آكي سيلستروم عالم لا دخل له بالسياسة، لكن بيده الحل والربط في التدخل الدولي العسكري ضد نظام دمشق، لكن خبراء يشككون في إمكانية حصوله على أدلة دامغة في منطقة حرب وقصف مستمر، إذ قد تكون هذه الأدلة قد أتلفت تمامًا.
صباح الاثنين، غادر فريق محققي الأمم المتحدة في استخدام اسلحة كيميائية أخيرُا في ريف دمشق فندقه وسط دمشق، متوجهًا إلى المكان الذي يُعتقد انه كان هدفًا لأسوأ هجوم كيميائي منذ عقود.
وكان الفريق برئاسة آكي سيلستروم، العالم السويدي الذي نُقل من قاعة المحاضرات في جامعة اوميا السويدية ليُلقى به في غمرة اشد النزاعات دموية في العالم. وتعرَّف سيلستروم وفريقه مباشرة على المخاطر التي تهدد مهمتهم عندما اطلق قناص النار على موكبهم لدى اقترابهم من المكان، واجبرهم على التوقف فترة وجيزة قبل استئناف رحلتهم. واتهم نظام الرئيس بشار الأسد مقاتلي المعارضة في المنطقة باطلاق النار، فيما قالت المعارضة أن شبيحة النظام هم الذي اطلقوا النار على سيارات الأمم المتحدة.
بحث عن أدلة
لدى سيلستروم ثلاثة عقود من الخبرة الأكاديمية ودراسة تأثير مواد سامة مثل غاز الأعصاب في مخ الانسان، وتولى مسؤوليات كبيرة خلال التفتيش عن أسلحة دمار شامل في العراق. وفي النهاية، قاد سيلستروم فريق المفتشين إلى هدفه في سوريا، وأظهرت اشرطة فيديو صورها مواطنون من سكان المنطقة مفتشي الأمم المتحدة يتحدثون مع مسعفين واطباء محليين، ويعاينون مصابين من ضحايا الهجوم الكيميائي. لكن اطلاق النار على الفريق منعه من زيارة ستة مواقع اساسية، وأجبره على اختصار رحلته، التي كان من المقرر أن تستمر ست ساعات، إلى 90 دقيقة.
وكانت رسالة الكمين الصباحي الذي وقع فيه الفريق واضحة، تقول إن سيلستروم وفريقه في مرمى قوى ذات سطوة على الأرض، سياسيًا وحرفيًا. واصبح سيلستروم محط أنظار جميع الفرقاء في ما يبدو بوادر حملة عسكرية أخرى ستقودها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وكان وزير الخارجية الاميركي جون كيري أوضح الاثنين أن الولايات المتحدة تحمِّل نظام الأسد مسؤولية الهجوم الكيميائي في 21 آب (اغسطس) الجاري، واصفا الهجوم بأنه فحش أخلاقي.
وأضاف أن موافقة النظام على زيارة محققي الأمم المتحدة للمنطقة جاءت متأخرة، ولم تعد لها مصداقية. ويمكن لما يخرج به رئيس فريق المحققين السويدي من نتائج أن يضفي شرعية على التدخل الاميركي في سوريا، أو يقدم حجة لخصوم واشنطن الذين يقولون إن الولايات المتحدة قد تكون سائرة إلى فشل آخر في بلد عربي، بالاستناد إلى أدلة هزيلة عن وجود اسلحة دمار شامل متعللين بما حدث في العراق، وهو موقف غريب بالنسبة إلى رجل مثل سيلستروم، ليس دبلوماسيًا ولا عسكريًا، بل عالم شاءت الصدف أن يكون لديه اختصاص متفجر سياسيًا.
التصويب المضاعف
ونقلت مجلة فورين بوليسي عن تشارلس دولفر، النائب السابق لرئيس فريق الأمم المتحدة الذي فتش العراق بحثًا عن اسلحة صدام المحظورة بعد حرب الخليج، قوله إنه يعرف آيكي سيلستروم، “وهو في موقف صعب للغاية”.
وأضاف: “سيلستروم سيتعرض لضغط شديد، فكيف سيصنف ما يعثر عليه؟ هذا في غاية الصعوبة”. وكما في موقف الحَكَم الذي يلاحقه مدربا فريقين في مباراة حامية الوطيس كي تكون قراراته لصالح هذا الفريق أو ذاك، من المتوقع أن تضغط روسيا والولايات المتحدة على سيلستروم وفريقه لاعتماد روايتها بشأن الأحداث.
وعلى سبيل المثال، تجاهلت ادارة جورج بوش طلبات مفتشي الأمم المتحدة اعطاءهم مزيدًا من الوقت لانجاز مهمتهم في الفترة التي سبقت الحرب على العراق، مكتفيا بنصيحتهم أن يغادروا البلد قبل ثلاثة ايام على الغزو.
واليوم، قال دولفر إن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سيكون أكثر من سعيد برمي الحجارة على المفتشين، إذا كان ذلك يناسب غرضه. واضاف دولفر لمجلة فورين بولسي: “لافروف يريد أن يُبقي على أكبر قدر ممكن من الابهام عمن ارتكب الهجوم الكيميائي”.
