أكد الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، أن المملكة لم تدخر جهدًا مع أشقائها في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والأطراف الدولية الفاعلة، في العمل المخلص الجاد بغية الوصول إلى الحل السلمي لدحر المؤامرة على اليمن الشقيق، وحل مشكلاته والعودة إلى مرحلة البناء والنماء بدلًا من سفك الدماء.
وأكد استمرار عاصفة الحزم للدفاع عن الشرعية في اليمن، حتى تحقق أهدافها ويعود اليمن آمنًا مستقرًّا وموحدًا؛ وذلك خلال كلمته بجلسة مجلس الشورى العادية الـ26، التي عقدها المجلس، الثلاثاء (31 مارس 2015)، برئاسة رئيس المجلس الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، بناءً على طلب من المجلس.
وقال الأمير سعود الفيصل: “إن مليشيا الحوثي وأعوان الرئيس السابق -وبدعم إيران- أبت إلا أن تعبث في اليمن، وتعيد خلط الأوراق وتسلب الإرادة اليمنية، وتنقلب على الشرعية الدستورية، وترفض كل الحلول السلمية تحت قوة السلاح المنهوب، في سياسة جرفت اليمن إلى فتن عظيمة وتنذر بمخاطر لا تحمد عقباها”.
وأضاف وزير الخارجية: “لسنا دعاة حرب، لكن إذا قُرعت طبولها فنحن جاهزون لها. وأمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المملكة والخليج والأمن القومي العربي؛ فكيف إذا جاءت الاستغاثة من بلد جار وشعب مكلوم وقيادة شرعية، تستنجد وقف العبث بمقدرات اليمن، وتروم الحفاظ على شرعيته ووحدته الوطنية وسلامته الإقليمية واستقلاله وسيادته؟!”.
وشدد على أنه “من هذا المنطق، حظي التحالف للدفاع عن الشرعية في اليمن، بمباركة واسعة وتأييد شامل من لدن أمتنا العربية والإسلامية والعالم”.
ووصف الوضع في سوريا بالمأساة التي تجاوزت كل المطامع السياسية ومراميها، قائلًا: “لقد فاقت المأساة السورية كل حدود، وأصبحت وصمة عار في جبين كل متخاذل عن نصرة هذا الشعب المنكوب؛ فالقتلى يكاد عددهم يصل إلى نصف مليون، شاملًا القتلى غير المعلن عنهم، ومهجرين ولاجئين يفوق عددهم 11 مليون شخص”.
وقال: “إننا أمام مأساة مريعة تجاوزت كل المطامع السياسية ومراميها؛ فهناك كارثة إنسانية لم يُشهَد مثيل لها في تاريخنا المعاصر، وضحيتها –ويا للأسف الشديد- بلد عربي عزيز، تدمر بنيته ويذبح شعبه بلا هوادة ولا لين، بيد آثمة من المفترض أن تحميه وتحفظ مصالحه”.
وأوضح أن المملكة التي تستشعر حجم آلام ومعاناة الشعب السوري، تقف -قيادةً وشعبًا- خلف كل جهد ممكن في سبيل إحياء الضمير العربي والدولي لوضع حد لهذه الكارثة الإنسانية، بالدفع بالحل القائم على مبادئ إعلان (جنيف 1)، الذي يقضي بتشكيل هيئة انتقالية للحكم بصلاحيات سياسية وأمنية وعسكرية واسعة، لا يكون للأسد ومن تلطخت أيديهم بدماء السوريين أي دور فيها.
وذكر أن “كل ما سبق يأتي مع السعي نحو تحقيق التوازن العسكري على الأرض لإرغام سفاح دمشق على الاستجابة للحل السلمي، في ظل إصراره على الحسم العسكري الذي دمر البلاد وشرد العباد، وحتى يعود السلام لهذا الجزء الغالي من أمتنا العربية، ويشيد أبناؤها عز دمشق. وعز الشرق أوله دمشق”.
وعن العراق، قال وزير الخارجية: “لقد قاست بغداد الأمرَّين على أيدي زمرة من أبنائها مدفوعين من قِبَلِ أطراف خارجية تلهث من أجل إشاعة الفتنة والفرقة والتناحر، ولا تكف عن ارتكاب الجرائم وبث الكراهية، وغرس الحقد في عاصمة الرشيد وملتقى الحضارات، التي كانت تشكل في وقت من الأوقات حديقة غناء يفوح عبيرها بعبق التنوع وثراء التعددية؛ ليس في موطننا العربي فقط، بل في العالم بأسره وعلى مدى قرون طوال”.
وأعرب عن تفاؤله بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وما أعلنته عن عزمها وتصميمها على إعادة بناء العراق على أسس وطنية، وبمساهمة من جميع العراقيين بجميع مكوناتهم، دون إقصاء لمذهب أو طائفة أو عرق، إضافةً إلى تعهدها بالقضاء على الإرهاب، أيًّا كانت مسمياته، وإزالة كل مظاهر المليشيات المسلحة.
