
تحمل الأسواق الشعبية والموائد الرمضانية في منطقة جازان زخمًا غنيًا من تاريخ وتراث المنطقة الثقافي، وتُعد جزءًا لا يتجزأ من هوية أهل المنطقة، حيث تعكس الأصناف الرمضانية والأكلات الشعبية الجازانية عمومًا طبيعة المنطقة الفريدة بتنوعها البيئي الذي أسهم في تشكيل عادات وتقاليد سكانها، بحيث تلتقي الجبال بالشواطئ، وتحتضن الأودية الخضراء القرى الصغيرة، وتنبض الأرياف بالحياة، ما يجعلها موطنًا لأصناف من الأطعمة الشعبية الفريدة.
ومن بين هذه الأطباق، يبرز “اللحوح” كأحد أصناف الأطعمة المعدة من حبوب الذرة الرفيعة، التي تشتهر بزراعتها منطقة جازان، وتحتل المساحة المزروعة منها أكثر من 60.000 هكتار، تنتج ما يزيد على 55000 طن من حبوب الذرة بنوعيها “البيضاء و الحمراء”.
وتبرز تجليات هذا الموروث الغني الذي لا تخلو منه الموائد الجازانية، حيث يُعـد هذا الخبز الرقيق، أساس وجبة “الشفوت” التقليدية، التي تُعد طقسًا اجتماعيًا خاصًا خلال هذا الشهر، حيث يجتمع الأهل والأصدقاء حول مائدة واحدة، يُشارك الجميع في إعداد وتناول هذا الطبق الذي يفوح منه عبق التاريخ.
وتبدع النساء في جازان في إعداد اللحوح، حيث يُحضّر في المنازل ويُباع في الأسواق، ولا يعكس فقط مهارة النساء، بل يعزز أيضًا من مكانته كمصدر دخل للعديد من الأسر، فهو يتطلب دقة ومهارة، ما يجعل كل قطعة تحمل قصة خاصة تتناقلها الأجيال.
وأوضحت زينب حرقان، إحدى النساء المتخصصات في إعداد اللحوح، أن عملية التحضير تبدأ باختيار نوع الذرة، سواء كانت بيضاء أو حمراء، حيث تُطحن جيدًا للحصول على مسحوق ناعم، ثم يُضاف الماء للحصول على قوام غليظ، مع إضافة الخميرة والملح ولمسة من البصل المهروس، ويُترك العجين ليخمر حتى يتضاعف حجمه، وبعد ذلك يُخبز في مقلاة على نار هادئة.
ويُقدم اللحوح مع مجموعة متنوعة من الإدامات مثل “المغش” أو “مكشن السمك”، ويمكن تناوله أيضًا مع اللبن ليكون طبق الشفت، مما يُضفي لمسة مميزة على النكهة، تُضاف إليه مكونات مثل الفلفل والكزبرة، ليعكس احتفالًا حقيقيًا بالتراث والثقافة الجازانية.
ويجسد تناول “اللحوح، والشفوت” في شهر رمضان، روح الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع، حيث أنه ليس مجرد طعام، بل هو رمز يُعيد إلى الأذهان قصص الأجداد وتراث الأجيال، ويستمر هذا الطبق في ربط الأجيال بأصالتها، ويُعد جسرًا بين الماضي والحاضر.
وتلعب النساء دورًا محوريًا في الحفاظ على هذا التراث ونقله للأجيال الجديدة، إذ يُعد اللحوح تجسيدًا للإبداع والحنان، واحتفاءً بالذكريات، ويستحق أن يكون جزءًا من الموروث الثقافي الذي يُفخر به في كل مناسبة.