بداية من التحكم في بيع النفط وحتى بيع العباءة، وبداية من وضع المناهج وحتى منع طرح أسئلة معينة في المدارس، وبداية من تفجير المساجد وحتى تعيين أئمة أجانب.. يسيطر تنظيم “داعش” على تفاصيل حياة قضاء هيت غربي العراق، وفق ما نشره تقرير صحفي بريطاني.
والتقرير نشرته صحيفة “ذي إندبندنت” البريطانية، نقلًا عن شهود عيان، أظهرت فيه طبيعة الحياة في قضاء هيت، الذي سقط قبل حوالي 5 أشهر في أيدي “تنظيم داعش”، بعد معارك شرسة مع القوات الحكومية دامت لساعات قليلة.
وذكرت “ذي إندبندنت”، أن التغييرات والقوانين التي فرضتها “داعش” -بعد استيلائها على قضاء هيت، ذي الغالبية السنية- كانت محطّ استياء عميق من قبل معظم سكان المدينة.
ووصف أحد الناشطين -الذي أطلق على نفسه اسم فيصل، للصحيفة، في تقرير نشرته الثلاثاء 17 مارس 2015- ما حل بالمدينة -مذ وقعت في قبضة “داعش”- قائلًا: “فور استيلاء داعش على قضاء هيت، تمكن عناصره من قطع طرق وصول البضائع والمواد الغذائية الأساسية لمنطقة الحديثة -غربي العراق- والتي لا تزال تحت سيطرة القوات الحكومية العراقية”.
وردت القوات الحكومية على فعلة “داعش” -حسب قول فيصل، الذي هرب مؤخرًا إلى العاصمة الكردية أربيل- بقطع خطوط نقل الطاقة الكهربائية عن جميع المناطق الواقعة تحت سيطرة “داعش” في محافظة الأنبار، والتي يأتي 90% منها من محطة الحديثة، كبرى محطات توليد الطاقة الكهرومائية في العراق.
وبحسب الناشط العراقي، فإن “توقف جميع المشاريع -التي تعتمد على الكهرباء، بما في ذلك محطات نقل ومعالجة المياه- سيدفع الناس إلى شرب المياه الملوثة من نهر الفرات، وقد يتسبب في كارثة إنسانية”.
وعلى الرغم من رخص أسعار المواد الغذائية في مدينة هيت -ذات التربة الزراعية- فإن قطع أسلاك الكهرباء عن المدينة وتوقف المشروعات التجارية فيها، أدى إلى اختناق المنطقة اقتصاديًّا، وانعدام أي مردود مادي فيها، يمكن الأهالي من شراء السلع والأغذية.
وأضاف فيصل، أن التنظيم أقحم نفسه في كل تفاصيل الحياة اليومية لسكان مدينة هيت، ابتداءً من مناهج التعليم والصلاة في المساجد واللباس المسموح به، والزكاة، إلى عديد من الجوانب الأخرى للحياة.
وعين التنظيم ما يزيد عن 2000 موظف من عناصره لجباية الضرائب من المحلات التجارية، تحت مسمى “زكاة المال”.
ولم تقتصر الضرائب -التي فرضتها “داعش”- على المحلات التجارية فحسب، بل أيضًا على رواتب الموظفين الحكوميين التي لا تزال الحكومة تسعى إلى دفعها بالكامل.
وبالنسبة للتعليم، أفاد فيصل أن “داعش” أعلنت عن إلغاء أي فصل أو مادة دراسية خارجة عن تعليمات وحدود “دولة الخلافة الإسلامية”، التي أعلنها في الـ29 من يوليو من العام الماضي.
وبالفعل أدخل التنظيم بعض التعديلات على المواد التي تدرس في الرقة والفلوجة، كذلك ألغى مواد أخرى كالفن الموسيقا والجغرافية والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والتربية الدينية المسيحية، فضلًا عن إجبار المدرسين على عدم الإجابة عن استفسارات تخص الديموقراطية والقوانين الانتخابية.
