– وزير الداخلية وجّه بمتابعة دعواه عبر المحكمة العامة للتعويض فرفضت ذلك.
– كردي يطالب بتعويض عن حريته التي سُلبت في 4937 ساعة خلف القضبان بتهمة قتل.
– أطلقه الأمير نايف رحمة الله ووجّه بتعويضه ولكن المحاكم رفضت ووظيفته لم تمنحه حقوقه.
– ضابط تحريات كشف قضيته وهو خلف القضبان واستدرج الجناة وتمّ القصاص منهم.
– والدته ابيضت عيناها ووالده أهلكته الجلطات وزوجته أنهكها الاكتئاب وأولاده حرموا الوظائف.
“مَن ينصفني ويعطيني حقي ويعوّضني عن حريتي التي سُلبت مني ظلماً قرابة 14 عاماً، مَن يعالج والدي ويصرف له أدويته بعد أن دهمته الجلطات حتى أصبح عاجزاً؟ مَن يعوّض أمي عن عينيها اللتين أبيضتا من الحزن عليّ، وزوجتي التي أصابها الاكتئاب؟ مَن يعطيني حقوقي الوظيفية والشخصية؟ فالحياة مستمرة والظلم لايزال جاثماً على صدري رغم خروجي من السجن أنتظر مع كل صباح أن أجد ثمناً لحريتي وضياع مستقبل أبنائي .. وما زلت أنتظر”.
ما سبق لم يكن مقدمة لسيناريو عمل فني درامي، بل قصة واقعية شهدت فصولها منطقة جازان، وكان ضحيتها مواطنٌ بسيطٌ قادته الظروف أن يسجن 4937 ساعة خلف القضبان بتهمة قتل ليس له علاقة بها.
القصة باختصار
في رابع أيام عيد الفطر قبل 16عاماً اُقتيد كردي أحمد والد، إلى قسم شرطة بيش بتهمة القتل، وكردي هو أحد افراد شرطة جازان، ودخل السجن تحديداً بتهمة المشاركة في جريمة قتل في محافظة بيش عام 1419هـ، وصدر بحقه حكمٌ شرعي بسجنه 14 عاماً لدرء حد الشبهة في القتل، وقبل أن يكمل محكوميته بأربعة أشهر صدر قرار ولي العهد وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز – يرحمه الله – بإطلاق سراحه بعد أن تمكّن ضابط تحريات من كشف الجناة الحقيقيين، ومحاكمتهم إلا أن كردي لا يزال ينتظر التعويض المناسب عن حريته وسجنه وترقياته، وحقوقه العسكرية التي غابت بدخوله السجن.
فبعد محاولات من تقدمه لديوان المظالم أعاد له القضية بحجة أنها ليست من اختصاصه ولائياً, وذلك بالحكم الصادر 120 / د / أ / 1 / 1 عام 1433، فعاود التقدم لمدير الأمن العام بمطالبته بحقوقه وتعويضه ضد شرطة جازان، فتم رفع طلبه لوزير الداخلية بعد توضيح أن المحكمة الإدارية رفضت الحكم في قضيته، وصدر توجيه وزير الداخلية الموجّه لإمارة جازان بطلب إفادة عمّا انتهت اليه قضية كردي، وأشار التوجيه بإفهام كردي، بالتقدم بدعوى التعويض للمحكمة العامة للنظر في دعواه وفق ما نصت علية المادة 148-154-217 من نظام الإجراءات الجزائية.
ويقول كردي أكملت جميع أوراقي واتجهت وتقدّمت بدعواي للمحكمة العامة التي ذيّلتها بعبارة سجين 14عاماً ظلماً، ومن مكتب قضائي لآخر، ومن يوم ليوم وشهر لشهر وفي النهاية أفادوني بأن دعواك ليست من اختصاص المحكمة العامة.