وأضاف: “لقد حظي هذا التوجه الإيجابي بتأييدنا التام؛ حيث انعكس على السعي نحو تطوير العلاقة والشروع في إعادة فتح سفارة المملكة في بغداد، إضافةً إلى المشاركة الفعَّالة في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي في العراق والشام”.
وفيما يخص ملف العلاقات بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، قال الأمير سعود الفيصل: “كنا نتوقع قيام الثورة الإيرانية التي سرنا أن تطلق على نفسها الإسلامية، وتوقعنا أن تكون نصيرًا لقضايانا العربية والإسلامية، وعونًا لنا في خدمة الأمة الإسلامية، وترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، إلا أننا فوجئنا بسياسة تصدير الثورة، وزعزعة الأمن والسلم والتدخل السافر في شؤون دول المنطقة، وإثارة الفتن والشقاق بين أبناء العقيدة الواحدة”.
وأوضح: “هذا التوجه أثار لدينا العديد من التساؤلات حول ماهية المصلحة التي ستجنيها إيران من تقسيم العالمين العربي والإسلامي، ومحاولات الدفع بهما إلى الهاوية التي لا صعود منها”.
وأضاف: “إننا اليوم لن ندين إيران أو نبرئها من الاتهامات الملقاة على عاتقها، لكننا سنختبر نواياها، بأن نمد لها أيدينا كبلد جارة مسلمة، لفتح صفحة جديدة. وإذا كان لنا أن نعتبر إيران بلد حضارة -ونحن نعتبرها وشعبها كذلك فإن واجبها يحتم عليها أن تكون بانية حضارة ترتقي بالأمن والسلم في المنطقة، لا تزعزعه”.
وقال: “كما أنها كبلد مسلم، فإن كتاب الله وسنة رسوله المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يفرضان عليها خدمة قضايانا الإسلامية، لا تشتيتها وتفريقها. وعلى إيران أن تدرك أن دعوة التضامن الإسلامي وُجدت لتبقى، وستبقى بمشيئة الله تعالى. والأجدى لإيران أن تشارك في هذا التوجه بدلًا مما تسميمه بتصدير الثورة”.
وعن الملف النووي الإيراني، طالب سموه دول (5+1) بأن تسعى أولًا لتحقيق التوافق بين إيران والدول العربية، بدلًا من الالتفاف على مصالح دول المنطقة لإغراء إيران بمكاسب لا يمكن أن تجنيها إلا إذا تعاونت مع دول المنطقة.
وقال: “إن الملف النووي الإيراني يظل أحد الهواجس الأمنية شديدة الخطورة على أمن المنطقة وسلامتها. والتاريخ يشهد أنه لم يدخل سلاح في المنطقة إلا وجرى استخدامه. من هذا المنطلق دعمنا دائمًا الحل السلمي القائم على ضمان حق إيران ودول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وفق معايير وإجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحت إشرافها، وبما ينسجم مع قرار الجامعة العربية الرامي إلى جعل منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي منطقة خالية من كل أسلحة الدمار الشامل بما فيها السلاح النووي”.
وبيَّن أن المملكة تدعو لتوسيع مهام التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي في العراق والشام، مع الاستمرار في دعوتها نحو توسيع هذا التحالف ليصبح بمنزلة الشرطة الدولية لمحاربة التنظيمات الإرهابية كافةً دون استثناء وفي أي مكان وُجدت، أخذًا في الاعتبار أن المواجهة الفكرية للإرهاب لا تقل أهميةً عن مواجهته أمنيًّا، وكذلك قطع كل سبل التمويل عنه، باعتباره من أكبر المخاطر التي باتت تواجه العالم، وتهدد الأمن والسلم الدوليين؛ حيث يتمدد في العالم بجميع أشكاله وصوره وتعدد مصادره، واختلاف الجهات التي تقف وراءه.
وقال: “لست هنا بمعرض الحديث عن الجهود الداخلية لحكومة المملكة -وهي واضحة لكم- في ظل ما حققته من نتائج إيجابية في محاربة الإرهاب؛ أمنيًّا وفكريًّا وتمويليًّا، ونجحت -ولله الحمد- في القضاء استباقيًّا على التنظيمات الإرهابية على أرضها، إلا أن إدراك المملكة عالمية ظاهرة الإرهاب، كثف جهودها على الساحتين الإقليمية والعالمية، لتكريس التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب، وفق استراتيجية واضحة، بأهداف محددة، وإمكانات مؤثرة، والتصدي له بروح جماعية تقي العالم شروره وتقتلعه من جذوره.
وأوضح: “لترجمة هذه الرؤية، شرعت المملكة في تحركها منذ وقت مبكر، وتحديدًا في عام 1425هـ؛ عندما استضافت الرياض أول مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب، وعلى مستوى المتخصصين الأمنيين، استتبع ذلك إنشاء المملكة المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، تحت مظلة الأمم المتحدة، وتبرعت له بمبلغ 100 مليون دولار، كما لم تتوان المملكة في المشاركة في جميع المبادرات الدولية لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف المؤدي إليه”.