لكن عبور حقل الغام سياسية كهذا ليس من اختصاص سيلستروم الستيني، الذي يحمل شهادة دكتوراه من جامعة غوتنبرغ السويدية، وكان موضوع رسالته الاكاديمية تأثير مواد سامة مثل غاز الأعصاب في الدماغ. فالتحديات الرئيسية التي تواجه التحقيق الناجح في استخدام اسلحة كيميائية هي اليوم ليست تحديات علمية، بل سياسية.
نعم يستطيع!
جنان شاهوفيتش يعمل مع سيلستروم في مؤسسة أبحاث اوروبية تقدم خدماتها للاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة لدى التعامل مع مواد كيميائية وبيولوجية ومشعة ونووية ومتفجرة. وهو يقول إن سيلستروم ساعد الأمم المتحدة على تحديث آلياتها للتفتيش عن اسلحة محظورة، بل أعد في العام 2009 سيناريو يحاكي طرق التحقيق في مثل هذه الحالات. وأكد شاهوفيتش أن مهمة فريق المفتشين علمية محضة، تتمثل في ادائها بطريقة صائبة علميًا.
لكنه استدرك قائلًا: “انها اوضاع سياسية أكثر منها علمية، لكن هذا ليس جزءًا من عملنا”. واعتبر شاهوفيتش أن تركيز سيلتسروم على العلم وليس على السياسة أفضلية لصالحه وليس عبئا فيه. وقال: “إن اختيار دبلوماسي أو سياسي لرئاسة فريق الأمم المتحدة كان سيعرض عمله لاتهامات بالتحيز، وباختيار خبير معترف به في هذا الحقل فان ذلك يؤكد أن التحقيق علمي مستقل”.
ويبقى هناك السؤال عما يمكن أن يكتشفه فريق سيلتسروم للتأثير في السجال الدولي الدائر حول سوريا. فالجميع يعترفون الآن بوقوع هجوم كيميائي في ريف دمشق، لكنهم يختلفون على الجهة التي ارتكبته. يضاف إلى ذلك، أن فريق مفتشي الأمم المتحدة ليس مفوضًا تحديد الجهة المسؤولة عن الهجوم. فهل يستطيع سيلستروم أن ينشر معلومات تعزز أو تضعف حجة هذا الطرف أو ذاك؟
كثيرون يعتقدون أن الجواب هو: “نعم يستطيع”. فسيلستروم قد لا يستطيع أن يقول بصراحة إن هذا الطرف أو ذاك ارتكب الهجوم، لكنه يستطيع أن ينشر معلومات تشير بقوة إلى مسؤولية هذا الطرف أو ذاك، تاركًا للأمين العام للأمم المتحدة أن يوجه الاتهام. والمعروف أن النظام السوري يطور اسلحة كيميائية منذ عقود.
وقال دولفر لفورين بوليسي إن لدى النظام السوري منظومات متقدمة يمكنها اضافة المثبتات إلى مواده السامة، وتصنيع ذخيرة مزدوجة تخلط المواد التمهيدية لانتاج عنصر سام بعد اطلاق الصاروخ أو قذيفة الهاون.
وأضاف: “إذا عثر المفتشون على قطع صغيرة من صواريخ أو قذائف مدفعية بهذه الدرجة من التطور فانها تشير باتجاه الجيش السوري، وإذا وجد أن المادة السامة التي استُخدمت في ريف دمشق لا تحوي مثبتات كيميائية وكانت طريقة ايصالها إلى الهدف بسيطة فان هذا قد يقلب مجرى السجال لصالح روسيا ونظام الأسد”.
أدلة غير دامغة
يتفق ماغنوس نوريل، المستشار السياسي في المؤسسة الاوروبية من اجل الديمقراطية، مع هذه الطريقة لتفسير تسلسل الأحداث، لكنه يحذر من أن فريق سيلستروم لن يعثر على أدلة دامغة. فحقيقة أن مكان عمل المفتشين ساحة حرب مستعرة تعني أن هذه الظروف لا تهدد سلامة المفتشين فحسب، بل يمكنها أن تتلف الأدلة ايضًا.
وقال نوريل: “إن القصف المدفعي للقوات الحكومية خلال الأيام القليلة الماضية ربما دمر أي فرصة للتحقق مما حدث، بما لا يدع مجالًا لأي درجة معقولة من الشك”.
وأعرب نوريل عن اعتقاده بأن الأسد وحلفاءه سيتلقفون أي ابهام لإدانة التدخل العسكري، “والتحدي يتمثل في ماذا بعد توجيه ضربة عسكرية؟ فإذا بقي الأسد، وسيبقى في هذه الحالة، لن يكون شيء قد تغير في الواقع سوى تبديد أي فرصة للتوصل إلى حل وسط، وتوجيه رد عسكري أقوى بكثير من ذلك سيكون ضروريًا إذا أُريد للضربة أن تسفر عن تهديد حقيقي للأسد، وهذا ليس هو الخيار المطروح في الوقت الحاضر”.
لكن بالنسبة للعالم سيلستروم، فإن مثل هذه الأسئلة تتعدى حدود المهمة التي جاء إلى دمشق لتنفيذها. وستتكلل مهمته بالنجاح إذا تمكن من زيارة مكان الهجوم وأخذ العينات التي جاء لأخذها، وتفادى تعرضه لاطلاق النار.