مع اقتراب الذكرى الـ 60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية واليابان، التي تصادف العام المقبل 1436هـ – 2015م، وتزامناً مع زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الحالية لليابان، ونظراً لما تحتله العلاقات السعودية – اليابانية من تميُّزٍ وتعاونٍ وثيقٍ في مختلف المجالات التنموية.. فإن المتأمل للعلاقات التاريخية بين البلدين والشعبين الصديقين يجدها في استقرارٍ مستمرٍ، وتطورٍ دائمٍ يعكس مدى وعي قيادة البلدين، والتزامهما بما يحقّق مصالحهما وتطلعاتهما المشتركة.
ونظراً لأن العلاقات مع اليابان متشعبة وكبيرة ويصعب حصرها في مقالٍ واحدٍ، إلا أنني سأحاول أن أذكر أبرز المراحل التي مرّت بها خلال العقود الماضية:
فمنذ أولى خطوات تقارب العلاقات السعودية – اليابانية عام 1938م، عندما قام المبعوث السعودي لدى إنجلترا “حافظ وهبة” بزيارة اليابان لحضور افتتاح مسجد طوكيو، وقيام المبعوث الياباني لدى مصر عام 1939 بزيارة السعودية كأول مسؤولٍ ياباني يزورها، ولقاؤه الملك عبد العزيز في الرياض، توالت بعدها الزيارات الرسمية، وتطوّرت العلاقات السعودية – اليابانية، وتعمّقت بشكلٍ مستمرٍ، ولاسيما مع توالي الأحداث السياسية في المنطقة العربية، وخاصةً بعد الحرب العالمية الثانية التي عجّلت بإرسال أول وفدٍ اقتصادي ياباني للسعودية عام 1953م، وإقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين عام 1955م.
كما تعزّزت العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين الصديقين بشكلٍ أكبر بعد منح السعودية عام 1957م، حق امتياز التنقيب عن البترول لشركةٍ يابانية هي شركة الزيت العربية، وتوقيع اتفاقية الامتياز بين البلدين، ومن ثم توالت الزيارات المتبادلة للشخصيات المهمة، ومنها الزيارة التي قام بها الأمير سلطان بن عبد العزيز – رحمه الله – لليابان عام 1960 حين كان يشغل منصب وزير المواصلات. ووطّدت زيارة الملك فيصل لليابان عام 1971 الصداقة بشكلٍ كبيرٍ، ثم ازدادت وتيرة الزيارات المتبادلة بعد الأزمة النفطية عام 1973م. واليوم وبعد مُضي عقودٍ، لا تزال العلاقات السعودية – اليابانية مستقرة وثابتة وعميقة.
ولعل من أهم المراحل التي مرّت بها العلاقات السعودية قيام الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله – ورئيس وزراء اليابان الأسبق “ريوتارو هاشيموتو”، بصياغة “الشراكة الشاملة نحو القرن الحادي والعشرين” عندما زار هاشيموتو السعودية عام 1997م، وكذلك عندما زار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – ولي العهد آنذاك – اليابان عام 1998م، وتمّ خلال الزيارة توقيع “أجندة التعاون السعودي – الياباني مع رئيس الوزراء الأسبق “كييزو اوبوتشي”.
وفي عام 2001، أعلن وزير الخارجية الياباني “يوهي كونو” من الرياض مبادرات مهمة في ثلاثة مجالات، هي: تشجيع الحوار بين الحضارات مع العالم الإسلامي، وتطوير مصادر المياه، والحوار السياسي الواسع المتعدّد.
ولم تنقطع المباحثات بين القيادة السياسية في البلدين، حيث يتم من حينٍ لآخر بحث أبرز الملفات التي تهم الطرفين، هاتفياً عن طريق البرقيات التي ينقلها مسؤولون ودبلوماسيون كبار.
وتأتي زيارة سمو ولي العهد الحالية لليابان تعزيزاً لأهمية العلاقات التاريخية بين الرياض وطوكيو، ومواكبةً لتطلعات قيادتَي البلدين في توطيدها بمختلف المجالات التنموية مع التركيز على سبل دعم العلاقات الثنائية بين البلدين، وتوسيع آفاقها لتشمل: الطاقة، والاستثمار، ونقل التقنية، والتعاون في الأبحاث، وقطاع المواصلات، والطاقة الشمسية، والتدريب، وحظر الانتشار النووي، ومكافحة الإرهاب، والمساعدات الإنسانية، وتدفق الاستثمارات اليابانية في القطاعات الصناعية، والخدمية. كما ستعزّز الزيارة الشراكة الكاملة بين البلدين في المجالات كافة بما يحقّق المصالح المشتركة للبلدين الصديقين في القضايا ذات الاهتمام المشترك، ومنها تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط لتحقيق السلام العادل والدائم، ولاسيما أن السعودية تمتاز بمكانتها السياسية، والاقتصادية في المنطقة، ودورها المحوري في خدمة الأمن والسلم الدوليين، ودولة اليابان تعد من الدول الصناعية الكبرى التي لها ثقلها الدولي.
إن زيارة ولي العهد الحالية لليابان تحمل أهمية كبرى، خصوصاً مع التطورات التي تشهدها المنطقة والعالم، وينتظر أن تنتج عنها نقلة كبيرة في العلاقات، وأخذها إلى آفاق جديدة.