على الرغم من مضيّ سنوات على اعتماد تنفيذ مشروع طريق يشقّ محافظة فيفاء الجبلية شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، بمبلغ مليار ريال، إلا أن المشروع ووفقاً لواقع فيفاء لا وجود له؛ بل إن واقع هذا الطريق لا يزال منحدرات خطيرة بلا حواجز، رغم تصريحات مسؤولي “نقل جازان” التي تؤكد وجود المشروع، إذ يفنّد الأهالي أن المشار إليه من قبل المسؤولين قيمته 173 مليوناً فقط، مطالبين بتدخل اللجنة العليا لمكافحة الفساد في هذا المشروع وغيره من المشاريع.
وفي جولات “احد الصحف” الجولة تلو الأخرى لم ترصد يوماً الطريق المزعوم الذي “يشق” فيفاء الشاهقة الارتفاع، ولا وجود إلا للمعاناة التي يعيشها الأهالي والزوار يومياً؛ حيث تحول المشروع المطلوب الحقيقي لسراب؛ وهو واحد من المشاريع التي تدخل في قائمة حصر الفساد في جازان التي تضم في جنباتها “ملايين مدفونة” و”ملفات مسمومة” تستعرضها “سبق” في السطور القادمة.
البداية
بدأت فكرة “طريق فيفاء الملياري” بعد زيارة أمير منطقة جازان، جبال فيفاء أثناء الانهيارات التي نجمت عن الأمطار عام 1427هـ؛ حيث رفعه للمقام السامي بخطابه المؤرخ في 6/ 12/ 1427هـ، ثم صدرت الموافقة الكريمة على إنشاء ذلك الطريق خلال جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 8/ 9/ 1429هـ، وتم التوجيه بإنشاء طريقين في محافظة فيفاء من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب؛ لخدمة أبناء محافظة جبال فيفاء.
الحلم تبخّر
ومن ثم تم توجيه وزارة النقل لدراسة إنشاء الطريقين بتكلفة بلغت 963 مليون ريال؛ إلا أنّ الحلم تبخّر وأصبح ذكرى كانت تروى لهذا اليوم؛ حيث يشتكي اليوم أبناء محافظة فيفاء من سوء تنفيذ المشروع أو كما سمّاه الأهالي “طريق المليار”، مؤكدين أنه خالف التوجيه الملكي الذي نصّ عليه قرار مجلس الوزراء بإنشائهما من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب في جبال فيفاء.
ادّعاء المراسلات
بل كشف أعيان فيفاء أن تنفيذ الطريق الذي تدعي المراسلات أنه هو ذاته طريق المليار في “حقو فيفاء” كان فوق مشروع تمهيد سابق موشك على التسليم، وأدّى إلى هدر مالي وسوء في التخطيط والتنفيذ!
ملفات مسمومة
وعلى طريق حصر الفساد في جازان، تتكشف ملفات فساد قالت عنها مصادر إنها ملفات “مسمومة” ما أن يتم فتحها وبدء تتبعها حتى تغلق إما بنقل موظف أو مدير وخلافه، ومن تلك الملفات التي سبق وأن كشفتها “احد المصادر” وباشرته الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد “نزاهة”، وتمثل في تحايل مسؤول في “صحة جازان” على الأنظمة، وتقاضيه رواتب تصل إلى ربع مليون ريال في سنة مالية واحدة، وحصوله على إجازة قدرها 6 أشهر.
وكان المسؤول قد سجّل اسمه ضمن المستفيدين من نظام “اللوكم”، وتعاقد مرتين بمسميين وظيفيين مختلفين عن تخصصه، أحدهما طبيب زائر والآخر استشاري صيدلي، على الرغم من عدم حصوله على شهادة الاستشاري المعتمدة من الهيئة الطبية السعودية، فيما ينتظر من مكافحة الفساد أن تكشف تفاصيل عن تحقيقاتها وتعلنها للرأي العام.
الملايين المدفونة
ومن الملفات المسمومة إلى الملايين المدفونة في رمال الضاحية منذ أمر الملك الذي صدر عام ٢٠٠٦، رغم مضي 12 عاماً عاتياً على صدور قرار إنشاء ضاحية الملك عبدالله في مدينة جازان التي من المفترض أن تضم 40 ألف قطعة سكنية توزع على مواطني المنطقة، إلا أنه حتى اليوم لم يضع أي من سكان جازان قدماً في شبرٍ من أرضه المنتظرة.
ولو بـ 7 مليارات!
