في خضمّ عدوانها المستمر، تعاني “إسرائيل” من واقع اقتصادي مؤلم، يتجلى في كل قطاع من قطاعاتها الاقتصادية والإنتاجية، ما يهدد استقرارها المالي والاجتماعي.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، فإنّ الاقتصاد الإسرائيلي أصبح في “خطر شديد”، مع اتساع رقعة الحرب وتصاعد تكاليف العمليات العسكرية، لا سيما بعدما أغلقت عشرات آلاف الشركات الإسرائيلية أبوابها، فيما يكافح جنود الاحتياط للتوفيق بين حياتهم المهنية والخدمة العسكرية.
وقد دفعت الحرب التي تخوضها “إسرائيل” ضد “حماس” و”حزب الله”، وكالة “موديز” لخفض التصنيف الائتماني للبلاد للمرة الثانية هذا العام، بحيث انتقلت الوكالة بتصنيف “إسرائيل” من A2 إلى Baa1، وهو انخفاض كبير بمقدار درجتين، مع الإبقاء على النظرة المستقبلية سلبية.
ويثير هذا التخفيض قلقًا بشأن قدرة “إسرائيل” على إدارة ماليتها، والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في ظل استمرار الحرب مع “حماس” و”حزب الله” اللبناني، وغياب أي أفق لوقف إطلاق النار في غزة، وتوسع احتمالات غزو “إسرائيل” للبنان بريًا.
تعديل حاد لتوقعات النمو
أعربت “موديز” أيضًا عن شكوكها بشأن قدرة “إسرائيل” على العودة إلى النمو الاقتصادي، كما حدث بعد النزاعات السابقة، وتتوقع الوكالة الآن أن ينمو الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 0.5 في المائة فقط في العام 2024، وهو تعديل حاد عن توقعات النمو السابقة البالغة 4 في المائة.
وبالإضافة إلى التأثيرات الاقتصادية، سلطت “موديز” الضوء على المخاوف المتعلقة بحوكمة الحكومة الإسرائيلية وقوة مؤسساتها، وذكرت الوكالة أن التوترات السياسية الداخلية، جنبًا إلى جنب مع النزاع المستمر، قد زادت من الضغوط على قدرة “إسرائيل” على تنفيذ سياسات فاعلة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
ويقول تقرير “واشنطن بوست” إن “إسرائيل” شهدت انكماشًا حادًا في ناتجها المحلي الإجمالي، حيث أغلقت عشرات الآلاف من الشركات أبوابها، وتم نقل عدد متزايد من الوظائف إلى الخارج، في حين أوقف جنود الاحتياط الإسرائيليون حياتهم المهنية بعد استدعائهم للخدمة، أو كافحوا للتوفيق بين هذه الحياة والخدمة العسكرية.
وتم استدعاء نحو 287 ألف إسرائيلي للخدمة في الجيش، بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، وهو عدد هائل في بلد يقل عدد سكانه عن 10 ملايين، كان العديد منهم جزءًا لا يتجزأ من شركاتهم، وواجهوا صعوبة في تحقيق التوازن بين أهدافهم المهنية وواجبات الخطوط الأمامية.
تداعيات في معظم القطاعات
وفي حين ظلت صناعة التكنولوجيا الفائقة الضخمة في “إسرائيل” صامدة، إلا أن صناعة البناء والزراعة التي اعتمدت بشكل كبير على الفلسطينيين، الذين ألغت “إسرائيل” تصاريح عملهم، بعد 7 أكتوبر تضررت بشدة، في الوقت الذي أظهرت فيه بيانات شهر يونيو الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء في “إسرائيل” أن السياحة في البلاد انخفضت بنسبة تزيد على 75 بالمائة، وهو ما أدى إلى إغلاق العديد من واجهات المتاجر في الشوارع المزدحمة عادة، في المدينة القديمة في القدس.
من ناحية أخرى، شهدت “إسرائيل” تضاعفًا في الإنفاق الدفاعي، مع تحذير البنك المركزي من أن الحرب قد تكلف 67 مليار دولار حتى عام 2025، وهي التوقعات التي أطلقت قبل التصعيد الإسرائيلي الأخير في لبنان.
أمّ كل الحروب
وبحسب الخبير الاقتصادي الإسرائيلي دان بن ديفيد، الذي يرأس مؤسسة “شوريش” للأبحاث الاجتماعية والاقتصادية، فإن اقتصاد “إسرائيل” في خطر جادّ ما لم تستيقظ الحكومة.
وأضاف: “في الوقت الراهن، هم منفصلون تمامًا عن أي شيء لا يتعلق بالحرب.. ولا توجد نهاية في الأفق”.
وفي إشارته إلى الحرب باعتبارها “أم كل الحروب”، أعرب ابن ديفيد عن إحباطه من المسؤولين في وزارة المالية، التي يرأسها حاليًا الوزير بتسلئيل سموتريتش؛ بسبب ما يرون أنه تفضيل الحكومة لاسترضاء مؤيديها على حساب تعزيز الاقتصاد.
وفي هذا السياق، أشار باحث في مركز التنمية العالمية إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي عادةً ما يُظهر مرونة خلال الحروب، لكن هذه الحرب تبدو وكأنها أمّ كل الحروب، مؤكدًا أن هذه الحالة مكلفة، وأن الأموال يجب أن تأتي من مكان ما.
خطورة خفض التصنيف للمرة الثانية
وتُعتبر عواقب تخفيض “موديز” التصنيف الائتماني لـ”إسرائيل” إلى Baa1 خطيرة للغاية، بحيث من المتوقع أن تعوّق هذه الخطوة النشاط الاقتصادي الإسرائيلي، وتؤدي إلى تدهور حاد في مستويات المعيشة.
وستسهم هذه الخطوة في تراجع ثقة المستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب، ما سيتسبب في انخفاض حاد في الاستثمارات، التي تعتبر المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
ومن جهة أخرى، ستؤدي ارتفاع تكاليف الاقتراض إلى زيادة الأعباء المالية على الشركات والأفراد، ما سيحد من قدرتهم على الاستثمار والإنفاق، وبالتالي سيعيق دوران عجلة الاقتصاد.
وعلى المدى الطويل، فإن تدهور الثقة في الاقتصاد الإسرائيلي سيدفع إلى هروب رؤوس الأموال وتراجع قيمة الشيكل، ما سيفاقم من حدة التضخم ويزيد من تفاقم الأزمة المعيشية. وعليه، فإن هذه الديناميات المعقدة تشكل تهديدًا جسيمًا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.