يُحدث الجوع آثارًا مدمرة على أجسام الأطفال في قطاع غزة، وقد تستمر هذه الآثار مدى الحياة، ويشمل ذلك جميع السكان تقريبًا في قطاع غزة، حيث شن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومًا في أكتوبر تشرين (الأول الماضي)، ويواجه أكثر من مليون شخص من سكان غزة الشكل الأكثر تطرفًا من سوء التغذية، الذي تصنفه “المراحل المتكاملة للأمن الغذائي”، وهي شراكة عالمية تقيس مستوى انعدام الأمن الغذائي، على أنه كارثة أو مجاعة.
ومجد سالم، البالغ من العمر سبعة أشهر، هو واحد من هؤلاء الأطفال، الذين يتعرضون للآثار المدمرة للجوع، وقد وُلد هذا الطفل في 1 نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد ثلاثة أسابيع من بدء الهجوم الإسرائيلي، وكان يتلقى العلاج من إصابة صدرية في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة في مستشفى كمال عدوان في شمال غزة في 9 مايو (أيار)، وذكرت الممرضة التي كانت ترعاه أنه كان يعاني من سوء تغذية حاد.
وأفادت والدة الطفل نسرين الخطيب لـ”رويترز” بأنه وُلد بوزن صحي يبلغ 3.5 كجم، وبحلول شهر مايو، عندما كان عمره ستة أشهر، لم يتغير وزنه كثيرًا عن الوزن الذي ولد به، حيث أصبح 3.8 كجم – أي أقل بحوالي 3 كجم مما هو متوقع لطفل في سنه.
وأضافت والدة الطفل أن “مجد”، الذي كانت عيناه تتابعان باهتمام الصحفيين الزائرين في الجناح، كان يتعين إعطاؤه مضادات حيوية لعلاج العدوى وحليبًا مدعمًا لزيادة وزنه، ولم تتمكن “رويترز” من تتبع الطفل ووالدته بعد 21 مايو، عندما تم إخلاء المستشفى عقب غارة إسرائيلية.
سوء تغذية حاد
ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، فإن طفلاً من بين كل ثلاثة أطفال في شمال غزة يعانون من سوء التغذية الحاد أو ضمور العضلات، وذلك نقلاً عن بيانات من شركائها على الأرض، وبين إسماعيل الثوابتة، مدير المكتب الإعلامي لحكومة غزة، أن سجلاتهم أظهرت أن 33 شخصًا توفوا بسبب سوء التغذية في غزة، من بينهم 29 طفلاً، لكنه أضاف أن هذا العدد قد يكون أعلى.
وحتى عندما ينجو الأطفال، يقول خبراء التغذية إن الحرمان من الغذاء في السنوات الأولى يمكن أن يسبب أضرارًا دائمة، فدماغ الطفل ينمو بأسرع معدل خلال العامين الأولين من الحياة، لذلك، حتى إذا لم يمت الأطفال جوعًا أو بسبب المرض بسبب ضعف جهاز المناعة لديهم، فقد يواجهون تأخرًا في النمو والتطور، وفقًا لما قالته عائشة غارج، مستشارة التغذية في “اليونيسف” لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي أضافت: “على الرغم من أنهم قد يكونون على قيد الحياة، إلا أنهم قد لا ينمون بشكل جيد في مرحلة الطفولة وما بعدها”.
وتحدثت ثلاث عائلات في غزة إلى “رويترز” عن نظامهم الغذائي اليومي، وأوضح أربعة خبراء عالميون في الصحة، كيف يؤثر هذا الحرمان على الجسم النامي، وقالوا: “إن الأضرار التي تحدث في غضون أسابيع يمكن أن تستمر لسنوات”.
ووفقًا لهانا ستيفنسون، رئيسة التغذية والصحة العالمية في مؤسسة “أنقذوا الأطفال” غير الربحية، “يمكن أن يكون لذلك تأثير طويل الأمد على جهازهم المناعي وقدرتهم على امتصاص التغذية الجيدة، وعلى نموهم المعرفي والجسدي”.
حصار خانق
وأزمة الجوع في غزة هي أيضًا نتاج الحرب، فقد غزا الجيش الإسرائيلي القطاع ردًا على الهجوم عبر الحدود الذي شنته حركة “حماس” على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) ومنذ ذلك الحين، أظهرت الإحصاءات الفلسطينية والإسرائيلية مقتل أكثر من 37 ألف فلسطيني وحوالي 1500 إسرائيلي.
ودمّر الهجوم الإسرائيلي مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في غزة، وفي الأيام الأولى من الحرب، فرضت إسرائيل حصارًا تامًا على غزة، وفي وقت لاحق، سمحت لبعض المساعدات الإنسانية بالدخول، لكنها لا تزال تواجه دعوات دولية للسماح بدخول المزيد.
واتهمت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، في طلبها لمذكرات اعتقال لقادة إسرائيليين وحركة حماس، في الشهر الماضي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يواف غالانت باستخدام تجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب، من بين جرائم أخرى.