ووقت القرار خُصص مليار و175 مليون ريال لإنشاء البنية التحتية للضاحية، ومشاريع مياه وكهرباء وتصريف بالضاحية، لكن في ذلك الوقت خرجت أمانة المنطقة، ورأت أن هذا المبلغ ليس كافياً، وأن التكلفة الحقيقية تصل إلى 7.5 مليار ريال، ولم يرَ النور هذا المشروع بمليار أو سبعة غيره!
ولا يزال الحلم الوردي يتبدّد، في ظل سحْب المشروع من الشركة المنفذة لمشروع إسكانات الضاحية وتسليمه لمقاول جديد، مشيرةً إلى أنه تم تقليصه مرات عدة، كان آخر تقليص وصل عدد الوحدات السكنية في المشروع إلى حدود 600 وحدة سكنيّة فقط!
فساد قانوني
وفي مشاريع منطقة جازان ترصد “احد المصادر” أرقاماً فلكية، على المشاريع، بعدما أكدت الأوامر الملكية التي سبقتها بأن تكون بمبالغ معقولة، وعلى سبيل الحصر تضمّن الأمر الملكي الكريم مشروع مستشفى جازان التخصصي بقيمة إجمالية بلغت 100 مليون ريال وبسعة 200 سرير، لكن المفارقة هنا عجيبة، حيث تحولت قيمة المشروع إلى ٧١٩ مليوناً وبسعة سريرية ٥٠٠ سرير أي أن الأمر الملكي وضع لكل ١٠٠ سرير خمسين مليوناً؛ بينما بعدما صدر الأمر الملكي حدثت التعديلات القانونية بترسية مشاريع على شركات بطريقة تخترق القانون وتنثر أموال الدولة في جيوب بعض الشركات وشركائها!
وتواصل “المصادر” كشف التحولات المليونية في ميزانيات المشاريع التي تم تخصيصها بأمر ملكي، مستشفى النساء والولادة بسعة 200 سرير، وبمبلغ ٢٠٠ مليون؛ ليصبح عقده الواقع تحت الإنشاء بأكثر من ٣٠٠ مليون وما زال متعثراً.
النافورة والكلية!
من تلك الأرقام الضخمة التي أثارت حفيظة سكان منطقة جازان التي تشهد حاجة للازدهار التنموي في أرجائها، رقم إنشاء نافورة وجسور وممرات مياه داخل مدينة جازان الجامعية، ليبلغ الرقم 170 مليوناً، وتربع على عرش النقاشات لمدة شهرين وأكثر، وتناولت القضية وسائل إعلام عدة في الوقت الذي ينتظر أن تفتح الجهات تحقيقاً، وفي الجامعة ذاتها تناقضات بين إنشاء النافورة ذاتها وإنشاء كلية الطب بجامعة جازان؛ حيث بلغت قيمة عقد الكلية 190 مليوناً، وكذلك عقد إسكان الطلاب بلغ 199 مليوناً، وصولاً إلى عقد ترميم مستشفى جازان العام المحترق الذي يوازي قيمة عقد إنشاء كلية الطب!
الرقابة “نائمة”
وأطلق مهتمون مسمى الفساد القانوني على قيمة المشاريع المتضخمة، مطاليين بإعادة النظر في نظام المنافسات والمشتريات؛ للحدّ من الهدر المالي وقتل الفساد القانوني، مشيرين إلى أن ضعف الرقابة على المال العام أوصل أموال الدولة لهذا الحد، وذلك عبر هاشتاق نشط منذ أيام عنون بـ#حصر_الفساد_في_جازان.
مليونيات جازان
ولا تزال النيابة العامة في منطقة جازان، ولأكثر من ثلاث سنوات لم تبتّ في قضية سجّلتها أروقة إمارة جازان، وهي قضية الفساد المليونية الثالثة، والبطل رئيس لجنة الـ 22 مليون ريال عبر قضية اتُّهم بأنه افتعلها بنفسه عنوانها تأخّر رواتب عمال متعاقدين مع جهات حكومية ليبدأ فصول جريمته وبجعبته 138 شيكاً تقريباً من وزارة الصحة، و5 شيكات من جامعة جازان، لتنهار إحدى كبريات شركات المقاولات الوطنية بسببه، ولم تفصل فيها النيابة بعد، وكشفت تفاصيلها “احد المصادر” في عدة تقارير تحت عنوان قضية الـ ٢٢ مليوناً، فيما تولّى القضاء قضيتين فتحتهما “احد المصادر” قبل هذه الأخيرة العالقة.