تمتد معاناة أهالي قرى الحسيني؛ الواقعة شرق مدينة صبيا بنحو 5 كم تقريباً، مع المياه، إلى ما يقرب من ثلاثة عقود من الزمن، وعلى مدى تلك السنوات الطوال لم يتغير شيء، على الرغم من الشكاوى، والأصوات التي تنادي “أن أفيضوا علينا من الماء”.
في عام 2017 وعبر إحدى الصحف الإلكترونية، أوضح مدير فرع وزارة المياه بمحافظة صبيا، أن انقطاع المياه عن أحياء المحافظة كان بسبب أعمال الصيانة للخط الناقل والمغذي لمحافظة صبيا، وأضاف قائلاً: أقدم اعتذاري لأهالي المحافظة عن هذا الانقطاع المفاجئ وأعد بتلافي ذلك، وعدم تكراره مستقبلاً، بإذن الله.
وعلى الرغم من ذلك، فإن شيئاً لم يتغير على مر الأيام والسنين، فالمعاناة هي هي، والشكاوى هي هي، والوعود هي هي، ولعل شيئاً واحداً لم يزل متحركاً باستمرار، ألا وهو “الوايتات” التي تجلب الماء- على مدى ساعات الليل والنهار – من مصادر مائية غير مرخصة، ما كدّس الأتربة والعوالق في الخزانات المنزلية، إضافة إلى ما تتسبّب فيه تلك المصادر من الكلفة التي تعجز بعض الأسر عن دفع فاتورتها الباهظة.
مدى توافر مياه المشروع
ويشير هذا الاستطلاع إلى أن ما نسبته (57.4 %) من المستفيدين (من أبناء القرية) يحصلون على الماء، ولكن على نحو متقطع، بينما تصل نسبة الذين لا يحصلون البتة على ماء المشروع، ويستقون بتكاليف مادية شخصية إلى (38.9 %)، وعلى هذا فالذين يتوافر لديهم الماء بالفعل لا تزيد نسبتهم على (3.7 %) ومثل هذا الوضع المأساوي يشير إلى أن هنالك مشكلات في شبكة المياه، أو ربما في العاملين على هذه الشبكة، ولكن فرع الوزارة في محافظة صبيا لم يسع إلى حلها، أو أنه يفعل ذلك ببطءٍ شديد، وظهرت هذه المشكلات كتقطعات للماء في بعض جهات القرية، وكانعدام لها في بعض نواحيها الأخرى.
وفي هذا الصدد يقول فهد محمد هادي سبعي: “زادت معاناتنا بسبب انقطاعات الماء المتكررة، التي لا نعرف سببها. هل هو تفريط من القائمين على المشروع؟ أم من المسؤولين في فرع وزارة المياه؟ والمتضرر الوحيد هم أهل القرية، فمع كل يوم، وعلى مدى أشهر يراودنا أمل عودته ولا جدوى!”.
ويقول محمد أحمد جوحلي: “الماء منقطع لديّ من شهر، ومعاناتي معه شاقة جداً، وبالنسبة للمسؤولين فلا حياة لمن تنادي!”، بينما يتحدث ثالث (أ) قائلاً: “يجيء الماء أحياناً، وينقطع أخرى، ومدة الانقطاع أطول، ومعاناتنا مع الماء مستمرة على مدى ثلاثة عقود من الزمن!”.
مدى صلاحية المياه
ويشير هذا الاستطلاع إلى أن ما نسبته (40.7 %) من المستفيدين يؤكدون عدم صلاحية المياه التي تجلبها الوايتات من مصادر مجهولة، لواقع كثرة الأتربة فيها والزيوت والعوالق المختلفة، ويدلي (5.6 %) فقط من المستفيدين بأصواتهم لمصلحة نقاوة تلك المياه، ولو وقفنا أمام هذه الأصوات (40.7 %) تحكم بالسوء، إزاء (5.6 %) تحكم بالصلاحية؛ لبدا الفرق واضحاً بين الأصوات المتضررة، وتلك القليلة التي لم تتضرر، أو ربما تظن ذلك.
ويقول أحد المعتمدين على مياه الوايتات (فهد محمد هادي سبعي): “مياه مجهولة المصدر، وعمالة هدفها جمع المال بأي وسيلة، وخزانات متهالكة صدئة.. إذن ما جودة المياه المرجوة بعد كل هذا؟!”، ويقول ثانٍ (أ): “المياه المجلوبة ملوّثة ومليئة بالأوساخ والأتربة”، بينما يقول يحيى علي، أن “الماء المجلوب يأتي في بعض الأحيان ملوثاً بالزيت، ولكن المضطر -كما يقول- ليس أمامه إلا القبول بالواقع”.
