قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما باستئناف المساعدات العسكرية لمصر، والإفراج عن 12 طائرة من طراز F16 و20 من صواريخ هاربون و125 دبابة من طراز M1A1، التي تم حجبها منذ أكتوبر 2013، يندرج ضمن برنامج الإمداد المنتظم للمعونات الأمريكية في مصر، الذي تعهدت به أمريكا منذ قيام ثورة يوليو 1952.
فقد ضمنت مصر إمدادًا منتظمًا من السلاح الأمريكي، لا يُخلُّ بميزان القوى المرتبط بأمن الولايات المتحدة وإسرائيل، مع تقديم مصر تسهيلات لوجستية تخص استخدام الولايات المتحدة الأجواء المصرية وقناة السويس.
ومرت العلاقات المصرية-الأمريكية بعدة تطورات وموجات من المد والجزر خلال العقود الستة الأخيرة، ففي عهد الرئيس الأمريكي ترومان، حرصت الولايات المتحدة على كسب ثقة نظام الحكم الجديد الذي كان يقوده الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، بعد ثورة 23 يوليو 1952، وبسط نفوذها في المنطقة خاصة مع تراجع نفوذ البريطاني.
ثم سحبت الولايات المتحدة وبريطانيا تمويل مشروع السد العالي بسبب العدوان الثلاثي على مصر، واتجهت الأخيرة للكتلة الشرقية التي كان يقودها الاتحاد السوفيتي وعقدت صفقة الأسلحة التشيكية.
وتوترت العلاقة بين مصر والولايات المتحدة حتى وصل التوتر ذروته بقرار مجلس الشيوخ الأمريكي في يونيو 1965 عدم بيع فائض الحاصلات الزراعية إلى مصر ومنع التعاون معها، ثم قطعت مصر العلاقات مع الولايات المتحدة في 6 يونيو 1967.
وأعلن جمال عبد الناصر في خطاب له أن على الولايات المتحدة ألا تعتمد على المعونة الأمريكية في الضغط على مصر لتتبنى سياسيات معينة، ملوحًا بإمكانية استغناء بلاده عن تلك المعونة إن استمرت السياسة على حالها.
وبعد انتهاء حرب أكتوبر أعلن الرئيس المصري الراحل، محمد أنور السادات، سياسة الانفتاح لتشجيع المستثمرين الأجانب بغرض تجاوز الوضع الاقتصادي بعد سنوات الحرب المريرة.
وعادت العلاقاتُ بين مصر والولايات المتحدة رسميًّا في 28 فبراير 1974، وقدم بنك الاستيراد والتصدير الأمريكي قرضًا وضمانات بحوالي 100 مليون دولار لتمويل خط أنابيب للبترول.
وصدر قانون المعونات الخارجية الأمريكية في أول يناير 1975، وكان نصيب مصر منه 250 مليون دولار، ثم إنشاء مكتب “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” في مصر عام 1975.
وكانت النقطةُ الفاصلة في تاريخ المعونة الأمريكية مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، عندما بدأ توسيع هيكل المعونة ليشمل تحويلات نقدية، وبدأ برنامج المعونة العسكري فعليًّا عام 1979.
وشهدت فترة الثمانينيات وفترة حرب الخليج ذروة المعونة المقدمة لمصر، ومع التغيرات الدولية المتمثلة في انهيار الاتحاد السوفيتي، تغيرت أولويات المعونة بالنسبة للإدارة الأمريكية، وظهرت خطط خفضها بنحو 50% خلال عشر سنوات، بداية من 1999، مع بقاء حجم المعونة العسكرية ثابتًا تقريبًا.
وفرضت أحداث 11 سبتمبر 2001 على السياسة الأمريكية أولويات جديدة، فأعلن الرئيس السابق جورج بوش الابن في سبتمبر 2002 استراتيجية إدارته للأمن القومي، حيث جعل التنمية العالمية ركيزة أساسية للأمن القومي بجانب الدفاع والدبلوماسية.
وزاد نصيب برامج الديمقراطية في البلاد حتى وصلت 16% من إجمالي ارتباط المعونة، وزادت الضغوط على مصر لإجراء ما كانت تصفه مؤسسات أمريكية بإصلاحات دستورية وسياسية، ورُبط التقدم في هذه الملفات ببرنامج المعونة.
واعتمدت إدارة أوباما سياسة أقل حدة؛ ظهرت في الجزء الخاص بمصر من ميزانية الولايات المتحدة لعام 2010، حيث أشاد بدور مصر في المنطقة ونص على منحها 1.555 مليار دولار منها 1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية.
وفيما يخص البرنامج المتعلق بالمعونة الأمريكية لمصر، فقد تم تزويد مصر ببعض الأسلحة مثل طائرات (F16)، والطراز المطور منها (F-16C/D)، وطائرات هليكوبتر بوينج طراز شينوك (CH-47D)، وطائرات الإنذار المبكر (E-2C)، وأنظمة مراقبة الطائرات وصواريخ باتريوت للدفاع الجوي التي تعتبر أكبر مورد للبنتاجون من حيث المبيعات.
ومن أهم بنود البرنامج العسكري الدبابة أبرامز إم1 إيه1 والتدريب عليها، ومقابل 7.8 مليارات دولار مساعدات عسكرية تلقتها في الفترة (1999-2005)، أنفقت مصر في نفس الفترة حوالي 3.8 مليارات دولار لشراء أسلحة أمريكية.
ودائمًا ما تستخدم الولايات المتحدة قطع المعونة عن مصر كورقة ضغط عليها لتحقيق مصالحها السياسية، وعقب قيام الجيش المصري بخلع الرئيس الأسبق محمد مرسي؛ استجابة لاحتجاجات شعبية واسعة ضده، عام 2013، علقت واشنطن المساعدات التي تقدمها لمصر كورقة ضغط، إضافةً إلى تعليق تسليم معدات عسكرية كانت مصر متعاقدة عليها في وقت سابق.
وفي يونيو 2014 قدم مجلس الشيوخ الأمريكي مقترحًا لخفض المعونة العسكرية الأمريكية لمصر من 1.3 مليار دولار سنويًّا إلى مليار دولار فقط، وخفض المعونة الاقتصادية من 250 مليون دولار إلى 150 مليون دولار.
وسبق هذا المقترح مقترح آخر قدمه الجمهوريون في الكونجرس تضمن ثبات المعونة العسكرية عند مستوى 1.3 مليار دولار سنويًّا، وخفض المعونة الاقتصادية بواقع 50 مليون دولار لتستقر عند 200 مليون دولار فقط سنويًّا.
ورغم هذه الضغوط فإن مصر لم تستجب لمطالب واشنطن بالتوقف عن مطاردة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي والذين يتهمهم القضاء المصري بارتكاب أعمال عنف، كما لم توافق على إشراك جماعة الإخوان في الحياة السياسية.
وفي نهاية المطاف، وافقت واشنطن على رفع الحظر المفروض على المساعدات العسكرية لمصر منذ 2013، وتسليم طائرات إف 16 لمصر، وفق ما جاء في اتصال هاتفي بين أوباما والرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي آخر مارس 2015.
وتخرُجُ من حين لآخر حملات شعبية تطالب السلطات المصرية بالتوقف عن تلقي تلك المعونة، وفي المقابل يقول باحثون سياسيون إن المعونة أسلوب متبع في السياسة الدولية ويقصد به ضمان مصالح مشتركة بين الطرفين.
شاهد