ويعتبر بيع المواد النفطية من أهم الموارد المالية التي تدعم “داعش” وتحافظ على بقائها وتقدمها.
وبحسب فيصل، فإن التنظيم يستخرج النفط الخام من حقول النفط التي استولى عليها في مدينة الرقة السورية، ثم يقوم بتكريره بطرق بدائية، وتصديره إلى المناطق الواقعة تحت سيطرتها في العراق، وبيعه بأسعار باهظة، على الرغم من رداءة تصنيعه.
كما أقدمت عناصر التنظيم على قطع شبكة الإنترنت -التي تعمل من خلال منظومات القمر الصناعي- عن منازل قضاء هيت، وأمرت أصحاب مكاتب الإنترنت بغلق مكاتبهم، باستثناء ثلاثة مكاتب لم يشملهم أمر الإغلاق ويخضعون لرقابة التنظيم.
وحتى نهاية فبراير الماضي، كانت الاتصالات لا تزال تعمل في هيت، لكن بعد حدوث اشتباكات بيت مقاتلي “داعش” وعناصر البيشمركة والجيش العراقي في منطقة ناحية البغدادي، نسف التنظيم أبراج الاتصالات في هيت، خوفًا من اتصال الأهالي بأقربائهم في منطقة النزاع، ومعرفة تفاصيل تقدم القوات الحكومية.
وأضاف فيصل أن «داعش قامت باستبدال عديد من الأئمة العراقيين بغيرهم من جنسيات أخرى، كالسعوديين والتونسيين والليبيين والأفغان، ويتم تعيين الأئمة بصورة مؤقتة -لإلقاء خطبة الجمعة والصلاة- أو دائمة. وتلجأ “داعش” إلى هذه السياسة، في محاولة للتغلب على تعاليم “الصوفية” المتبعة في العراق، والتي تتنافر مع معتقدات التنظيم».
كما توجد عديد من الأعمال الأخرى التي تتبعها “داعش” لإحلال تعليماتها وثقافتها على مجتمع مدينة هيت وما حولها، فيقول فيصل “إن عناصر من “داعش” تقف عند مداخل الشوارع الرئيسية وفي الأسواق، لتبيع العباءات السوداء وأغطية الوجه والرأس للنساء، والتي يندرج ارتدائها ضمن تعليمات دولة الخلافة، مقابل 11 دولارًا أمريكيًّا، وبالطبع يعود ثمنها إلى خزينة التنظيم”.
وذكر فيصل أن سوء الأحوال الاقتصادية في مدينة هيت -بعد وقوعها في قبضة “داعش”- دفع كثيرًا من السكان إلى الالتحاق بالتنظيم لما في الموضوع من فوائد، حيث يوفر -إلى جانب المرتب الجديد- عديدًا من الخدمات والمواد الغذائية، إلى جانب المحروقات بالمجان.
وعن أموال التنظيم، قال فيصل، إن “داعش لديها أساس مالي قوي، فهي -إلى جانب ما تحصل عليه من أموال الضرائب وبيع المواد النفطية- فهي تصادر البيوت السكنية للذين كانوا يعملون سابقًا في الأمن والشرطة والمحاكم العراقية، ويكتبون عليها “عقارات الدولة الإسلامية”.
كما لم تنجُ المساجد والأضرحة وآثار العراق من “داعش”؛ حيث دمر التنظيم عديدًا من المراقد والأضرحة، التي تمثل تراثًا كبيرًا للعراقيين والسوريين في كل منطقة فرض سيطرته عليها.
ويستمر التنظيم في هذه الممارسات بشكل ممنهج، وآخر هذه الهجمات تدمير أهم المساجد في مدينة الموصل العراقية وأقدمها، والعمل على إفراغ عشرة مساجد جديدة، استعدادًا لتفجيرها.
ولم يتسنَّ التأكد من صحة ما أورده شاهد العيان من مصادر أخرى.