جاءت قصيدة معالي الأستاذ سعود القحطاني، أو الشاعر المبدع “ضاري”، في سيرة الوطن وتاريخ رجاله العظماء، كعادته متميزة في كل شيء؛ تسبر أغوار التاريخ؛ لتروي مجد هذه الأرض منذ نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم، حتى تتهادى بروعة إلى الحاضر؛ لتحكي قصة مَنْ ورثوا مجد الأسلاف العظماء، وبعثوا المجد العربي الذي غابت شمسه أكثر من ألف عام، وحافظوا على صفاء الدين وعلى الأصالة، ونهضوا بدولتهم شامخة عالية، معتمدين بذلك على سواعدهم وسواعد أبناء وطنهم السعوديين.
أما صلب القصيدة فيركز على الدور الكبير الذي قام به عراب الرؤية، الأمير محمد بن سلمان، وجهوده في خدمة وطنه.
ويؤكد ضاري في قصيدته الثوابت الراسخة، ويفتخر بوطنه مبينًا سبب فخره وحبه لهذه الأرض فيقول:
وطن عظيم وشعب مخلص وقاده
وأرضٍ عَلَمْهَا غير عن كل الاعلام
أرضٍ عليها صارت أطهر ولاده
أرض النبي وأصحابه الغر الأعلام
أرض الرسول وعمر وأبو قتاده
منها سطع نورٍ غشى الشرق والشام
فهذا الوطن عظيم، وأرضه طاهرة، فعلى هذه الأرض كان مولد أشرف الخلق نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام، وحوله أولئك الصحابة الأفذاذ الذين تبعوا تعاليمه، فيشع النور من هذه الأرض إلى سائر المعمورة، وتنشأ من هذه الأرض أرقى وأنقى حضارة عرفها التاريخ، الحضارة العربية.
يمتاز هذا الوطن بشعب صادق مخلص، يقودهم أفذاذ حدّدوا خيارهم منذ البداية فاختاروا علما تعرف منذ تراه ماذا يريدون، هذا هو ديننا وهذه هي هويتنا العربية، وهذه هي القوة، قوة العدل التي ندافع بها عن وطننا وعن الحق، ولا نعتدي بهذا السيف على أحد، وكل ذلك ببياض يدل على نقاء وصفاء نية، تحيط به خُضرة تريد الزراعة والنماء والبناء.
هكذا اختصر الضاري، ولعله لم يرد الإشارة إلى قرون الظلام التي صار المجد العربي فيها “غريب الوجه واليد واللسان”، ثم أكمل ليوضّح لنا من أزالوا كآبائهم هذه الغربة:
واليوم أخو نوره وهذي بلاده
المملكه حضن العرب قلب الإسلام
يقودها وأنعم بها من قياده
خادم بيوت الله وللأمه إمام
سلمان سلمان العزم والإراده
أعظم ملوك الأرض من عرب وأعجام
هو امتداد ابوه وانت امتداده
للدين خدامٍ وللشعب حكام
وبعد ذلك ينتقل الشاعر إلى تأكيداته في قصائده السابقة على الشبه بين سمو ولي العهد والملك المؤسس:
بك سطوة معزي وبك من سداده
عبدالعزيز الملهم الصارم الهام
ثم يأتي بهذا البيت الخالد:
كن المؤسس جا على شكل إعاده
نفس الفكر نفس الشكل نفس الأجسام
ومن يعرف سيرة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله يرى التشابه الواضح فعلا وهيئة.
ونلاحظ دائما ان الشاعر ضاري في قصائده السابقة لا يقارن سمو ولي العهد إلا بالملك المؤسس إلا في هذه القصيدة، فقد شبهه أيضا بالإمام تركي بن عبدالله مؤسس الدولة السعودية الثانية وهو تشبيه عميق لمن قرأ تاريخ تلك الحقبة:
وشابهت تركي هيبته واجتهاده
يومه على شان الحكم حث الأقدام
وبعد أن يسترسل بمدح الإمام تركي يؤكد على مقصده كي لا يختلط المقصود على أحد:
هذا الإمام اللي له العفو عاده
تركي ابن عبدالله بسِلم وخصام
وبمفردات من قلب الصحراء العربية، تتجسد فيها عمق معرفة الشاعر بثقافة الصحراء يبيّن ضاري ما حواه ممدوحه من خصال المجد والشرف:
والله جمع لك بين ملك وعقاده
وشعب تحيزم فيك وأنت أطلق حزام
ثم يستطرد موضحا أن سمو ممدوحه حاز المجد من أطرافه:
فاخر ومثلك يفتخر في اجداده
واحد بنى دولة وواحد فخر يام
جدَّك معزي فوق صهوة جواده
أسس كيان وملك في عدة أعوام
وراكان جدك وأنت وارث شداده
ومن مثل ابن حثلين فارس وهَمّام
خوالك الحثلين شيخة وسادة
بيت المفاخر والبطولة والإقدام
ثم تسير بنا أبيات الشاعر لتذكر بعض أفعال ممدوحه الأمير محمد بن سلمان الجليلة ومنجزاته الخالدة، وماذا صنع لوطنه في مدة قصيرة:
يمضي بنا محمد بعزم وجلاده
للمجد ويسابق بنا بيض الأيام
كنه يقول لمن يبون انتقاده
قدام يا بيض المقادير قدام
خليتو الفاسد يعيش النكاده
يدفع وهو صاغر ثمن ذيك الآثام
حنا نشوفك حلم حناه مداده
واصل الحقايق كان مجرد أحلام
رؤياك مستقبل وطن واستفاده
من كبرها تصعب على بعض الأفهام
ونستبشر برؤياك خير وسعاده
ونشوف واقعها حسابات وأرقام
بلد على البترول كان اعتماده
تعددت مصادره بس في عام
رفعت من شان الوطن واقتصاده
في كل درب إصلاح لك بصمة إبهام
ذي غرسة محمد وهذا حصاده
وهناك أثر كفه على وجه الإجرام
حرب على الفاسد بليا هواده
وحرب على زمرة سفهاء الأحلام
وعلى المخدرات أعلنت حرب الإباده
يـخـوضـها بـأمـرك عسـاكـر وخـدام
خل البلد يشفى وينظف زياده
مثل الجسد لا عالجو منه الأسقام
واللي عن اليمّه تشوف ابتعاده
اجتث من راسه بيمناك الأورام
قد قلت لن ينجو أحد من فساده
ونفذت ما قلته على الخاص والعام
خلـيتو الفـاسد يعيش النكاده
يدفع وهو صاغر ثمن ذيك الأثام
هـذي نـتايـج رؤيـته واعـتقاده
أصبح سموه للعرب مصدر إلهام
والأبيات السابقة تشير إلى مجموعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أنجزها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في سنوات معدودة، ولولاه لاحتاجت عقودا من الزمان، فلا عجب أن يصبح سموه للعرب وغيرهم مصدر إلهام، وكم سمعنا من أصوات في دول عديدة عربية وغير عربية تصيح بأعلى الصوت: نريد في بلادنا رجلا مثل محمد بن سلمان لينقذنا.
ولا ينسى الشاعر أن يؤكد على الترابط الأصيل والدائم بين القيادة والشعب فيقول:
لكم على الدنيا وأهلها سياده
وبارقابنا بيعة لكم والعهد تام
حنا فتيل الحرب وانتم زناده
اقلط بنا وابشر بنا درع وحسام
هذه مقتطفات من رائعة ضاري، الرجل الذي عُرف بإخلاصه لقيادته ووطنه.