– د. عشقي رئيس مركز الشرق للدراسات: تلاشي الزراعة يعد خطراً يهدّد المجتمع بأكمله.
– المستثمر الحصيني : “غياب الماء سبب رئيس ولا مانع من استغلال الأراضي الزراعية خارج السعودية.
– المدير السابق لشؤون الزراعة في عسير: عدم وجود تخطيط ورؤية مستقبلية للسياسة المائية بالسعودية دهورها.
– الدكتور بهجت حموة: تدهور الزراعة بالسعودية يعود لأن مَن يقوم على الزراعة عمال وليسوا مزارعين.
– المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة: الصحراء وشح المياه يدفعان لإستراتيجية توفير احتياجات السعودية من فيتنام والأرجنتين وأوكرانيا.
يعد الأمن الغذائي من أهم التحديات التي تواجه الدول والمجتمعات الحديثة على اعتبار دوره الحيوي في استقرار المجتمع، وتعزيز موارده الطبيعية وثرواته، لاسيما أن الغذاء والبترول أصبحا أهم سلعتين إستراتيجيتين في الاقتصاد العالمي، لذا تأخذ قضية الأمن الغذائي بُعداً مهماً للدول في ظل بعض الظروف السياسية والاقتصادية، وتزايد السكان، وما يتطلبه ذلك من عناية فائقة بالقطاع الزراعي والمحاصيل الإستراتيجية.
حول الأمن الغذائي السعودي تطرح “سبق” عدداً من التساؤلات عمّا يتردّد من تقارير تؤكّد تراجع وتدهور قطاع الزراعة المحلي، وابتعاد المستثمرين السعوديين وتفضيلهم الاستثمار في الخارج، وتتزايد الفجوة الغذائية بين إنتاجنا الزراعي الضعيف، واستيرادنا العالي كل عام.. فهل نحن مُقبلون على أزمة أمن غذائية نتيجة الركود، والتباطؤ في تطوير قطاعنا الزراعي، وعدم كفاءة السياسات الغذائية؟ تساؤلات نحاول الإجابة عنها في التحقيق التالي:
الجيل القديم
“.. تتجه حرفة الزراعة في المجتمع السعودي للانقراض التدريجي فهي الآن هواية يزاولها عاشقو خيرات الأرض من أصحاب الجيل القديم فلم يعد مجتمعنا يأبه لخيرات الأرض معتبراً حياة المكاتب والوظائف هي مصدر الرزق الأساسي”.. ذلك ما قاله عبد المجيد الدهلوي الذي مازال يحافظ على إرثه من أجداده من أشجار التين والرمان والتوت، ويمارس هذه الحرفة كهواية منذ صغره. ويضيف:” كنت أنا مَن أقوم بالإشراف على زراعة الأشجار التي بالبستان الخاص بي الذي يقع في مدينة الطائف، أما الآن فقد وهبت خبرتي للحارس الذي أصبح يعتني بتلك الأشجار على الدوام وعلى الرغم من وجود رغبة في التوسع في الزراعة إلا أن شح المياه الجوفية وملوحة مياه البئر كانا عائقاً أمامي فسبلي في ممارسة هذه الهواية بدائية وغير متطورة وتعتمد على الطبيعة لذلك يعد إنتاجي محدوداً ويوزع على إطار العائلة فقط”.
خطر يهدّد المجتمع بأكمله
ويقول اللواء الدكتور أنور عشقي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية: إن تلاشي الزراعة يعد خطراً يهدّد المجتمع بأكمله، وبالذات في ظل اختفاء زراعة المحاصيل التموينية الأساسية داخل المملكة، والاعتماد الكلي والشبه الكلي على المصادر والاستثمارات الخارجية، وأن الأمن الغذائي يعد من أكبر الهواجس التي تحيط بالدولة بشكلٍ مستمر، وعلى مدى أجيال فهي مرتبطة بشكلٍ وثيقٍ بالأمن الوطني والقومي، ويجب أن يتم التخطيط لها بشكلٍ مدروسٍ ومتقنٍ بعيداً عن الارتجال, وذلك للوصول لمرحلة الاكتفاء الذاتي على ألأقل.
