في لحظة تاريخية تُختتم فيها مسيرة سياسية امتدت لنصف قرن، يلقي الرئيس الأمريكي جو بايدن خطابه الأخير من المكتب البيضاوي، مساء اليوم (الأربعاء) محاولاً تثبيت إرثه الذي طغى عليه فشل الديمقراطيين في منع عودة دونالد ترامب، بين إنجازات اقتصادية بارزة وانقسامات سياسية عميقة، يترك بايدن البيت الأبيض في وقت تُحدق فيه أمريكا بمستقبل غامض.
تعافٍ اقتصادي
وقاد بايدن الولايات المتحدة خلال واحدة من أصعب الفترات في تاريخها الحديث. فبعد جائحة كوفيد-19 التي عصفت بالعالم، نجحت إدارته في تحقيق تعافٍ اقتصادي قوي، تفوق على توقعات الخبراء. تم تمويل مشاريع بنية تحتية ضخمة، ودُعمت صناعة أشباه الموصلات، ووُضعت خطط طموحة لمكافحة تغير المناخ.
ورغم ارتفاع التضخم والأسعار، التي أثارت غضب الناخبين، تُظهر البيانات الاقتصادية أن الولايات المتحدة تخطت توقعات الركود. يقول الخبراء إن سياسات بايدن ساهمت في خلق ملايين الوظائف ودعمت الطبقة العاملة، وفقاً لـ”رويترز”.
لكن بايدن لم يتمكن من تحقيق حلمه بجسر الهوة السياسية في أمريكا. فبدلاً من ذلك، تفاقمت الانقسامات، خاصة بعد هجوم أنصار ترامب على مبنى الكابيتول في يناير 2021. هذه الأحداث تركت ندوبًا عميقة في نسيج الديمقراطية الأمريكية، وأظهرت أن بايدن، رغم جهوده، لم يستطع توحيد البلاد.
كما فشلت إدارته في وقف التراجع الديمقراطي على مستوى العالم، حيث شهدت العديد من الدول تراجعًا في الحريات وحقوق الإنسان.
إلغاء الإنجازات
الإنجاز الأكبر لبايدن – هزيمة ترامب في انتخابات 2020 – أصبح الآن تحت التهديد. فبعد انسحاب بايدن من السباق الرئاسي في يوليو الماضي، عاد ترامب بقوة، متعهدًا بإلغاء الكثير من إنجازات بايدن.
يقول ديفيد أكسلرود، المستشار السابق للرئيس أوباما: “بايدن أراد أن يُذكر بإنجازاته العظيمة، لكن عودة ترامب طغت على كل شيء”.
وفي رسالة مؤثرة صدرت صباح اليوم، حث بايدن الأمريكيين على مواصلة الكفاح من أجل قيم المساواة والحرية. قال: “ترشحت للرئاسة لأنني كنت أؤمن أن روح أمريكا كانت على المحك. وهذا لا يزال صحيحًا.”
وأضاف أن التحديات التي تواجهها أمريكا اليوم تتطلب وحدةً والتزامًا بالمبادئ التي تأسست عليها البلاد.
تعزيز التحالفات
وعلى الصعيد الدولي، يُعتبر تعزيز التحالفات والاستجابة الموحدة لغزو روسيا لأوكرانيا من أبرز إنجازات بايدن، كما أشرف على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، رغم الفوضى التي رافقت العملية، وتسببت في مقتل 13 عسكريًا أمريكيًا.
لكن دعم بايدن القوي لـ”إسرائيل”، خاصةً بعد الهجمات الأخيرة على غزة، أدى إلى انقسامات داخل الحزب الديمقراطي، وأثار غضب اليسار الأمريكي.
ورغم الإنجازات الكبيرة، يرى بعض المحللين أن بايدن سيُذكر كرئيس “فاصل” بين ولايتي ترامب. يقول فينسنت ريجبي، المستشار الأمني السابق لرئيس الوزراء الكندي: “لقد صمد بايدن، لكن ترامب عاد”.
ومع انتهاء ولاية بايدن، تبقى الأسئلة الكبرى: هل سيستمر إرثه الاقتصادي والسياسي؟ أم إن عودة ترامب ستطمس كل ما بناه؟