بروفايل – خاص: في 26 أغسطس 2011 تحدت جمعية بريطانية أي مسلم أن يرى هلال شوال في اليوم الذي يتوقع أن يخرج المهتمون لرؤيته في المملكة العربية السعودية.
الجمعية البريطانية بررت التحدي بأنه علمياً ووفقاً للحسابات الفلكية فإنه من المستحيل رؤية الهلال وقتها في أي جزء من السعودية حتى باستخدام “التلسكوب”، ووضعت على موقعها على الإنترنت جائزة قدرها 1000 جنيه إسترليني (1645 دولاراً)، لمن يستطيع أن يقدم تسجيلاً بالفيديو للهلال في تلك الليلة.
ومن المعروف أن المملكة تعتمد حتى الآن الترائي، أو الرؤية بالعين المجردة وفقاً لاعتبارات دينية وأدلة شرعية وإن كانت هيئة كبار العلماء أجازت استخدام التلسكوب والأجهزة العلمية للمساندة في ذلك.
قبل أيام ظهرت تصريحات من علماء فلكيين مرموقين يؤكدون أن الثلاثاء الثامن من يوليو 2013 سيكون أول أيام الشهر الكريم.
حول القضية يوجز الباحث الفلكي الدكتور خالد الزعاق قبل أيام الأمر بقوله: “الاختلاف حول بدء الصيام لهذا العام لا مفر منه. العالم الإسلامي سيشهد الاختلاف في بدء الصيام”.
مضيفاً: “حتى الآن لم تستخدم الأجهزة العلمية في الرصد كما ينبغي بل على استحياء. قد تستخدم كمساند ولكنها لم تستخدم لرد الشهادة حتى الآن. حتى لو خالفت الشهادة الأجهزة والمنطق العلمي”.
ويدعو “الزعاق” لموقف يراه الأكثر عقلانية: “من أكثر الآراء عقلانية هو الرأي الداعي لغلق المحاكم أمام المترائين إذا ثبت علمياً غياب القمر قبل أو مع الشمس لأنه يستحيل رؤيته حينها. وفي حال ثبتت إمكانية رؤيته علمياً يفتح المجال للترائي”.
– خبراء سدير:
من المهم في هذا السياق سماع رأي أشهر المترائين السعوديين مثار الجدل، خاصة في محافظة “سدير” التي لا يمكن الحديث عن موضوع كهذا دون ذكرها، فهي المسرح الأشهر للرصد.
الرائي الأكثر شهرة عبدالله بن محمد الخضيري يعتبر الجدل بين علماء الفلك عند بداية شهر رمضان في كل عام “ظاهرة صحية إذا قصد به البحث والوصول إلى الحقيقة”.
غير أنه يرى أن هناك “أشخاصاً غير مؤهلين دخلوا مجال علم الفلك حباً في الظهور الإعلامي”.
“الخضيري” يؤكد أن “حوطة سدير” الأنسب لصفاء أجوائها، وينكر على من يقول إن هناك رفضاً لاستخدام المناظير والتلسكوبات، مؤكداً أنها مجازة منذ عام 1415هـ، من الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله. وأن التنظيم الجديد لرصد الأهلة زوَّد المحاكم بأجهزة وتلسكوبات ومناظير لهذا الرصد”.
“الخضيري” أيضاً يؤكد أن له طريقته ومنها متابعة حركة الفلك على مدار السنة، وعمل دراسات لزوايا الإضاءة بالقمر”، كما يقول إن الزيارات المتبادلة بينه وبين مختصين في علم الفلك لم تتوقف.
أما المترائي ناصر الفياض بمحافظة شقراء -وفي قصة متداولة إعلامياً- يصف كيف رفض الشهادة عند مشاركته لشهر شوال 1433هـ وكيف شاهد الهلال قبل أن يغرب هو والشمس في غيم، فانعدمت رؤيته ليرفض الشهادة. وكيف أنه في اليوم التالي رصد شروق القمر فشاهد الشمس تسبقه بارتفاع درجتين ونصف تقريباً ما يؤكد صحة قراره. ويقول “الفياض”: “هنا أتساءل متعجباً: إلى متى سيستمر بعض الشرعيين وبعض الفلكيين هداهم الله في سباتهم؟ ومتى سيدركون أن حساباتهم ليست قطعية وأنها تخالف الواقع وما شاهدناه وأحسسناه؟”.
– واهمون أم مبتدعون!:
الرد على الخضيري جاء سريعاً. حيث صرح الفلكي عبدالعزيز الشمري الذي يعمل في مدينة “العلوم والتقنية” لصحيفة “الحياة” بقوله: “نقلنا أجهزة التليسكوب من الرياض إلى محافظة سدير في أحد الأعوام لرؤية الهلال مع من يستطيعون ذلك بالعين المجردة، ومن بينهم شخص يدعى عبدالله الخضيري، لكن الخضيري رفض العمل معنا وذهب إلى منطقة بعيدة وأبلغنا أنه شاهد هلال عيد الفطر فيما لم نستطع نحن رؤيته بالتليسكوب”.
مؤكداً: “أن الرصد بواسطة التليسكوب يتم عبر لجان عدة شكلت من مجلس الشورى منذ 10 أعوام ووافق عليها المقام السامي، وليس وفق حسابات فلكية”.
ويسانده الباحث الفلكي ملهم هندي: ” توهّم رؤية الأهلّة هو أحد معضلات إثبات الأهلّة لدينا منذ فترة طويلة، حيث يخرج علماء الفلك وينفون إمكانية رؤية الهلال في يوم معيّن ونفاجأ بورود شهادة إثبات رؤية، ويدخل على أثرها شهر صيام أو فطر”.