وجدد الأمير سعود الفيصل تأكيد أن القضية الفلسطينية المحور الأساسي لسياسة المملكة الخارجية. ويرتكز موقف المملكة تجاه هذه القضية على السعي إلى تحقيق السلام العادل والدائم والشامل، الذي يشكِّل صلب مبادرة السلام العربية التي طرحتها المملكة، وتبنتها جامعة الدول العربية، رغم جسامة التحديات وترابطها؛ ما جعل من كل قضية تشكل أولوية في حد ذاتها يتطلب التعامل معها بجهد متوازٍ وعلى سائر الأصعدة الثنائية والمتعددة.
وأكد أن سياسة المملكة الخارجية مبنية على ثوابت محددة؛ أهمها الانسجام مع مبادئ الشريعة الإسلامية، والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية، وخدمة الأمن والسلم الدوليين، مع الالتزام بقواعد القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية واحترامها، وبناء علاقات ودية تخدم المصالح المشتركة مع دول العالم، تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية؛ وذلك في إطار خدمة مصالح الوطن وحمايته والحفاظ على سلامة أراضيه واستقراره ونمائه، ورعاية مصالح المواطنين، وإعلاء شأن المملكة ومكانتها في العالم.
ولفت النظر إلى أن السياسة الخارجية للمملكة، تحرص دائمًا على العمل الجماعي الفعَّال، في مختلف أطرها الخليجية والعربية والإسلامية والدولية، وتسعى بجدية إلى تطوير آليات العمل المشترك، سواء من خلال الدعوة إلى الاتحاد الخليجي الذي يمكِّن دول مجلس التعاون من مواجهة التحديات والتغيرات الإقليمية والعالمية، وتقوية شوكتهم في الدفاع عن مصالحهم ومصالح أشقائها في العالمين العربي والإسلامي، ناهيك عن الإسهام في إصلاح جامعة الدول العربية، وتعزيز دور منظمة التعاون الإسلامي، والدعوة إلى تطوير هياكل الأمم المتحدة وإصلاح مجلس الأمن.
وقال: “إن العمل بموجب هذه الثوابت، في سياق تحقيق سياسة المملكة الخارجية، يحتم على وزارة الخارجية مواكبة متطلبات التغيير والتجديد في أسلوب وطريقة أدائها المهام المنوطة بها، وعلى النحو الذي يحاكي لغة العصر ويتعامل مع أساليبه، ويمكّنها من مواجهة الأعباء والمسؤوليات المتعاظمة الملقاة على عاتقها، في ظل ما يشهده العالم من تحوُّل من الدبلوماسية التقليدية المحدودة بين الدول والحكومات، إلى ما اصطلح على تسميته بالدبلوماسية الشاملة”.
وأضاف: “لقد استدعى هذا الأمر من جهاز الوزارة، أن يتعامل مع سياسة التطوير بأسلوب منهجي، ووفق منظور استراتيجي من سائر جوانبه الهيكلية والتنظيمية. وقد كان للعنصر البشري النصيب الأوفر في عملية التغيير من خلال العمل على التطوير النوعي والعددي للموارد البشرية، وإعادة النظر جذريًّا في طرق استقطاب وتأهيل وتدريب هذه الكوادر. ومثالًا على ذلك، وتقديرًا لأهمية دور المرأة السعودية، فقد أتاحت لها الوزارة إمكانية دخول عالم الدبلوماسية على أساس اعتبارات الجدارة والمؤهل والمستوى الثقافي، ليرتفع عدد الموظفات من (60) موظفة عام 1429هـ إلى (284) موظفةً عام 1435هـ ، أي بزيادة فاقت أربعة أضعاف العدد”.
وفي مجال التطوير التنظيمي، أوضح سموه أنه تمت إعادة هيكلة الأجهزة بالديوان العام للوزارة كافةً، كما هو الحال بالنسبة إلى بعثات المملكة في الخارج، التي ازداد عددها إلى 120 بعثة تغطي علاقات المملكة مع 134 دولة شاملة للتمثيل غير المقيم، والوفود الدائمة لدى المنظمات الدولية؛ وذلك من منظور الدبلوماسية الشاملة.
وأضاف: “لقد شكَّل التحول إلى العمل الإلكتروني، العمود الفقري لتعاملات الوزارة ، داخليًّا على مسار سير العمل، وخارجيًّا على مسار الخدمات التي تقدمها، والتي بلغت حتى الآن (82) خدمة إلكترونية، مفصلة في التقرير الذي بين أيديكم”.
وفي مجال الدراسات والأبحاث، أشار سموه إلى أن عملية يتعين عليها أن تشمل معهد الدراسات الدبلوماسية، وهو الجهاز المختص بإعداد الدراسات والبحوث، المعني بتطوير المهارات والقدرات لموظفي الوزارة وغيرهم من موظفي الدولة الذين يعملون في الخارج.
واختتم سمو وزير الخارجية كلمته، مقدمًا شكره وتقديره لرئيس المجلس وأعضاء المجلس، على طلبهم حضوره، معربًا عن أمله “استمرار التواصل والحوار بين وزارة الخارجية ومجلسكم الموقر؛ وذلك في ظل سعينا معًا نحو تحقيق الهدف الأسمى في خدمة ديننا الحنيف والوطن والمواطن”.