توقّف كردي عن الحديث ثم عاد ليقول: خرجت من قضبان السجن ووقعت في قضبان الحياة، مَن سينصفني، ويعطيني حقي، عن تلك الحرية التي حُرمت منها بسبب ظلمٍ من قِبل شرطة جازان التي أعمل بها, خرجت وأسرتي قد تكبّدت ديوناً لأجلي، أبنائي محرومون من الوظائف، أمي أصابها العمى، ووالدي محاصرٌ بالأمراض، ومع هذا لايزال حقي ضائعاً، فمنذ خروجي قبل 3 أعوام، ما زلت أنتظر من سيعطيني حقوقي, تقطّعت بي السبل بين الرياض وجازان، لكي أطالب بتعويضي عن سجني وعن مستحقاتي ورواتبي ورتبي حيث ما زلت على الرتبة التي كنت أعمل بها قبل 17 عاماً (جندي)، لقد غادرت قضبان سجن جازان لأجد نفسي أمام قضبان المعيشة، فلا بيت يؤويني، في وجود أسرة تحاصرها الأمراض، وفقر وديون تكبّدوها في رحلتهم لإطلاق سراحي.
تفاصيل المأساة
يقول كردي والد: بعد مُضي سبع سنوات من محكوميتي في سجن جازان العام بتهمة المشاركة في قضية قتل، تمكّن ضابط تحريات برتبة ملازم أول في شرطة بيش، من جمع معلوماتٍ وكشف الجناة الحقيقيين في جريمة القتل، وبعد توافر المعلومات جرت التحريات، إذ تم العثور على السلاح الذي استُخدم في جريمة القتل وأماكن وجود الجناة، ومن خلال تلك المعلومات تمت العودة إلى سجلات القضايا الجنائية التي أكّدت المعلومات أنه تم التعرُّف على مكان وجود السلاح المستخدم من قِبل الجناة في جريمتهم، والسلاح كان يعود ملكيته لمواطن في إحدى قرى بيش وتقدّم حينها لشرطة بيش ببلاغٍ قبل وقوع الجريمة بأيامٍ عدة، إذ اشتملت المسروقات التي تقدم المواطن بالبلاغ عنها على رشاش ومسدس وأسلحة أخرى.
وأضاف كردي: تمكّن الضابط من معرفة أسماء الجناة في القضية، ومن بينهم شقيقان أحدهما أُودع السجن في قضية قتل عام 1424 بعد قيامه بقتل عامل محطة وقود في محافظة بيش، والآخر تم استدراجه إلى محافظة بيش وتم القبض عليه، بعد متابعة استمرت شهرين، واعترف بقيامه بسرقة منزل أحد المواطنين الواقع في غرب المحافظة وشاركه في السرقة اثنان من أبناء جلدته، واعترف بأن من ضمن المسروقات أربع بنادق مختلفة ومسدساً وذخيرة تابعة للأسلحة ومبلغاً مالياً ومجوهرات وذلك قبل سبع سنوات، ومن ثم اقتسم هو وشركاؤه المسروقات.
وبيّن كردي أن الجاني اعترف بأنه أخفى نصيبه من المسروقات في إحدى المزارع شمال محافظة بيش وبعد أيام عدة قابل شقيقه الآخر ومعه اثنان من رفاقه وأخبرهم بأن لديه سلاحاً، وأبرموا الاتفاق على بيع الأسلحة في قرية العالية التي تبعد 5 كلم عن محافظة بيش، حيث أخذ الجاني الرشاش، بينما شقيقه أخذ المسدس، واتجهوا إلى المزارع الواقعة شرق محافظة بيش مشياً على الأقدام حتى وصلوا إلى قرية العزامة وقت صلاة المغرب، وذهب أحد رفاقهم إلى تلك القرية، وقام بشراء كمية من الكولونيا المعطرة من نوع “دلال” حيث تناولوها وواصلوا سيرهم مخمورين، وفي أثناء الطريق تقابلوا مع مجموعة من اليمنيين ومعهم امرأة عجوز حيث اتجه إليهم شقيقه وهو في حالة فقدان للوعي بعد أن تعاطى المسكر ما أدّى إلى نشوب مشادة كلامية بينهم ما دفع شقيقه إلى إطلاق طلقتين من المسدس الذي كان يحمله وعندها تدخّل الجاني لفك الاشتباك بينه وبين أفراد الأسرة اليمنية، إلا أنهم وجدوا مقاومةً ما أدى إلى إطلاق عدة أعيرة نارية ومن ثم قام شقيقه بنزع الرشاش منه وإطلاق النار على اثنين منهم وعند هروبهم شاهدوا شخصاً آخر ملقى على الأرض ومن ثم اتجهوا إلى اليمن بعد أن أخفوا السلاح في إحدى المزارع، وعندما رغب شقيقه (الذي أدخل السجن في جريمة قتل عام 1424) بالعودة إلى السعودية أخبره بمكان الأسلحة، حيث كان معه شخصٌ آخر من أبناء جلدته وفي أثناء الوصول إلى الأراضي السعودية تم ترحيله مع مخالفي نظام الإقامة أما رفيقه الآخر فقد أخذ السلاح وباعه لأحد الأشخاص.
