طرق وعرة متهالكة، وواقع مؤلم مرير، هذا ما واجهته “احد المصادر”، في أثناء عبورها إلى قرية بوادي حلبان بالصهاليل بمحافظة هروب؛ حيث قطعت بمركبة الدفع الرباعي طرقاً وعرة، ووصلت أخيرا إلى نهاية الطريق، لتقطع بعدها عشرات الأميال مترجلة للوصول إلى أشخاص معزولين في جبال صخرية لا يعرفون من العالم غير محيطهم، وهنا تبدأ الحكاية.
معزولة داخل غرفة طينية
اكتمل المسير بالصعود إلى الجبل والخطوات تتسارع، خوفاً من أن يخيم الظلام، وتتعذر العودة حينها، وإلى تلك الغرفة المبنية من الطين والحجر كان الوصول؛ حيث تظن للوهلة الأولى أنه مكان مهجور أو أطلال تاريخية، لتجده مأوى ومسكناً للسبعينية “ش – ص” التي عاشت معظم حياتها مكبّلة بالسلاسل والأغلال، في غرفة صغيرة مظلمة، تهشم عظام يديها ورجليها من ثقل السلاسل التي كانت تقيّدها، واحدودب ظهرها من سقف غرفتها المتدني، وبعد سنوات من العذاب تحررت أخيراً من القيود، لكنها لم تتحرر من الأمراض والمتاعب، لا تعرف أحداً حولها حتى أبنائها، وكل ما تهمهم به عبارات غير مفهومة، متبوعة بضحكات هيستيرية، وأسماء لأشخاص ماتوا منذ سنوات، بحسب ابنها.
٣٥ عاماً مكبّلة بالحديد
تفاصيل القصة، كما يرويها ابنها “م – ص”؛ حيث يقول: “معاناتي ومعاناة والدتي وأخي تبدأ عندما عشنا أنا وأخي يتيمين رغم وجود الوالدين، فقد نشأنا في بيت جدي – رحمه الله -، ولم نرَ والدتنا إلا بعد ٣٥ عاماً، فقد أخذها خالي عندما مرضت وحبسها في بيت قديم، وقيّدها بالسلاسل والحديد وحُرمت أبسط الأشياء وهي ممارسة حياتها كإنسانة”.
المساومة على الميراث
واستطرد: “نشأنا لا نعرف أماً أو أباً سوى جدي وجدتي – رحمهما الله -، وبعد خمسة وثلاثين عاماً اكتشفنا أن أمنا موجودة، ولكن حالتها الصحية سيئة جداً، عزمنا على أخذها أنا وأخي، لكن خالي رفض أن يستخرج لنا صك حصر ورثة إلا مقابل التنازل له عن ميراث أبيها، وساوَمنا على التنازل عن ميراثها من أبيها مقابل استخراج صك حصر الورثة، ولم نجد حلاً إلا الرضوخ”.
منسية بلا هوية
وقال: “لمتابعة وضع والدتي الصحي المتدهور طرقنا الأبواب لاستخراج هويتها الوطنية ولم نجدها، رغم اعتراف الجميع بأنها معروفة لديهم، وعلى رأسهم شيخ قبيلة الصهاليل، ولا أنكر فضل المسؤولين في محافظة هروب ومركز وساع بالصهاليل، فقد وقفوا بجانبي ووجّهوا بنقل والدتي لمستشفى الأمل والصحة النفسية بجازان، كما وجهوا بفتح طريق إلى المنزل، وأشكر لهم ذلك وأتمنى الانتهاء من الطريق بشكل عاجل للاستفادة منه في نقل والدتي، ومتابعة وضعها الصحي مع المستشفى، كما أتمنى إنهاء معاناة والدتي مع استخراج الهوية فمعاملتها حبيسة أدراج الأحوال المدنية منذ سنوات”.
وأضاف: “ظروف العمل لا تسمح لي دائماً بالوقوف بجانب والدتي، فأنا عسكري بالحد الجنوبي بقطاع شرورة، وأخي لا يملك سيارة وليس لديه عمل يعينه على مساعدة والدتي”.
بلا تعليم أو عمل
ويقول ابنها الآخر “س – ص” الذي يرعاها: “السنوات تمشي مسرعة وها أنا بعد سنوات يشارف عمري على الأربعين، توقفت عن التعليم بعد انتهائي من المرحلة الابتدائية للظروف القاسية التي عشتها، عاطل بلا عمل أعيش مع والدتي المريضة وأقوم على رعايتها، ووسيلة النقل الوحيدة لديّ هي الحمار، أستخدمه لنقل والدتي، ولجلب احتياجات المنزل كالماء وغيره”.
ويضيف: “أضطر إلى إقفال باب الغرفة على والدتي بعض الأحيان عند الحاجة إلى الذهاب؛ إما لجلب الماء أو احتياجات المنزل، وفي الليل غالباً، خوفاً عليها من الخروج، وسقوطها من أحد المنحدرات الخطيرة التي تحف بمنزلنا، فهي تعاني أمراضاً نفسية وعقلية ولا تدرك الخطر الذي يحدق بها خارج المنزل”.
سبعيني أقعده المرض
وقبل أن نغادر الموقع اصطحبنا الابن إلى منزل والده الطاعن في السن المقعد على كرسيه؛ حيث قال: “والدي (74 سنة) مصاب بجلطة في الأعصاب منذ 5 أعوام، مقعد لا يتكلم، ينتظر الموت، يعاني اضطرابات في القلب، لديه أسرة كبيرة، نناشد نقله إلى مستشفى متخصص خارج المنطقة بعد أن انقطع بنا الأمل في إيجاد علاجه”.
.. للقصة بقية
لم تنتهِ المعاناة، فلا يزال هناك الكثير من القصص الغريبة والمؤلمة والمتحصنة في تلك الجبال، فلا يخلو بيتٌ من قصة خلفها آلامٌ ومعاناة، ما بين فقرٍ وجَهل، يظل أمر تلك الجبال يُثير الدهشة والغرابة، والسؤال الأهم: هل يعرف المسؤول حال هؤلاء الناس؟