– رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم: إقحام الأطفال واستغلال براءتهم جعلهم ضحية للتعصب الرياضي.
– الشيخ عبدالله المنيع: الأهل الذي يربون أبنائهم على التعصب الرياضي آثمون على ذلك.
– متخصصون في التربية الأسرية: التعصب الرياضي يزرع الخلاف بين أفراد المجتمع ويقضي على تناغم النسيج الاجتماعي.
– د. “العريفي” أستاذ علم النفس الجنائي: التعصب يُعلّم العدوانية والأطفال المتعصبون رياضياً قد ينتج عنهم مجرمون في المستقبل.
– د. الشمراني “استشاري السلوك الاجتماعي”: الطفل المتعصب تحت ضغط نفسي وشعور بالإحباط، يجعله يمارس العنف وإتلاف الممتلكات العامة.
– الإعلامية سعاد الأسمري: التعصب بين الأطفال الصغار يزرع نواة لتعزيز الكراهية ضد الأشخاص والأشياء والاختلافات الأخرى.
: انتشرت في الآونة الأخيرة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي صور ولقطات لأطفال سعوديين صغار “متعصبين رياضياً”، يصرخون بشعارات أنديتهم، ويتعصبون جداً في الدفاع عنها، ويبكون بحرقة عند الخسارة، ويبالغون في التباهي عند الانتصار في المباريات الرياضية بشكل لم يُعهد من قبل بين الفِرَق السعودية.. حول تزايد ظاهرة الأطفال المتعصبين رياضياً، وأسبابها، وأبعادها الاجتماعية، والنفسية، والرياضية، وآثارها السلبية مستقبلاً..
التعصب في التعليم
تقول إحدى الأمهات: “استغربت من بنتي الصغيرة التي تدرس في الابتدائية عند تحفيظها سورة من القرآن الكريم -جاء فيها اسم أحد الأندية السعودية- بابتسامتها عند بدء حفظها؛ قائلة ببراءة: اسم الفريق في القرآن”.
وطفل آخر معجب بدرس أطوار القمر في الصف الثاني ابتدائي؛ بسبب أن أحد أطوار القمر اسمه على اسم فريق يشجعه والده.
ومن جانبه يقول الطالب في الخامس الابتدائي حمد الحربي: “التعصب ما له داعٍ، ويسبب الكراهية بين الناس، وإذا فاز فريقي أو خسر فالأمر عندي لا يصل للتعصب”.
أما المواطن عبدالعزيز العنزي فيرى أن زرع التعصب في الأطفال شيء سيئ؛ فالمفترض أن تكون الرياضة شيئاً جميلاً، وروحاً عالية فيها تسامح، وتَزرع في النشء حب المنافسة فقط ولا يتعدى ذلك؛ على حد وصفه.
يقود للتطرف
أما الإعلامية سعاد الأسمري فترى أن التعصب بين الأطفال الصغار يزرع نواة لتعزيز الكراهية ضد الأشخاص والأشياء والاختلافات؛ فعندما يبدأ التعصب بين الأطفال في الرياضة ينعكس بالتطرف في كل المجالات ضد الآخرين.
ظواهر جديدة
ومن جانبه يرى رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم أحمد عيد الحربي، أن ما يحدث من ظواهر جديدة في المجال الرياضي -وكرة القدم تحديداً- أُقحم فيه أطفال استغل آباؤهم براءتهم وجعلوهم ضحية لتعصب رياضي لا يسمن، ولا يغني من جوع. : “إن الحديث عن ثقافة الأجيال حالياً هو حديث عن المجتمع؛ فاتحاد كرة القدم أو غيره يبني أسساً لترسيخ مفهوم الرياضة لهؤلاء الأطفال؛ كونه ترسيخاً لمبادئ وقيم مثالية مختلفة، ويجب أن لا نخلط بين قيم وأخلاقيات ومبادئ غير سليمة”.
وأضاف: “أنا أحب أن يحضر الأطفال والناشئون في مختلف الأنشطة الرياضية، وهذا شي طيب، وأنا أنادي الأسر أن تستوعب فكر الأبناء، وتعطيهم جرعة كاملة من الحصانة في التعامل والطرح الرياضي، وأنادي بحضور الأبناء للمناسبات والمباريات الرياضية بصحبة أولياء أمورهم؛ إلا أن ترك الأطفال على أعنّتهم في المدرسة أو الشارع والحي شيء خطأ، ويجب متابعتهم بشكل دقيق لتصحيح طريقة تفكيرهم، ولا يضر أن الطفل ينتمي إلى فريق ويشجعه؛ ولكن بدون تعصب، ويجب أن لا يميز الطفل لون ناديه عن النادي الآخر؛ فالنوادي لها تأثيرها المهم في المجتمع، ونحن لسنا قرية فاضلة فهناك جنوح لبعض المشجعين المتعصبين لأنديتهم؛ لكن لا يتعدى كونه انتماء للنادي، وأيضاً يجب أن لا نصادر حقوق الآخرين فيتوقع الطفل أن ناديه أفضل نادٍ، ومن المهم غرس أن كرة القدم فوز وخسارة، والتفوق يكون بالأجواء المناسبة التي تهيأت للفريق؛ فالخطأ أن نتحدث عن الفوز والخسارة بشكل مطلق”.
وأشار رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم إلى أن الرياضة بعيدة كل البعد عن التعصب والصراع فهي منافسة شريفة.
