“لماذا الآن ولماذا على حدودنا”؟
طرح الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف هذا السؤال في مقابلة يوم 27 أيلول/سبتمبر مع وكالة أنباء الأناضول التركية في إشارة إلى مناورة عسكرية كبيرة يجريها الجيش الإيراني.
وهذه هي المرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي واستقلال أذربيجان التي تجري فيها إيران مناورة عسكرية في موقع بهذا القرب من حدودها الشمالية مع أذربيجان.
وكانت المناورة، التي أطلق عليها اسم “خيبر” على اسم حصن مذكور في القرآن، ضخمة من حيث الحجم والتكلفة، حيث تضمنت اسلحة متطورة من صتع ايران تم عرضها وسط ضجة كبيرة.
وعرض التلفزيون الحكومي الإيراني يوم الجمعة الماضية، 1 تشرين الأول/أكتوبر، دبابات ومدافع هاوتزر ومروحيات وهي تطلق النيران على أهداف في شمال غرب البلاد بالقرب من الحدود، بحسب ما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.
وفي حين أن إيران وأذربيجان قد حافظتا حتى الآن على علاقاتهما ونفتا يوم الثلاثاء التقارير حول إغلاق مكتب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في باكو، إلا أن التوترات بينهما بلغت اليوم أعلى مستوى شهدته في العقود الثلاثة الماضية.
يذكر أن إيران انحازت للجانب الأرميني عقب الحرب التي استمرت 40 يوما العام الماضي بين يريفان وباكو حول إقليم ناغورنو-كاراباخ المتنازع عليه، مع أن تبني مثل هذا الموقف لم يكن في مصلحتها الاستراتيجية أو اللوجستية أو الاقتصادية.
وشكلت اتفاقية السلام التي رعتها روسيا ووقعت يوم 10 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بين أرمينيا وأذربيجان انتصارا عسكريا لباكو.
وقال محللون إنه عبر الانحياز للجانب الأرميني، عرضت طهران نفسها للخطر سياسيا واستراتيجيا وخسرت أموالا ضخمة من تجارتها مع باكو.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النيران، تنازلت يريفان عن مساحات من الأراضي المتنازع عليها، بينها قسم من حدود أذربيجان مع إيران التي يبلغ طولها 700 كم، والتي كانت تحت سيطرة أرمينيا طيلة عقود.
وفي الأشهر الأخيرة، عمدت باكو إلى فرض رسوم جمركية مرتفعة على الشاحنات الإيرانية مقابل إدخال البضائع إلى أذربيجان، في قرار يفترض أنه اتخذ ردا على موقف إيران ضد أذربيجان.
ولطالما كانت طهران قلقة من المشاعر الانفصالية لدى الأقلية الأذرية بها والتي يشكل أبناؤها نحو 10 ملايين من سكان البلاد البالغ عددهم 83 مليون نسمة.
مناورة ‘مذهلة’
ويوم 27 أيلول/سبتمبر، انتقد علييف بشدة إيران لإجراء مناورة عسكرية بالقرب من حدود بلاده.
ومع أنه أقر أنه من حق أي بلد أن يفعل ذلك داخل حدوده، إلا أنه قال إن المناورة وموقعها المختار “أذهلاه”.
ويوم 28 أيلول/سبتمبر، تذرعت طهران بـ “سيادتها” لتبرير رفضها لمخاوف أذربيجان.
ففي بيان على موقع وزارته، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة إن “المناورات التي تجريها بلادنا على حدودها الشمالية الغربية … هي مسألة سيادة”.
وأضاف أن طهران “ستتخذ كل التدابير التي تراها لازمة لأمنها الوطني”، مشيرا بالتبعية إلى علاقات إسرائيل مع أذربيجان.
ويوم الثلاثاء، قالت تقارير غير مؤكدة في وسائل الإعلام الأذربيجانية إن إيران قد أغلقت مجالها الجوي أمام رحلات الإمداد العسكري الأذربيجانية. وفي اليوم التالي، قالت شركة الطيران الأذربيجانية المملوكة للدولة إنها ستبدأ في استخدام المجال الجوي الأرميني لهذه الرحلات.
هذا وقد أجريت مناورة الجيش الإيراني بعد نحو أسبوعين من إجراء أذربيجان وباكستان وتركيا لمناورة عسكرية مشتركة في المنطقة سميت “الصداقة: ثلاثة أشقاء”.
يشار إلى أن الجمهورية الإسلامية قد حافظت على علاقات سياسية وتجارية إيجابية مع هذه البلدان على مدار العقود الثلاثة الماضية
لكن عقب دعم طهران للجانب المهزوم في الصراع بين باكو ويريفان، فقد خسرت إيران الكثير من الحلفاء.
وفي حين أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يتبع سياسات توسعية في المنطقة ويتدخل في العراق ولبنان واليمن وسوريا، إلا أنه كان ينتقد إسرائيل على نحو متواصل بسبب تحسين علاقاتها مع دول الخليج العربي
فقر وعزلة متزايدان
وقال محللون إن إيران تعاني من مشاكل داخلية حادة تنتج كلها تقريبا من سوء الإدارة الجسيم والفساد وسوء التخطيط.
وأشاروا إلى أن الفقر يتزايد كل شهر وأن الطبقة الوسطى قد قاربت على الاختفاء وأن معدلات البطالة و”التضخم المصحوب بالركود” قد ارتفعت بشدة، إضافة إلى تدهور قيمة عملتها
وجعل التضخم إيران ومواطنيها واقتصادها في غاية الهشاشة.
فوفقا للبنك المركزي الإيراني، فقد بلغ معدل التضخم السنوي العام الماضي 58 في المائة، وهو الأعلى منذ الثورة الإسلامية عام 1979 التي جاءت بالنظام الحالي إلى السلطة.
وقال مراقبون إن النظام الإيراني قد خذل شعبه بعرض طائراته المسيرة وصواريخه البالستية في عروض ومناورات عسكرية، مثل الاستعراض الأخير للقوة الذي يهدف على نحو واضح لترهيب أذربيجان، وهي دولة قد انتصرت للتو في حرب وممتلئة بالأسلحة الإسرائيلية والتركية.
وكمثال على ذلك، فإن الحرس الثوري الإيراني الذي كلفة بادارة ازمة كرونا ، قام بدلا من ذلك بدور الوسيط، حيث جنى ملايين الدولارات كأرباح من السوق السوداء للقاحات على مدار العام ونصف العام الماضيين.
ومع حصار إيران وعزلتها، تستمر البلاد في خسارة المزيد من الأصدقاء والحلفاء وخلق المزيد من الأعداء في المنطقة وعبر العالم.