اعتادت إدارة الطرق والنقل في عسير، كشط الطريق الرابط بين محافظتي محائل وبارق والممتد إلى جدة شمالاً وأبها وجازان ونجران جنوباً، كل عام، بعد أن يتغير لونه للأسود من كثرة الدماء التي تسيل عليه من جراء الحوادث، إضافة إلى الألوان البيضاء التي يرسمها رجال المرور الذين لا يتذكرون ذلك الطريق إلا عند وقوع الحوادث المميتة.
وعلى الرغم من المطالبات المتكررة بضرورة وقف نزيف ذلك الطريق الذي أصبح يحصد كل شهر ضحايا جدداً، خصوصاً أن الحصيلة ترتفع خلال فترة الإجازة إلى عشرات الضحايا، وهو نزيف مستمر منذ عام 1397هـ، إلا أن الطريق لم يحظ بتوسعة حتى الآن، وإنما تُقام المقابر على جنباته لتدفن ضحايه، وتواصل وزارة الطرق التزام الصمت.
ويحكي الكثيرون خبراتهم الأليمة المستمرة مع هذا الطريق منذ أربعة عقود، حيث عانى الكثير منهم من جراء الحوادث التي وقعت عليه، بينما وعلى الجانب الآخر يرتبط الطريق نفسه في أذهان الكثيرين بالفرحة ولاسيما طلاب الجامعات والعرسان والأشخاص الذين انتقلوا من بيت إلى بيت آخر أفضل.
بداية الخطر
ويرى كثيرٌ من المسافرين براً من أبها باتجاه محافظة جدة أن الطريق المعروف الرابط بين بارق ومحائل وخصوصاً عند الموقع المقابل لمبنى جامعة الملك خالد فرع تهامة؛ هو بداية الخطر والمغامرة بالأرواح، على مدى أكثر من40 عاماً، حيث عاش المسافرون على هذا الطريق حالة رعب كاملة.
وقال بعضهم: “المسافر على هذا الطريق “مفقود” والخارج منه “مولود”، وذلك بسبب الحوادث المميتة التي يذهب ضحيتها سنوياً عشرات الأشخاص من أهالي بارق ومحائل والمجاردة والعرضيات وقاصدي الباحة وجازان ونجران، علماً بأن هذا الطريق يعد شرياناً رئيساً للجنوب، ويعاني كثرة التحويلات وخطورتها وتدهور وضع الطبقة الأسفلتية وكثرة التصدعات والتشققات، إضافة إلى ضيق منعطفاته”.
ميزانية مشتتة
وقالت مصادر: “وزارة النقل في عسير تتحجج بمشروع ازدواج ذلك الطريق من “الدرب – رجال ألمع” وصولاً إلى المخواة، وتعد أنه مدرج ضمن الميزانية المليارية غير أنه لا توجد أي بوادر ملموسة لوضع حلول ولاسيما أن إدارة طرق عسير لم تنفذ مشروعات جديدة في عسير طوال تلك السنوات الماضية، وكل ما يُصرف عبارة عن مبالغ صيانة تكاد لا تكفي التعامل مع الحفر الموجودة في الطريق ببعض الأسفلت من خلال العمالة.
غياب المجلسين البلدي والمحلي عن الواقع
وتأكدت “سبق”، خلال جولة ميدانية قامت بها، أنه لا يوجد على هذا الطريق أي مشروع يمكن أن يحل تلك الأزمة المتمثلة في استمرار سقوط الضحايا، حيث لا يتبقى من هذه الحوادث المرورية سوى حطام السيارات والذكريات الدامية العالقة في أذهان أسر الضحايا والمصابين.
ولا يحرك المجلس البلدي والمحلي في محافظة بارق ساكناً إزاء هذه القضية على الرغم من أن المحافظة تتمتع بنصيب وافر من المساحات، ولا يزال الطريق مسرحاً للمزيد من المآسي المتمثلة في حالات الوفيات من جراء الحوادث.
إهمال “إدارة النقل والطرق”
وقال الطالب الجامعي علي أحمد البارقي: “هذه المحافظة ظلمت كثيراً على مستوى خدمات الطرق بسبب تهاون وزارة النقل في عسير وعجزها عن أداء الدور المطلوب والتعامل بالشكل المناسب مع هذا الطريق الدولي الذي يعد واجهة للبلاد”.
وأضاف: “لقد عاشت بارق سنوات عجاف خلال الفترة الماضية على مستوى خدمات الطرق، بدليل أن طريق بارق أصبح يُضرب به المثل في مجال تعثر المشروعات والإهمال، ومازالت الحوادث المرورية تحصد المزيد من الضحايا”.
وأردف: “نأمل أن تكون هناك أولوية للمحافظة فيما يتعلق بمشروعات النقل المخصصة لمحافظات عسير، لأن حالة الطريق أصبحت غير محتملة ولم تعد المبررات مقبولة في ظل عدم القيام بأي خطوة جادة ولاسيما أن النمو السكاني في تزايد والطريق حيوي جداً لأنه يربط الجنوب بالشمال”.
راصد الأحداث والحوادث
قال المواطن أحمد شار البارقي بدوره إنه عاش قصة هذا الطريق بكامل تفاصيلها وأحداثها وحوادثها، مشيراً إلى أن هذا الطريق ينزف بالدماء بشكلٍ مستمر والمصابون الذين تسقطهم الحوادث يبحثون عن أي مستشفى قريب.
وأضاف: “محاولة زيارة أهل بارق ومحائل والمجاردة والمحافظات المجاورة والعودة أصبحت شديدة الصعوبة ومحفوفة بالمخاطر بسبب الخوف من هذا الطريق”.
ويرى أهالي بارق أن لكل شخص من أهالي تهامة تجربة مع هذا الطريق فهناك من فقد صديقاً أو قريباً بسبب حوادث وقعت عليه، مشيرين إلى وقوع تسع حالات وفاة قبل شهرين بسبب حادث مروري وقع على هذا الطريق.
خوف طلاب الجامعة من الموت
تعتزم جامعة الملك خالد نقل طلاب وطالبتها إلى مبنى المدينة الجديد في تهامة والواقع داخل الحدود الإدارية لبارق وعلى مقربة من ذلك الطريق، لكن المشكلة هي أن النقطة المقابلة للجامعة تعد نقطة الموت لكثرة ما يقع عندها من حوادث مرورية.
أمير عسير والتوجيه بمعالجة وضع الطريق
وكشفت مصادر أن أمير عسير قد وجّه إدارة الطرق بضرورة الاستجابة لمطالبات أهالي بارق وأن يتدخل المجلس المحلي في بارق، الذي ترأسه لدى زيارته قبل ثلاثة أشهر لمحافظة بارق، حيث تحدثت إدارة الطرق في ذلك الوقت عن وجود مشروع، إلا أن ذلك المشروع ترجع ذكراه إلى سنوات عديدة مضت، حيث إنه تعثر ولم يفد في حل المشكلة.
غياب الدوريات والمرور عن الطريق
هذا وقد ناشد عابرو الطريق وأهالي بارق أمير عسير بتوجيه إدارة مرور عسير وإدارة الدوريات بمراقبة الطرق وخصوصاً فيما يتعلق بالسرعة المسموح بها والتي يتجاوزها قائدو الشاحنات، مؤكدين أن هذه المسألة من الأسباب الأساسية وراء وقوع الحوادث، ودعوا إلى وضع علامات تحذيرية على الطريق خصوصاً أن مرور بارق يعد مجرد مبنى من دون وجود دوريات.