ذرفت دموع الجد محمد هتان أثناء حديثه عن وضع أحفاده الخمسة الذين لا مصدر رزقٍ لهم سِوى الماعز التي تعوله وأحفاده من نسلها وحليبها، وباتت تتناقص حتى وصلت لخمس، إضافة للرمال الزاحفة التي تكاد تدفن منزلهم الضيق الذي لا يتجاوز غرفتين للنوم ومطبخاً وحماماً.
وبرغم ما يعانونه من شح المياه وأسعار نقلها المرتفعة لم يكن ألم اليتْم وحيداً في تضييق الفرحة على خمسة إخوة، بل شاركه الفقر والبيروقراطية في الدوائر الحكومية، وحُرِموا من حنان الأب والأم ونعمة لعيش بأسرة هانئة؛ وأكبرهم لم يدرس لأنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا توجد في قريتهم مدرسة مؤهلة لتدريسه. انتهت الخلافات بين والدهم ووالدتهم بالطلاق، ومكثوا خمس سنوات منفصلين حتى توفي والدهم إبراهيم محمد هتان في حادث مروري، لتبدأ معاناتهم مع الحياة.
تقاسموا الحياة مع جدِّهم محمد الذي تجاوز الستين من عمره ويعاني من أمراض مزمنة، ورغم ذلك تكفَّل بهم مع قلّة مدخوله المادي، حيث يتحصل على مبلغ لا يصل لـ 1700 ريال من الضمان الاجتماعي، ولديه خمسة رؤوس من الغنم يسترزق من نسلها وحليبها، أسكنهم معه في بيته الشعبي الذي يتكون من غرفتي نوم فقط، يسكنه هو وزوجته وأبناؤه وخمسة أيتام عن ابنه إبراهيم، يكافحون معه من أجل الرزق ويتعاونون في الاهتمام بأغنامه ولم يستحقوا الضمان الاجتماعي، رغم كل ما حدث لهم ويحدث، فقط لأنهم سعودويون بلا إثبات! حتى الإعانة المدرسية “تكافل” لم يستحقوها لأنهم لا يملكون هويّة.
هذا ما رواه جدهم محمد وعيناه تذرفان الدموع، مشيراً إلى أن والدهم توفي في حادث، وليس لهم أي مصدر رزق سوى الريالات التي يكسبها من غنمه وما يبقى من الضمان الاجتماعي، وقال: لم يحصلوا على ما يحصل عليه أي أيتام سعوديين من ضمان وغيره، وحتى لم يحصلوا على ما يحصل عليه زملاؤهم في المدرسة، وهذا كله بسبب وفاة والدهم “ابني” قبل أن يضمهم معه في بطاقة العائلة، ووالدتهم ليست سعودية، وهي مطلقة قبل وفاة والدهم”.
وتابع: منذ أن مات والدهم وحتى اليوم وهم يعيشون معي وأسعى لهم في الأحوال، ولكنها حتى الآن لم تصدر لأي منهم ولكنّا وُعدنا ببطاقة للاثنين الكبار “حاتم وحسن” ولا نعلم متى ستصدر.
وأضاف: بعد الحادث الذي توفي فيه والدهم وجدتهم وعمهم، تنازلت عن دية ابني الآخر وزوجتي التي هي جدة الأيتام ولكن بعد أن كبر أبناء ابني إبراهيم رأوا أنهم بحاجة ماسة لدية والدهم أملاً في أن تسد شيئاً مما يعانونه من فقر وحاجة ماسة لمستلزمات الحياة، ولكن المطالبة بالدية لم تعد تصلح، بعد أن طالبنا بها وأمهلناهم شهرين، وذلك منذ عامين.
وقال الجد: لم تكن مساهمة الجمعية الخيرية في صبيا كافيةً، حيث يتكلف مؤونة البيت بشكلٍ دور.
هذا هو حال أبناء إبراهيم محمد حسن هتان الخمسة: حاتم وحسن وماجد وكريمة ومحمد، بعد وفاة والدهم، يعيشون في منزل جدهم في قرية الحنقفة التابعة لمحافظة صبيا، متأملين إصدار إثباتاتهم ليعيشوا كأقرانهم من السعوديين، والحصول على منزلٍ لهم وسيارة لقضاء حاجاتهم وما يعينهم من مال على متطلبات الحياة، وتحقيق ما حققته الدولة لأي أيتامٍ سعوديين، بعدما وصل بهم الحال لدرجة سيئة من الفقر في ظل غلاء المعيشة.
وقال الابن الثاني حسن: إنهم درسوا على أمل أنه حتى السادس الابتدائي فقط، ولكن توجهوا للأحوال المدنية في صبيا وزودتهم بخطاب للمدرسة ساهم في إكمال تعليمهم، وقال: نحن لا نملك أي مصدر رزقٍ، حتى الضمان الاجتماعي لم نحصل عليه لأننا لم نحصل على بطاقة أحوال أو بطاقة العائلة، جدنا متكفل بنا برغم أنه لا شيء لديه سوى ضمان لا يسد بيته هو، فكيف بنا. ولكن نعيش على ما تيسر لنا من حليب الماعز ونسلها مع جدنا، ولم يتبق منها إلا القليل.
من جهته، أكد د.هادي اليامي رئيس هيئة حقوق الإنسان بمنطقة عسير أهميّة معالجة أوضاع هؤلاء الأيتام، والنظر في وضعهم ليهنأوا بحياة كريمة.
وحول ذلك قال المحامي عبدالكريم القاضي الموقف القانوني يتمثل في لزوم إثبات هويتهم ومتابعة إنهاء إجراءات التسجيل والإضافة بشهادة الميلاد، وفي حال عدمها يثبت بصك من المحكمة بذلك، لتتم على أثرها مرحلة التسجيل النظامي والقانوني بعد ذلك في وزارة الداخلية ممثلة في الأحوال المدنية، وفي حال تأخر الإجراءات من قبل المرفق الإداري بتسبب صادر من قبلها، فيتظلم لدى رئاستها أولاً ومن ثم المحكمة الإدارية إذا تطلب الأمر واستدعى اختصامها، وذلك حسب نص المادة الثالثة عشرة من نظام المرافعات الإدارية.
وتابع: وأما ما يتعلق بالدية، فبإمكان الأب نظاماً بأثر صك الولاية الموجودة لديه أن يتقدم بطلب الدية من المحكمة المختصة، وهو القضاء العام وإن لم تستكمل إجراءات التسجيل والإضافة بعد، ويستصدر بذلك الحكم الدية المعتبرة وقت صدور الحكم الآن، حسب قرار مجلس الوزراء رقم 43108 في 2/ 10/ 1432.
وحول سبب تأخير إثباتاتهم تم التواصل مع مدير أحوال جازان علي مدخلي، الذي قال: لا أعلم شيئاً عنهم، وأرجو أن يمروا على الإدارة غداً إن شاء الله، وبعد ذلك يكون هناك إيضاح.