ويضيف: “يعد تهميش زراعة أهم محصول إستراتيجي وهو القمح داخل أراضي الوطن, خطأ فادحاً ومن الممكن أن يستغل أطراف هذا الخلل ضدّنا سياسياً وقت الأزمات , فلا بد من وضع إستراتيجية للوصول لنسبة 20 % من القمح تزرع وتنتج في أراضي الوطن, وهذا بالتأكيد سيتم بالتخطيط الكامل الواضح الذي سيراعي مشكلة المياه من جهة ومشكلة التربة و المناخ من جهة أخرى”.
وأوضح عشقي أن اتجاه رجال الأعمال إلى الاستثمار الزراعي في إثيوبيا بالذات, يشكل تهديداً للأمن القومي والعربي حيث يقول: “إن دولة إثيوبيا سهّلت أمام المستثمرين في قطاع الزراعة كل السبل لتحرص على تشغيل أيديها العاملة؛ ما جعلها تتوجّه إلى بناء سدود لتخزين المياه القادمة من نهر النيل, وهذا سيعرّض بالتأكيد دولتين عربيتين وهما مصر والسودان لمشكلة التصحر على مدى السنوات القادمة, لأن هذه السدود تسهم في تقليل منسوب مياه نهر النيل”.
غياب الماء
وفي تبرير لسبب لجوء عديد من المستثمرين للزراعة خارج أراضي السعودية، يقول المستثمر أحمد عبد الله الحصيني: “غياب الماء هو سبب رئيس لغياب الزراعة في المملكة, ولذلك لا مانع من استغلال الأراضي الزراعية خارج السعودية في دول مجاورة، مثل مصر والسودان وإثيوبيا لتوفير حاجة المملكة من المحاصيل, وبالذات لأنها أقل من ناحية التكاليف من جميع النواحي, ومربحة بالنسبة للمستثمرين, إضافة إلى وجود ضمانات تحمي أي مستثمر من قبل البنوك فلذلك ليس هنالك خوف من الأوضاع السياسية أو تدهورها”.
عدم استغلال المناطق الزراعية
من وجهة نظر أحمد الحصيني، فإن الخطأ في تدهور وضع الزراعة داخل المملكة ينتج عن عدم استغلال المناطق الزراعية بالمملكة مثل جازان والطائف وتبوك وغيرها من المناطق التي تتمتع بوفرة المياه فيضيف: “رغم تشجيع المملكة على قيام باستثمارات زراعية في الداخل إلا أن مسألة الزراعة الداخلية لا تزال تواجهه عقبات, سواء من ناحية التكاليف أو من ناحية وجود أراضٍ يمتلكها أشخاصٌ أو قبائل يمارسون الزراعة بشكل بدائي نوعاً ما وليس لديهم إمكانات ومعدات تساعدهم على الإنتاج بشكل أكبر, وتمسكهم بتلك الأراضي؛ ما يجعل من الصعب على المستثمر السعودي أن يستثمر في مساحات واسعة”.
عدم وجود تخطيط ورؤية
الخطط غير المدروسة والارتجالية هي التي تهدّد أمن المملكة الغذائي، ذلك ما أكّده المدير السابق لشؤون الزراعة في منطقة عسير الأستاذ مبارك محمد المطلقة، حيث قال: “إن عدم وجود تخطيط ورؤية مستقبلية للسياسة المائية بالسعودية, هو سبب من أهم أسباب تدهور الزراعة السعودية, فاستنزاف المياه وإهدارها على زراعة الأعلاف, وتصديرها لخارج المملكة قد يضع المملكة في أزمة مائية اولاً, ومن ثم غذائية ثانياً؛ لكون محصول القمح الذي هو أهم للدولة اكتفينا باستيراده من الخارج لتوفير المياه، في حين نهدرها على الأعلاف”.
عمال وليسوا مزارعين
بينما يشير الدكتور بهجت طلعت حموة عضو في هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز في قسم زراعة المناطق الجافة إلى أن غياب الزراعة بالمملكة له عدة جوانب يقول: “فإضافة إلى الجوانب الطبيعية من ماء وتربة ومناخ, هناك جانب مهم مهمل وهو عدم كفاءة مَن يقومون على الزراعة, فمعظم مَن يقومون بالزراعة هم عمال وليسوا مزارعين, فلا يعرفون طرق التعامل مع النبات لتحسين جودة المحصول, مما يعني أن المنتجات الزراعية تصبح ذات ثمن مرتفع مقارب لأسعار السوق الخارجي وبجودة متدنية, وهذا بلا شك جعل من مسألة الزراعة داخل المملكة غير مربحة للمستثمرين”.
