يبدو أن الأسرار المصاحبة لاسم شهر رمضان، لم يتم الكشف عنها كلية، فقد سعى عدد من الباحثين إلى استقصاء الاسم مجددا والأسماء العربية الأخرى الدالة عليه وما يلتصق بها من معانٍ لهذا الشهر الفضيل، والتي بلغت بحسب بعض التقديرات 60 اسمًا.
وقال الدكتور عبدالله بن إبراهيم العسكر، إن “رمضان” هو الشهر التاسع في التقويم الإسلامي، ولم يكن الشهر التاسع معروفًا بهذا الاسم قبل عام 412م، والذي يوافق زمن كلاب بن مرة الجد الخامس للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وذكر “العسكر” في مقال له بصحيفة الرياض، الأربعاء (17 يونيو 2015)، أن كثيرًا من المؤرخين يرون أن اسم رمضان اشتق من الرمض أي شدة الحر، ولا يوجد دليل لهذه التسمية إلا ما ورد من كون ذلك من أسماء الأشهر لما نُقلت إلى لغة عرب الحجاز اتفق أن سُمي كل شهر بما يقابله من الأزمنة التي هو فيها، وهذا تعليل بسيط، لا بد أن يكون للتسمية غير هذا التعليل.
وأضاف العسكر: “فإذا افترضنا أن شهر رمضان وافق شدة الحر في الحجاز فأخذ اسمه من الرمضاء. فما معنى اسم شهري جمادى الأولى والآخرة؟”، واستطرد نقلا عن أحد الرواة إنهما وافقا تجمد الماء في الشتاء، وهذا لا يمكن في ضوء الدراسات المناخية للجزيرة العربية المتوفرة التي تعود إلى قرون عديدة قبل الإسلام، على أن محاولة العرب القدماء التوفيق بين سنتهم القمرية والسنة الشمسية بالاستعانة بالأشهر النسيئة ربما تُفسر بعض أسماء الأشهر العربية المعاصرة.
وأوضح الدكتور العسكر أن :”شهر رمضان ارتبط بالصوم، ويظهر أن الصوم شرَع في فصل الصيف الحار بمكة، ونستطيع أن نتمعن في معنى كلمة “صوم” في القوامس العربية، ونجد أن معنى الصوم أو الصيام هو الركود أو المقام، وبهذا يمكن الاستنتاج أن الصوم في شهر حار يتطلب التقليل من الحركة والركون الى الركود والمقام”.
ولفت الباحث إلى أن من الطريف والمثير للتساؤل أن كلمة شهر لا ترد مع الأشهر العربية إلا مع رمضان، ولم أجد في المصادر العربية تعليلا مقبولا لهذا الأمر، حيث ورد في القرآن الكريم “شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن”، ولم يكن القرآن ليخاطب معاصري نزوله بما لم يعرفوا، لهذا يمكن تأكيد أن العرب في الحجاز على الأقل يقولون: شهر رمضان، ولا يقولون رمضان وحسب، كما يقولون محرم وصفر وغيرهما من الأشهر العربية، ولعل السبب كون هذا الشهر يعني معنىً غير ما يعنيه الشهر من عدده، وموقعه ضمن التقويم، فشهر رمضان يعني شهرًا من شهور التقويم العربي، ويعني أيضا الصوم لكامل الشهر”.
لكن الدكتور العسكر استطرد: “على أن الأمر يتعدى اقتران كلمة شهر مع كلمة رمضان، إلى أن سلسلة أسماء الأشهر العربية لم تكن معروفة ومنتشرة في جزيرة العرب إلا في بداية القرن الخامس الميلادي، لكن علينا أن نشير إلى أن أسماء الأشهر العربية الحالية وضعها عرب الحجاز قبل تسعة عشر قرنًا، أما سائر القبائل العربية فلها أسماء أشهر خاصة بها، وفيما يخص شهر رمضان فكانت ثمود تسميه: ديْمر، وكان شهر ديْمر يوافق بداية السنة الثمودية”.
كما بين أن الصيام كان معروفا في الجزيرة العربية قبل الإسلام، ولم يفرض الصوم إلا في السنة الثانية للهجرة الموافق عام 634م. ولم يرد في المصادر الإسلامية ما يشير صراحة إلى تغيير المسلمين الأوائل لموقع شهر رمضان من التقويم المكي، وهو التقويم المعمول به قبل الهجرة. وبعد الهجرة صام المسلمون شهر رمضان وفق التقويم المكي أيضا”.
وزاد الباحث بالقول: “وكان يمكن لأهل مكة تبني اسم شهر رمضان عند ثمود وهو ديْمر، أو ما كان مستعملاً من قبل قبيلتي خثعم وطيء وهو شهر ناطل. والناطل مكيال للخمر. وكانت القبيلتان تُكثران من شرب الخمر في هذا الشهر، لأن ما بعده أشهر الحج إلى مكة، لكن يظهر أن مكة ويثرب قد بعدَ بهما الزمن عن ثمود، أما فيما يخص أسماء الأشهر عند القبيلتين المذكورتين فكانت اسماء خاصة بهما. ومن أسماء شهر رمضان عند بقية أجزاء جزيرة العرب: زاهر ونافق وناتق. ولم يصلنا في المصادر المتاحة ما يمكن التعويل عليه بخصوص هذه الأسماء الثلاثة”.
وقال الدكتور العسكر: “وصوم هذا الشهر قبل الإسلام يشبه صوم النصارى الكاثوليك. أما في الإسلام فالصوم ينقسم إلى أربعة أقسام: الأول: صوم الفرض، وهو أربعة أنواع أشهرها صوم شهر رمضان، وصوم الكفارات وهو خمسة أنواع. والقسم الثاني: الصوم المستحب أو صوم السنن، وهو تسعة أنواع. والقسم الثالث: الصوم المكروه وهو سبعة أنواع. والقسم الرابع: الصوم المحرم: وهو أربعة أقسام”.
وبين أنه في العموم فإن الصوم عند المسلمين ارتبط بأقسامه بالأشهر القمرية لا الأشهر الشمسية التي عليها الصيام في كثير من الديانات القديمة. فعلى سبيل المثال فإن الصوم الكبير عند معظم الكنائس النصرانية يقع في فصل الربيع. والاختلاف بين الكنائس انما في تعيين اليوم، فبينما يصوم اتباع الكنائس الشرقية يوم الاثنين (اثنين الباعوث)، يصوم بقية اتباع الكنائس يوم الأربعاء (أربعاء الرماد).
واختتم الباحث بالقول: “بذكر أسماء شهر رمضان في الإسلام، التي تعددت وتشعبت تبعًا لما تحدثه فريضة الصوم في نفس المسلم من جمال وصفاء روحي، حتى بلغت هذه الأسماء ستين اسمًا منها: شهر الله، شهر الآلاء، شهر النجاة، شهر القرآن، شهر المواساة، شهر الرضوان، شهر الصمت، وشهر الصون”.