في ظل تصاعد العنف وانتهاكات حقوق الإنسان في إقليم دارفور بالسودان، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، عن طلبات اعتقال جديدة ضد متهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في المنطقة، ويعقب هذا القرار تحقيقات مكثفة كشفت عن جرائم مروعة تستهدف المدنيين، بما في ذلك العنف الجنسي والقتل العشوائي، مما يعيد إلى الأذهان مأساة دارفور التي هزت العالم قبل عقدين.
جرائم متكررة
وأكد كريم خان أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك أن الجرائم في دارفور تتسارع بشكل مقلق، مع استهداف المدنيين بشكل متعمد، وتعرض النساء والفتيات للعنف الجنسي، وتدمير مجتمعات بأكملها. وأشار إلى أن هذه المعلومات ليست مجرد تقييمات، بل هي استنتاجات قائمة على أدلة موثقة من شهود فروا من المنطقة.
وتمكن محامو المحكمة الجنائية الدولية من إحراز تقدم كبير في التحقيقات من خلال مقابلة عشرات الشهود الذين فروا من السودان. هؤلاء الشهود قدموا شهادات صادمة عن الفظائع التي ترتكبها القوات شبه العسكرية، خاصة قوات الدعم السريع، التي يُعتقد أنها وراء العديد من الهجمات العرقية في دارفور، وفقاً لصحيفة “الجارديان” البريطانية.
تاريخ مظلم
ودارفور، التي أصبحت قبل 20 عاماً رمزاً للإبادة الجماعية وجرائم الحرب، تشهد اليوم تكراراً لتلك المأساة. فبين عامي 2003 و2004، قُتل ما يصل إلى 300 ألف شخص، وتم تهجير 2.7 مليون آخرين من منازلهم على يد ميليشيات الجنجويد العربية. اليوم، يعاني جيل جديد من نفس الجرائم، مما يثير تساؤلات حول فشل المجتمع الدولي في منع تكرار هذه الكارثة.
وفي محاولة لإظهار جدية المحكمة الجنائية الدولية، أشار خان إلى الانتهاء من محاكمة علي محمد علي عبدالرحمن، المعروف باسم “علي كوشيب”، المتهم بارتكاب 31 جريمة حرب خلال الفترة بين 2003 و2004. وقد سلم نفسه للسلطات في يونيو 2020، واكتملت محاكمته في لاهاي في ديسمبر الماضي، بانتظار النطق بالحكم.
أوامر اعتقال معلقة
ولا تزال أوامر اعتقال قائمة بحق شخصيات بارزة، بما في ذلك عمر البشير، الرئيس السوداني المخلوع، وعبد الحسين، ممثل البشير في دارفور، وعبدالرحمن، وزير الداخلية السابق. هذه الأوامر تظهر التزام المحكمة بمحاسبة جميع المتورطين في جرائم دارفور، بغض النظر عن مناصبهم.
وتصاعد العنف في دارفور يأتي في وقت تواجه فيه المنطقة أزمة إنسانية حادة. وفقاً لتقارير، فإن قوات الدعم السريع تحاصر مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، وتقترب من مخيم زمزم للنازحين، الذي يضم ما يصل إلى 500 ألف شخص. برنامج الأغذية العالمي يحذر من خطر مجاعة كاملة في المنطقة.
مستقبل غامض
في ظل هذه الأحداث، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى وقف فوري للعنف، وأدان الهجوم على المستشفى التعليمي السعودي في الفاشر، الذي أدى إلى مقتل 70 شخصاً على الأقل. كما أعلنت الولايات المتحدة عن فرض عقوبات على شركات متهمة بتمويل قوات الدعم السريع، في خطوة تهدف إلى زيادة الضغط على الأطراف المتورطة.
مع استمرار العنف وتصاعد الأزمة الإنسانية، يبقى مستقبل دارفور غامضاً. هل ستتمكن المحكمة الجنائية الدولية من تحقيق العدالة لضحايا هذه الجرائم؟ وهل سيتمكن المجتمع الدولي من وضع حد لهذه المأساة الإنسانية التي طال أمدها؟
ودارفور، التي عانت لعقود من ويلات الحرب والعنف، تواجه اليوم تحديات جديدة تهدد استقرارها وأمن سكانها. في ظل هذه الظروف، تبقى المحكمة الجنائية الدولية والمجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لإثبات التزامهم بحماية المدنيين وتحقيق العدالة.