ويضيف الدكتور بهجت: “إن الدعم الكبير الذي قُدِّم من قبل الحكومة بدعم زراعة القمح لقي نجاحاً فعلياً على سنوات عدة, إلا أن نجاحه وأرباحه ذهبت للمستثمرين ورجال الأعمال, بينما المزارع البسيط لم يستطع الاستفادة من هذا الدعم, ولكن بعد فترة وجيزة بدأت زراعة القمح في المملكة بالتلاشي لكونها أصبحت عبئاً على مستقبل المياه, ومن المفترض ألا تكون هذه المسألة عقبة وتمنع قيام زراعة في المملكة، وذلك كون هناك حلول بإمكاننا استغلالها والنجاح في تحقيق أمن غذائي متكامل ويشمل محاصيل عدة, فعلى مدى السنوات الماضية نجحت محاصيل عدة في المملكة من أهمها الذرة والدخن والقمح وحتى الأرز, فالخطوة الأولى تكمن في التوسع في زراعة هذه المحاصيل في مختلف مناطق المملكة حتى لا يكون هناك تنافسٌ بين المزارعين, ومحاولة اختيار الأصناف التي تتحمل الجفاف والحرارة حتى لو كانت إنتاجياتها قليلة إلا أنها ستكون متميزة, وكذلك نضيف زراعة محاصيل الخضار التي أثبتت نجاحها وتطوير العمل عليها لتصبح منافسة للسوق الخارجي من ناحية شكلها ومن ناحية طرق تغليفها وحفظها”.
ويرى الدكتور بهجت أن هناك حلولاً أخرى غير الاتجاه للزراعة خارج المملكة وتكمن هذه الحلول – حسب قوله – في التخطيط لتقنية زراعية ومائية متقدمة، فيقول: “بإمكاننا أن نطور تقنية استصلاح مياه الصرف الصحي لتصبح صالحة كليا للزراعة, كما أنه بإمكان الجهة المسؤولة تكثيف دراساتها لاستغلال المواسم الممطرة وبناء السدود لتجميع مياه الأمطار, كذلك يمكننا أن نستفيد من دول أجنبية ودول شقيقة من خلال تجاربها في موضوع توفير المياه, كما يجب أن نلتفت لمسألة مهمة وهي أنه توجد لدينا تقنية تحلية مياه البحر, التي رغم تكلفتها إلا أنها موجودة ومن الممكن تطويرها لتصبح اقتصادية بشكلٍ أكبر”.
شح المياه
وبشكل رسمي يؤكد المهندس جابر الشهري المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة، على كون طبيعة المملكة الصحراوية وشح المياه هي التي أثرت في الزراعة المحلية بشكل كلي ومحتم. ويقول: “إن فكرة التوسع الأفقي للزراعة في المملكة ودون استخدام مرشّدات للري سيعرّض الأمن المائي للخطر, ورغم كوننا نتمنى أن تكون لدينا زراعة قمح محلية إلا أن مشكلة المياه والجفاف تقف عائقاً أمامنا, فالدعم مفتوح أمام جميع المزارعين والمستثمرين سواء كان من وزارة الزراعة أم من صندوق التنمية, ويشمل جميع ما يحتاج إليه المزارع من تكاليف مادية ومعدات للري, لكن بسبب قلة سقوط الأمطار وانخفاض معدل المياه الجوفية أصبحت زراعة بعض المحاصيل صعبة جداً على المزارعين, فلذلك على عام 2015 و2016 سيتم إيقاف زراعة القمح كلياً, لاستهلاك هذا المحصول كمية كبيرة من المياه , في حين أن إنتاج القمح الآن في المملكة لا يتجاوز 600 طن في السنة”.
ويضيف الشهري: “إنه ووفقاً لإستراتيجية آمنة سيتم توفير احتياجات السعودية من المحاصيل, عن طريق الاتجاه للاستثمار الزراعي في دول عدة مثل الحبشة والسودان وأستراليا وفيتنام والأرجنتين وأوكرانيا, وكثير من بلدان العالم التي فتحت المجال أمام الاستثمارات السعودية، وهذه الإستراتيجية تعد الحل الأفضل الذي سيوفر – بعون الله – احتياجات المملكة بشكلٍ آمن”.