تكاليف جلب المياه
وتشير الإحصائيات إلى أن ما نسبته (57.4 %) من المستفيدين يصرفون على جلب الماء شهريا أقل من (500) ريال، بينما تصل نسبة الدافعين للتكاليف المتراوحة بين (500) و(1000) ريال شهريا إلى (35.2 %) وتنخفض النسبة إلى (3.7 %) للذين يصرفون ما بين (1000) و(1500) ريال شهرياً، وإلى (3.7 %) أيضا للذين ينفقون أكثر من ( 1500) ريال شهرياً؛ ما يعني في المجمل أن (100 %) من المستفيدين يخسرون على جلب الماء مبالغ تتفاوت قيمتها بحسب كمية الاستهلاك، ومدى توفر مياه المشروع لديهم، الأمر الذي يتسبّب في إرهاق الميزانيات المحدودة، وفي تمحور حياة هذه القرية حول مشكلة الماء، التي لم تجد من يحلها منذ وقت طويل.
ويقول أحد المتضررين (أ): “نستقطع من قوت أبنائنا شهرياً ما لا يقل عن 700 ريال للماء، ثم يصلنا عن طريق الوايتات عكراً”، ويقول علي إبراهيم قاضي: “أدفع للحصول على الماء ما لا يقل عن 1800 ريال شهرياً، وبواقع وايتين لليوم الواحد، ولك أن تتخيل المعاناة!”.
مصير الشكاوى والبلاغات
كما تشير الإحصائيات إلى أن (51.9 %) من المتضررين قدّموا شكاوى لفرع وزارة المياه بصبيا، وعلى الرغم من أن هذه النسبة لافتة وعالية؛ إلا أن التعامل الميداني لفرع الوزارة مع الشكاوى سجل ما نسبته (0 %) فيما يخص الاستجابة السريعة والفورية، وما نسبته (11.1 %) فيما يخص الاستجابة البطيئة، وما نسبته (40.7 %) فيما يخص الشكاوى التي لم يتم التعامل معها إطلاقاً، وكما يظهر فنسبة عدم الاستجابة (40.7 %) تقترب من نسبة الشكاوى المقدمة (51.9 %) ما يعني أن تجاهلاً واضحاً من قِبل فرع وزارة المياه بصبيا تجاه أغلب الشكاوى المقدمة.
ويقول أحد المتقدين بالشكوى “محمد أحمد جوحلي”: “فرع وزارة المياه بصبيا لا يحترم المراجع، ولم يعطوني مبرراً واضحاً”، ويقول جبريل السبعي: “عندما ذهبت لتقديم شكواي أساءوا معاملتي، فباغتوني بالأسئلة ذات النبرة الحادة، وكأنني خصم لهم، لينتهي الحوار بـ : عليكم أن تصبروا، لأننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً في غضون وقت قصير، أو حتى في وقت محدد بزمن معلوم”، ويقول ثالث (أ): “تقع المسؤولية على فرع الوزارة حيث لا تجاوب، وإنما مماطلة وسلبية”.
أكثر المشكلات ذكراً
يُشار إلى أن الأسباب التي تُذكر كمبررات لانقطاع الماء، لا تكاد تحصر، فمن قائل إن الشركة المشغلة لا تعير الأمر اهتماماً، فتظل الشهر تلو الآخر، دون أن تغير قطعة غيار تالفة، ومن قائل (أ) إن العاملين على المشروع مقصرون في عملهم، أو أنهم محابون -بحسبه-، فبعض المحابس مفتوحة على نحو كامل، وبعضها إلى النصف، وبعضها إلى الثلث”، ومن قائل إن فرع الوزارة ذاته غير مهتم، ومن قائل وقائل، حتى أصبح الحال يترجمه بيت الشاعر: “من لم يمت بالسيف مات بغيره … تعددت الأسباب والموت واحد”.
وبإزاء هذه الآراء المختلفة، تشير الإحصائيات إلى أن قطع الغيار التالفة التي لم يتم تبديلها تظهر باعتبارها سبباً لانقطاع الماء بنسبة (7.4 %)؛ بينما يحصل سبب آخر هو طمر المحابس تحت التراب من قِبل الشركات العاملة على الشارع العام على نسبة (13 %) وتصعد هذه النسبة إلى (18.5 %) مع سبب المواسير المكسرة من قِبل الشركات ذاتها العاملة على الشارع العام، ولكن النسبة تقفز إلى (61.1 %) مع سبب أن المعدات والأجهزة والمواطير قديمة وذات كفاءة ضعيفة، الأمر الذي يبرر بالفعل مسألة قدم المشكلة، وتفاقمها مع مرور الوقت.
ولعل في هذه النسب المتصاعدة ما يشير بشكل واضح، إلى أن التجهيزات ضعيفة، ولا تتناسب مع سخاء حكومتنا الرشيدة مع مثل هذه المشاريع الحيوية، التي تشكل عصب الحياة بلا أدنى شك، لذا يقول فهد محمد هادي سبعي: “الدولة -حفظها الله- وفرت كل ما من شأنه أن يحقق للمواطن رغد العيش، وهي غير عاجزة عن توفير ما يلزم المشروع من معدات، ولكن القائمين على فرع الوزارة أصموا آذانهم وكأن الأمر لا يعنيهم”.
ويختم محمد أحمد جوحلي؛ بالقول: “أحب أن أرفع شكواي لله أولاً، ثم ولاة الأمر، وكلي أمل إذ أرفع شكواي هذه أن نتجاوز معاناتنا التي طالت وطالت”.