أثارت حادثة التحرش الأخيرة في المنطقة الشرقية التي تناولتها وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة عبر مقاطع الفيديو، استياء وتذمر المجتمع السعودي بمختلف شرائحه، ما جعل العديد من أبناء المجتمع أكثر قسوة في ألفاظهم التي رددوها أثناء مشاهدتهم للحادثة، وتساؤلات كثيرة دارت في ذهنهم عن غياب الأمن داخل المجمعات الكبيرة، ما سمح لهؤلاء المنفلتين بالقيام بتلك التصرفات الدونية.
حاولت “أحد الجهات” أن تكون السباقة والأكثر جرأة في طرح مثل هذه القضايا وتقديم الحلول للحد منها.
المولات والمطاعم:
أصبحت المولات والمطاعم من أكثر الأماكن التي أخذت تنتشر فيها ظاهرة التحرش في المملكة، حسبما ذكره العديد من النساء اللواتي تحدثن عن حوادث تحرش تعرضن لها في تلك الأماكن.
إحدى الفتيات قالت: للأسف هناك بعض الشباب أدمنوا معاكسة الفتيات، وزاد الأمر إلى التحرش بهن. وتذكرت معنا موقفاً حدث لها في أحد المولات الكبيرة في جدة، حيث قالت: كنت أتناول الغذاء مع صديقاتي في منطقة المطاعم، وبدأ عدد من الشباب في الاقتراب منا بكل همجية وبعبارات خادشه، ما أصابنا بحالة من الذعر وقررنا ترك المكان، إلا أنهم قاموا بملاحقتنا وعمل حلقات حولنا، فصرخت بصوت عال وشتمت أحدهم، إلى أن جاء الأمن وأنقذنا منهم. وتابعت: من يومها وأن أرفض الذهاب لهذا المول تحديداً بسبب سلوكيات البعض وغياب الأمن.
فيما أشارت إحدى الفتيات إلى أن هناك أشكالاً كثيرة للتحرش أخذ يتفنن فيها الشباب، خصوصاً في المطاعم والمولات التي عادة تكون مزدحمة، فترى بعض الشباب يرمون بأرقام تليفوناتهم على الفتيات، وهناك من يستظرف ويقترب من الفتاة يكاد يلمسها ليدخل الرعب إليها، وهناك من يتحدث بعبارات خادشة، متحدثة عن قصة حدثت معها منذ عام تقريباً حيث كانت تشتري ملابس من أحد المحلات، ووجدت أحد الشباب يتتبعها بشكل لافت، فاتصلت بصديقاتها في منطقة المطاعم وأخبرتهن بمكانها وأتوا بالأمن إلى المحل، وأخذوه عنوة ونظمت ضبط تحرش بالحادثة.
جلد وتشهير:
فيما بدأ الكاتب ومقدم برنامج حراك الدكتور “عبد العزيز قاسم” حديثه حول حادثة التحرش الأخيرة في أحد مولات الخبر قائلاً: ما لفت نظري وآلمني أكثر من سلوك المراهقين المشين هو جمهرة الناس التي تتفرج على هذا التحرش، حيث لم تأخذ الحمية والوازع الديني أحداً منهم، ليقول لأولئك المراهقين: كفوا عن هذا الغي!، ويحمي تلكم الضعيفات اللواتي انزوين وتصاغرن وهربن من تلك الملاحقة الهمجية”. مشيراً إلى ان ازدياد حالات التحرش نتيجة عدم وجود قوانين صارمة ورادعة تطبق على الجميع، فإذا جلد الشاب المتحرش على ظهره عشرة أسواط وفي مكان عام، ونشرت صورته في وسائل الإعلام، لن يرتدع هو فقط، بل معظم الشباب المتحرش، لأن هناك قانوناً سيطبق عليه، مؤكداً أن القوانين الصارمة تحمي المجتمع من عبث هؤلاء المنفلتين، لافتاً إلى أن تناقص ظاهرة التحرش في بعض الدول العربية كان بسبب القوانين الصارمة التي أعلنت وطبقت. حيث تمنع الأعراف والتقاليد الكثير من النساء من التبليغ عن التحرش، فالأرقام التي أعلنتها وزارة العدل لا تمثل الواقع الحقيقي لانتشار تلك الظاهرة، فيما طالب الكثيرون من الشباب السعودي بإنشاء محاكم مختصة للنظر في مثل هذه القضايا.
وطالبت كافة التيارات والعاملون في المجال الحقوقي، بحشد الأصوات للمطالبة بسن قانون تفصيلي صارم للتحرش، ولعل قانون “الحماية من الإيذاء” الذي أقرّ هو البداية.
قوانين وتعليم
واعتبرت أستاذ مشارك تاريخ المرأة بجامعة الملك سعود الدكتورة “هتون أجواد الفاسي” تنامي التحرش، إلى الفكر السائد عند البعض الذي يصور المرأة التي تخوض غمار العمل وتشارك في تنمية مجتمعها بأنها “مذنبة”، وقالت: للأسف البعض يرى المرأة العاملة التي تخرج من البيت تكسر التقاليد، هي المسؤولة عن تعريض نفسها للذئاب البشرية، منتقدة وبشدة هشاشة تطبيق القوانين وتأخرها في تشريع الأمور المتعلقة بالمرأة، فما زالت الجهات القانونية والشرعية تبحث في إصدار قوانين لضبط التحرش.
وفي تعليقها على حادث مجمع الظهران استنكرت الفاسي سلبية المواطنين إزاء التحرش الجماعي من قِبل الشباب وعدم ردعهم، وطالبت بفريق عمل متكامل “اجتماعي، نفسي، شرعي” ينظر لتحرش المرأة في الفضاء العام. وشددت على إصدار قوانين تُعرف التحرش، وتضع عقوبة لكل نوع وتشارك في وضعها قانونيات مع قانونيين.
ضعف الثقافة الحقوقية
من جانبه، أكد المستشار القانوني ماجد قاروب على وجود القوانين التي تحمي الفتيات من المتحرشين، وقال: المشكلة الأساسية في القضايا الأخلاقية في المجتمع السعودي هي العادات والتقاليد؛ التي تمنع من الإبلاغ عن حالات التحرش، وهذا شجع المتحرش على التمادي في فعله”، وأوضح أن عقوبة المتحرش تعزيرية “كالجلد والسجن” وفقاً لرؤية القاضي.
وأبدى قاروب أسفه لضعف الثقافة الحقوقية، مطالباً بتضافر جهود مؤسسات المجتمع، وقال: نحتاج لرفع مستوى الثقافة الحقوقية من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية، والهيئات الحقوقية، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لتوضيح أهمية الإبلاغ عن حالات التحرش، حتى لا يصبح المبلِغ مذنباً في نظر المجتمع، بل هدفه الحصول على حقه، وطرح ضرورة تفعيل العقوبات البديلة في هذه القضايا لصغار السن والمراهقين الذين يتحرشون لأول مرة، مراعاة لمرحلة الشباب التي يمرون بها، وحتى لا يضيع مستقبلهم.
يذكر أن وزارة العدل قالت في آخر إحصائية لها لعام 2012 م عن عدد قضايا التحرش (استدراج حدث ومضايقة نساء) في محاكم المملكة، إنها بلغت 2797 قضية، تصدرت محاكم منطقة الرياض بواقع 650 قضية، ثم محاكم منطقة مكة المكرمة بواقع 430 قضية، تليها منطقة الشرقية بـ 210 قضية، ومحاكم منطقة المدينة بـ 170، وبقية المناطق بنسب متفاوتة.