أكد أستاذ النقد والنظرية في جامعة الملك سعود سابقا الدكتور عبدالله الغذامي أن “توتير” رغم عنصريته إلا أنه أخرج الوسخ الثقافي الذي بدأنا بمواجهته محركاً لثقافة الحقوق، مستشهداً بحالة حالة نوال الهوساوي “فلولا أنها لم تواجه من قذفها لما أحد عرفها، فقد أصبحت بطلة ثقافية”، مطالباً بممارسة حرية التعبير وأن نتواصل بدون شفيع أو سلطة، قائلاً عن ديات القتلى: “قضية جوهرية متكررة في مجتمعنا السعودي تتكرر فصولها بعد كل حادثة قتل، حيث يبدأ جمع المبالغ الطائلة والضغط الشعبي شوه معنى التسامح وأساء إليه كقيمة اجتماعية، ويعد عاملاً سلبياً يسعى لهدم ثقافة الحقوق وإضعافها، حيث تبقى اللعنة تطارد القاتل في الدنيا والآخرة”.
جاء ذلك خلال محاضرة “الغذامي” بالنادي الأدبي بجازان تحت عنوان “كيف تصنع الثقافة معانيها”، والتي افتتحها مثنياً على المقدمة الترحيبية المقتضبة، ومشيداً بالاقتصاد اللغوي وأهميته في الحياة المعاصرة؛ حيث إن الأجدر في الخطاب أن نختصر الكلمات ونمنح الأفكار فرصه لكي تنمو.
المؤسسات الثلاث:
وتمحورت محاضرة الدكتور الغذامي حول المؤسسات الثلاث التي تصنع معاني الثقافة في عصرنا الحاضر، وهي: مؤسسة الشعر، ومؤسسة الصحافة، ومؤسسة تويتر، ورأى بأن الشعر هو الأقوى حيث قام بتحصين نفسه بأنه مجازاً (يقولون ما لا يفعلون)، أما الصحافة ظهرت متأخرة إلا أن قوة انتشارها عوض عن تأخر ظهورها، وقامت بحماية نفسها عن طريق الدفاع عن حرية الرأي، أما “تويتر” فهو برأي “الغذامي” الأقصر عمراً إلا أن تركيزه على اللحظة الحالية أسهم في قوته وانتشاره.
ويرى الدكتور الغذامي أن “تويتر” سيقود الحركة الذهنية في ثقافتنا المعاصرة؛ حيث إنه يحرك ثقافة الحقوق، مستشهداً بثلاثة أمثلة لشخوص تويترية أرادت أن تضع بصمة فيما يتعلق بثقافة الحقوق، وهي ممثلة كويتية قيل عنها عبارات رأت أنها قذفاً، وقامت بمقاضاة المغرِّد وحكم عليه بالجلد، والحالة الثانية هي ما تخص الدكتور سلمان العودة وقصته الشهيرة مع مقدم برنامج الثامنة داود الشريان؛ حيث وضع أمامه ثلاث خيارات: الاعتذار، أو الإثبات، أو المحاكمة.
قصة “هوساوي”:
والقصة الثالثة بطلتها الكابتن طيار نوال الهوساوي، والتي أخذت نصيب الأسد من محاضرة “الغذامي”؛ حيث تم مهاجمتها من قبل أحد المغردين بكلمة نسقية قبيحة (عبده)، ولم تسكت عن حقها بل قامت بإيقاظ ثقافة الحقوق في مجتمعنا.
وأشار “الغذامي” إلى أن نوال الهوساوي قد فعلت ما طالبناها من خلال النقد الذي نمارسه ضد النسق فقد حولته حقيقة بمطالبتها بحقها، مطالباً بممارسة حرية التعبير؛ “لأنه لابد أن نمارس ونستغل هذه الحرية التي لم تكون موجودة من قبل في مجتمع محافظ كمجتمعنا، وأن نتواصل بدون شفيع أو سلطة”.
وتطرق “الغذامي” إلى قضية جوهرية متكررة في مجتمعنا السعودي تتكرر فصولها بعد كل حادثة قتل؛ حيث يبدأ جمع المبالغ الطائلة والضغط الشعبي على أصحاب الدم للتنازل، حيث يرى أن هذا الضغط الشعبي شوه معنى التسامح وأساء إليه كقيمة اجتماعية، ويعد عاملاً سلبياً يسعى لهدم ثقافة الحقوق وإضعافها، حيث تبقى اللعنة تطارد القاتل في الدنيا والآخرة.
مداخلات:
وشهدت المحاضرة عدداً من المداخلات منها مداخلة غادة البارقي، والتي تساءلت عن “تويتر” كمادة لتعزيز الأنساق المرتبطة بالقبلية والهويات والأصوليات التي تشدنا دوماً إلى نوع من التخلف والتقهقر والرجعية، حيث أكد “الغذامي” أن “تويتر” عنصرية، ولكنها أخرجت ذلك الوسخ الثقافي الذي بدأنا بمواجهته، وعاد ليكرر حالة نوال الهوساوي قائلاً: “فلولا أنها لم تواجه من قذفها لما أحد عرفها فقد أصبحت بطلة ثقافية”.
وبدورها تناولت سماح الحميد في مداخلتها العنصرية التي لعبت دوراً في تمييز إنجاز الأبيض عن الأسود، فيما تطرقت خديجة ناجع إلى العنصرية في الخطاب والطائفية بعد أن تعرضت لحادثة في ملتقى أدبي سابق في جازان، أما نجلاء العدواني فتساءلت عن نماذج من البشر تحايل عليهم النسق، وصور لهم أنهم رواد في مجالاتهم، وهم ما زالوا في منتصف الطريق وسط غياب للنقد الجاد عن الساحة حالياً.
وتناولت مريم الزهراني في مداخلتها أهمية الثقافة كسلوك وأسلوب حياة وليس مجرد كلمات منتقاة تقال في مناسبات معينة، وشارك بالمداخلات كل من الشاعر أحمد السيد عطيف، وعبدالرحمن موكلي، ومحمد النعمي، والدكتور أحمد مريع رئيس نادي أبها الأدبي، واختتم المحاضرة وكيل جامعة جازان الدكتور حسن حجاب الحازمي، مقدماً درعاً تذكارية للضيف، وقدمت له نورة القحطاني باقة ورد من نادي الحي.