شخصية الطفل
من جانبه، قال رئيس الدراسات الأكاديمية في جامعة الأمير نايف العربية، وأستاذ علم النفس الجنائي الدكتور ناصر العريفي، أن التعصب الرياضي من المواضيع الهامة الآن بين جميع أطياف المجتمع، والذي يحدث حالياً هو تعصب لفِرَق دون فِرَق أخرى، وهذا له جانبان سلبي وإيجابي في تشجيع الرياضة واللاعبين والفرق الرياضية؛ لكن عندما يصل للتعصب ينعكس على شخصية الطفل؛ فالطفل عبارة عن (مسجل) يلتقط كل ما يقوله والداه، وعندما يكون أحدهما لديه تعصب رياضي يظهر بطريقة غير ملائمة أمام الأطفال؛ فإنه يؤدي لتعلمهم السمات العدوانية تجاه الآخرين الذين لا يشجعون الفريق الذي ينتمي له”.
ويضيف أنه عندما يكبر الطفل يظهر لديه التعصب الممقوت؛ فيؤثر على سلوكه، ويتوقع أن كل من يشجع ناديه صحيح، وغيره خطأ دائماً.
ويؤكد الدكتور “العريفي” أن علم النفس من أهدافه التنبؤ بالسلوك ثم فهمه ومن ثم تحليله، وبالتالي فالأطفال المتعصبون رياضياً عندما يكبرون تكون لديهم نزعات عدوانية تتعدى آثارها إلى أن يكون مضاداً لأفراد المجتمع الذين يختلفون عن ميوله؛ مما قد ينتج عنه مجرماً في المستقبل، ينتقم من الآخرين بأساليب غير إنسانية. وقال: “نحن نعلم أن التعصب مرفوض في الدين الإسلامي؛ لأنه يترك آثاراً سلبية على الصغار فيصابون بخيبة أمل وفشل، إن كان يشجع نادياً لا يفوز دائماً، وقد يقوم بممارسات ضد الممتلكات العامة، ويخرب بعضها في المناسبات الرياضية، ويلجأ للتكسير والعبث، أو يكوّن جماعات مؤذية”.
يزرع الخلاف بين أفراد الأسرة
ويشير بعض المتخصصين في التربية الأسرية إلى أن بعض الأسر في الدول العربية تغذي قيم “التعصب” في نفوس الأبناء؛ حيث تعمل على غرس جذورها في أجواء الأسرة والمجتمع، وبالتالي فإن الطفل يتنفسها في حياته اليومية، وأن الطفل “المتعصب” ليس لديه القدرة على رؤية الواقع بصورته الحقيقية؛ لكونه لا يرى إلا ما يميل إليه ويكون ظاهراً أمام ناظريه، وبالتالي فلن تكون لديه رؤية صادقة عند إصدار الأحكام على الآخرين؛ لذا “التعصب” الرياضي يعمل على زرع الخلاف بين أفراد المجتمع الواحد، ويزعزع اللُّحمة، ويقضي على تناغم النسيج الاجتماعي.
العنف اللفظي والجسدي
أما استشاري السلوك الاجتماعي الدكتور حسين الشمراني، قال”: “يتعلم الأطفال الانتماء لفريق معين من خلال والديهم أو الأسرة، والبيئة المحيطة وتأثير وسائل الإعلام المختلفة، ولا بأس في ذلك؛ ولكن في بعض الأحيان يتجاوز هذا الشعور بالانتماء والتشجيع إلى نوع من التعصب الرياضي، الذي يؤثر بشدة على شخصية الطفل ونفسيته وعلاقاته الاجتماعية وحياته العامة، وقد يستمر ويكبر معه؛ فهزيمة فريقه تجعله تحت ضغط نفسي وشعور بالإحباط والحزن، وربما أدى ذلك إلى تصرفات وأفعال غير مبررة؛ كالعنف اللفظي والجسدي وإتلاف الممتلكات العامة وغيرها”.
ومع الأسف -كما يقول الدكتور الشمراني- أن بعض الأسرة تعاني خللاً في تنشئة الطفل على ضبط الانفعالات، وعلى تقبل الهزيمة بروح رياضية؛ بل إن بعض البالغين يمثلون قدوة سيئة في تعصبهم الرياضي الشديد؛ فلا ضرر من تشجيع الأطفال لنادٍ معين إذا كان مصحوباً بتربية صحيحة من الوالدين والمدرسة؛ بحيث يتعلم الانتماء لناديه، واحترام الأندية الأخرى، وعدم خروج هذا التشجيع عن الروح الرياضية، والمنافسة الشريفة؛ فالرياضة وُجِدَت للترفيه والتسلية، وليس لخلق العداوات أو التوتر والضغط النفسي وغيره من الآثار السلبية التي يمكن تلافيها؛ على حد وصفه.
الأخلاق السليمة
من جانبه قال المستشار بالديوان الملكي، عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع؛ تعليقاً على التعصب الرياضي لدى الأطفال: “الأهل الذي يربون أبناءهم على التعصب الرياضي آثمون على ذلك؛ فالطفل ينبغي أن يُرَبّى على الأخلاق السليمة؛ فقد قال الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}؛ فالطفل يوم القيامة سوف يحتج على والديه بسوء تربيته وهم مسؤولون أمام الله على ذلك.. فقد قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً}، وإن هذا تجاوز وانحراف عن المنهج السبيل في تربية أبنائنا؛ فالتربية السليمة هي التربية الإسلامية التي تُعنى بخالقهم، ولا شك أن ذلك انحراف وانعطاف عن المسلك السليم إلى المسلك المنحرف”.