الردود متبادلة ومنها تأكيد عثمان العيسى مشرف الآثار في الهيئة العليا للسياحة وهو أيضا أحد المترائين في محافظة سدير أن ما ينادي به مختصون في علم الفلك بالاعتماد على الحسابات الفلكية لحساب الأشهر “يخالف نهج السلف الصالح”. مستشهداً بأن “شيخ الإسلام ابن تيمية أكد أن مَنْ ألزَم الناس أو حثَّهم على أن يَعدلوا عن رؤية الهلال إلى الأخذ بالحساب، فإنه مبتدع”.
– بين الرفض والقبول:
الجهود لتقريب وجهات النظر لم تتوقف، وكان آخرها المؤتمر الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في مطلع العام الميلادي المنصرم. حيث أكد المجتمعون على أن الأصل في ثبوت دخول الشهر القمري وخروجه هو الرؤية، سواء بالعين المجردة أم بالاستعانة بالمراصد والأجهزة الفلكية. وأشاروا إلى أن الإسلام لا يتعارض مع العلم وحقائقه. إلا أنه في أول اختبار حقيقي للمؤتمر سقطت هذه التوصيات”.
هذا المستوى من الإحباط الذي وصل له الفلكيون جعل بعضهم يردد في سخرية: “لكل دولة هلالها تفطر عليه وتصوم عليه”.
الفلكيون أحياناً لا يترددون في الرد بقسوة، فيرى الفلكي صالح الصالح أن “بعض أدعياء الفلك والرؤية لا يؤمنون في الأصل بدوران الأرض، وكثير منهم متطفلون ويقعون في وهم الرؤية”.
مضيفاً: “لماذا لا يرى الهلال في المملكة سوى خمسة أشخاص منذ ثلاثين عاماً متعاونين مع بعضهم البعض؟!!!”.
من جهته يقول نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو المجامع الفقهية الدكتور عبدالله بن بيه: “أحياناً الهلال يرى في مناطق جغرافية مختلفة من العالم ولكن لا يمكن رؤيته في مناطق أخرى.. أنا أرى الأخذ بحديث ابن عباس رضي الله عنه “لهم رؤيتهم ولنا رؤيتنا” والحل للخروج من هذه المشكلة إيجاد مراصد ترصد الهلال”.
وفيما يؤكد الدكتور صالح الصعب المشرف على المركز الوطني للفلك سابقاً تخصيص تسعة مراصد لرؤية الأهلة منتشرة في جميع مناطق المملكة، يحاول الباحث في السياسة الشرعية الدكتور سعد القويعي أن يتخذ موقفاً وسطاً بين الطرفين قائلاً: “يلزم لقبول الشهادة برؤية الهلال، ألا تكون الرؤية مستحيلة حسب حقائق العلم الصحيحة. المحكمة العليا مع الأسف، تدعو عموم المسلمين إلى رؤية الهلال، دون إلزامهم بالمشاركة في عمل لجان الرؤية المعتمدة من المقام السامي. الحسابات الفلكية ليست إهمالاً للرؤية الشرعية، بل هي وسيلة إثبات لا مفر منها للتأكد من شهادة الشهود”.
أما المجمع الفقهي لمنظمة المؤتمر الإسلامي فقد أفتى بأنه إذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين الالتزام بها ولا عبرة لاختلاف المطالع”.
– خاصية “الرؤية” والحساب:
الباحث عمر بن عبدالرحمن العمر مدير المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالثمامة، يرى من زاوية أخرى أن تمكن بعض الناس من الرؤية بالعين المجردة “هو فضل من الله يؤتيه من يشاء”، وأن “الاستعانة بالمراصد الفلكية وأجهزة التلسكوب في رؤية الأهلة لا يتعارض مع الرؤية الشرعية”.
وفي تفسير دقيق يقول الداعية د.خالد المصلح: “حكم الصيام مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالرؤية المباشرة، سواء بالعين المجردة أو بوسائل معينة حتى وإن خالف الحسابات الفلكية”.
مضيفاً: “لكن لو أن الحساب قال إن الهلال سيولد بعد غروب الشمس وجاء من يقول إنه رأى الهلال، هنا بلا شك الرائي واهم وبالتالي لا تقبل شهادته ولا يثبت بشهادته حكم”.
هذه الجدلية مرشحة للاستمرار على ما يبدو في ظل الوضع الحالي، ما لم يتم التدخل بحلول حاسمة وهي التي تبدو صعبة في ظل كل المعطيات.
– جدل بيزنطي:
لكن المؤكد أن هناك من ضاق ذرعاً بمثل هذه الخلافات، ومن أبرز أمثلة ذلك، الطلة الغاضبة والطريفة معاً للدكتور عبدالله المسند عضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم، ليقول: “إنني وبصفتي مراقباً لما يحدث لأكثر من ربع قرن، أدعو الجهات المعنية لتشكيل لجنة مهمتها تقصي الحقائق لتريح المسلمين من ادعاء المترائين، أو حدس وتخمين الفلكيين”.
مضيفاً: “جدل بيزنطي، وحرب كلامية دخلت عقدها الثالث -لا أطال الله عمرها- وخاض غمارها القاصي والداني، من سلم لسانه منها لم تسلم أذنه. وبات عامة الناس لا يدرون من يصدقون أو يتبعون، لغط وسخط، يظلنا ويفتننا في كل عام مرة أو مرتين”.