واستمرت التحريات لتكشف آخرين شاركوا في عملية السرقة وتم القبض عليهم وتبين من خلال الاعترافات التي قدمها الجناة عن تطابق السلاح مع التراخيص التي تقدم المواطن بالإبلاغ عنها بعد سرقتها من منزله، إضافة إلى أن السلاح الذي عثر عليه أثناء الجريمة كان مطابقاً للسلاح الذي بلغ عنه المواطن وكذلك الأظرف الفارغة التي عثر عليها في مسرح الجريمة مع الأسلحة التي أحضرها الجناة، وأشار كردي إلى أنه بدأت الإجراءات القانونية بحق أولئك المتهمين.
وبيّن كردي أنه تم تشكيل لجنة للتحقيق في القضية من قِبل فرع هيئة التحقيق والادعاء العام وشرطة وإمارة جازان، وخلصت اللجنة في تقريرها إلى أن قضيته قد صدر بها صك شرعي، وصُدِّق من مرجعه، أما المتهمان الحقيقيان فقد ظهرت أدلة وقرائن على ما قاما به من الأفعال المحرّمة المعاقب عليها شرعاً التي تعد انتهاكاً لحرمات المسلمين على سبيل المجاهرة، والمكابرة، والإفساد في الأرض الذي يعد ضرباً من ضروب الحرابة فيحالان إلى المحكمة العامة للمطالبة بإثبات ما نُسب إليهما والحكم عليهما بحد الحرابة.
وأوضح كردي أنه تم رفع قضيته لوزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز – رحمه الله – بعد أن صدر الصك الشرعي ثم صدر بعد ذلك أمرٌ سامٍ مبني على خطاب من رئيس المحكمة العليا بالنيابة، المتضمن نقض الحكم في القضية، لأن الصكين الصادرين من المحكمة العامة بجازان قد صدرا في واقعة واحدة وعلى طرفين مختلفين، وتمت إحالة المعاملة لهيئة التحقيق والادعاء العام لتحرير الدعوى على المدعى عليهم في المعاملة، كل فيما نُسب إليه، وبعث القضية للمحكمة المختصّة لنظرها من جديد.. وفي أثناء ذلك صدر تقرير اللجنة التي رأت حفظ الدعوى بحقي ورفاقي، لعدم كفاية الأدلة وإطلاق سراحنا.
ويقول كردي أحمد والد: بعد انتهاء القضية من قِبل اللجنة المشكلة وجّه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز، بإطلاق سراحي ورفاقي الذين معي في القضية من الأبرياء، وفي يوم الأربعاء 29 / 6 / 1432هـ، صدر قرار أمير منطقة جازان المبني على قرار وزير الداخلية بإطلاق سراحي، بعد أن أمضيت 13 عاماً وثمانية أشهر، واشتمل توجيه أمير جازان الرفع لوزير الداخلية بالتوجيه لتعويضنا عن فترة السجن، ومكافأة اللجنة لجهودها في توافر المعلومات، والقبض على الجناة، التي صاحبها إظهار حقيقة مخفية وبراءة أشخاص من الظلم الذي أحيط بهم.
وفي الختام تبقى كلمة
يقول كردي: أصبحت حائراً، فمَن ينصفني ويعطيني حقي مقابل حريتي بعد أن سُجنت طول تلك المدة من غير جرم؟ مَن يعالج والدي ويصرف له أدويته بعد أن دهمته الجلطات حتى أصبح عاجزاً؟ وكذلك أمي التي ابيضت عيناها من الحزن عليَّ وكانت تبكي ليلاً ونهاراً؟ إنها لم تصدق إنني سأعود لها بعد تلك السنوات العجاف.. إنني أطالب المسؤولين بحقوقي سواء العسكرية أو الشخصية.. الحياة مستمرة والظلم لايزال .. وما زلت أنتظر”.