5% خلال شهرين، مع تصاعد الغضب بسبب ارتفاع أسعار البيض 40% بسبب إنفلونزا الطيور.
وحتى المشرعين الجمهوريين بدأوا ينتقدون السياسات علنًا. السناتور سوزان كولينز حذرت من “تأثيرات مدمرة” على اقتصاد ولايتها، بينما رفع مزارعون ودعاة بيئة دعوى قضائية ضد تجميد تمويلات قانون خفض التضخم.
مشروع 2025
ووراء الضجيج اليومي، يخفي ترامب رؤية أعمق: “مشروع 2025” اليميني الذي يهدف لإعادة هندسة الدولة الفيدرالية. الوثيقة السرية، التي أعدها مركز التراث، تدعو لإلغاء وزارة التعليم، وتفكيك الضوابط الحكومية، وتركيز السلطة في البيت الأبيض.
بول دانس، المدير السابق للمشروع، يصف الخطة بأنها “تشذيب ضروري لإنعاش الاقتصاد”. لكن المراقبين يحذرون: التكلفة البشرية لهذا “التشذيب” قد تدفع أمريكا إلى أسوأ ركود منذ 2008.
الولايات المتحدة تقف عند مفترق طرق: إما أن تؤتي سياسات ترامب ثمارها بتحقيق معجزة اقتصادية، أو تتحول إلى فخّ يدفع البلد إلى أزمة تطيح بتراثه السياسي. مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي، يبدو الرئيس مقيدًا بوعوده الصعبة، بينما يتساءل الملايين: هل يستحق الأمر كل هذا الألم؟