دحضت كلمة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز، التي ألقاها نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله –، كل التكهنات والمزاعم التي عكف على بثها كثير من وكالات الأنباء العالمية ووسائل الإعلام بتخلي السعودية عن دعم مصر والوقوف إلى جانبها؛ إذ أتت كلمة ولي العهد برهاناً على أن العلاقات المميزة والراسخة بين السعودية ومصر أكبر من أي محاولة لتعكيرها، ولن تتأثر بأية محاولات مغرضة تستهدف النَّيل من استقرار المنطقة ووحدة الأمة العربية ومقدرات الدول العربية وشعوبها، وإثباتاً جديداً على المتانة والقوة اللتين تتمتع بهما العلاقة بين البلدين في ظل الأزمات التي تصيب كثيراً من دول العالم، ورداً قوياً على كل من حاول مس العلاقات بين البلدين.
وتُعد كلمة ولي العهد التي ألقاها في مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري، المنعقد خلال المدة من 22 إلى 24 جمادى الأول 1436هـ في مدينة شرم الشيخ، هي الأولى على المستوى الدولي منذ تعيينه في منصب ولي العهد، وكشف من خلالها عن رسالة دعم قوية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر واقتصادها واستقرارها.
وعرض ولي العهد بشفافية شديدة رؤية السعودية تجاه مصر، وأكد أن السعودية لن تنكفئ على نفسها مهما كانت تحديات المنطقة والعالم، بل تمد يدها بيضاء لشقيقاتها العربية، وتسهم في حل القضايا التي تمس اقتصادها وأمنها، وتقف إلى جانب أشقائها في شتى الجوانب.
تنفيذ السعودية لمقترحها وشقيقتها الإمارات
وأكد ولي العهد أن السعودية تحافظ وتلتزم بكل ميثاق مع أشقائها، فقد كانت الدعوة لعقد المؤتمر مقترحاً من قبل الملك عبد الله بن عبد العزيز، وشاركه في ذلك دولة الإمارات، ويأتي تأكيداً لرسوخ العلاقات على مر التاريخ. وبيّن أن السعودية تولي مصر اهتماماً كبيراً على مدى التاريخ، وتحرص على تعزيز العلاقات معها وتقويتها، والنأي بها عما يعكر صفوها. وقد أثبتت الأحداث على مدى التاريخ رسوخ العلاقات بين البلدين، وأنها سرعان ما تتغلب على ما يكدر صفوها بحكمة قيادتَيْ البلدين والفاعلين على المستويين الرسمي والخاص.
تفاؤل لنمو العلاقات الاقتصادية
وفي تفاؤل كبير ورضا عن نمو العلاقات الاقتصادية الشاملة بين البلدين أوضح الأمير مقرن للعالم أن السعودية تأتي في المرتبة الأولى بوصفها أكبر بلد مستثمر في مصر، وتأتي مصر في قائمة أكبر عشرين دولة مصدّرة للمملكة، وفي المرتبة الرابعة والعشرين ضمن قائمة الدول المستوردة من السعودية؛ وذلك لما يتوافر لاقتصاد البلدين من إمكانات، التي خلقت مجالاً رحباً وواسعاً لتنمية هذه العلاقات الاقتصادية. وما يدلل على ذلك المشاركة الكبيرة من القطاع الخاص السعودي في أنشطة المؤتمر، والاهتمام الكبير الذي يوليه هذا القطاع في الاستثمار بمصر.
خطر الإرهاب وأثره على التنمية
وتطرق الأمير مقرن بصراحة ووضوح إلى ما تشهده المنطقة من تحولات سياسية واقتصادية وأمنية، أثّرت سلباً على مسار التنمية، وبرزت من خلالها ظاهرة الإرهاب بشكل مروّع. ومما يؤسف له أن يلصق هذا الإرهاب – تجنياً وبهتاناً – بالإسلام، والإسلام منه بريء.
محاربة السعودية للإرهاب وإدانته
وطالب ولي العهد المجتمع الدولي بالتعاون في محاربة الإرهاب وسد منافذه، مثبتاً أن السعودية قد سعت بكل ما أوتيت من حزم وقوة لمحاربته، والتعاون مع المجتمع الدولي في ذلك. وبيّن الأمير مقرن موقف السعودية وإدانتها – بشدة – لما تشهده مصر الشقيقة من حوادث إرهابية، التي تهدف إلى تعكير صفو الأمن، والتشويش على مسيرة الاستقرار والنمو التي تسعى إليها حكومة مصر الشقيقة. مؤكداً ثبات موقف السعودية مع مصر وشعبها لتثبيت الأمن والاستقرار، ووضع الاقتصاد على مسار التعافي والازدهار.
مصارحة العالم بعدم ازدواجية المعايير
وطالب المجتمع الدولي بعدم ازدواجية المعايير، والفهم الدقيق لما يجري من أحداث، ودعم جهود الحكومة المصرية لتثبيت الاستقرار، ودعم جهود التنمية.
الإصلاح الاقتصادي
واستبشر ولي العهد خيراً بتقدم الحكومة المصرية في تنفيذ خارطة الطريق السياسية، التي ظهرت من عدد من الإصلاحات الاقتصادية الطموحة، على الرغم من صعوبة المرحلة الانتقالية، مؤكداً أهمية الاستمرار في ذلك تعزيزاً للثقة. ومما يبعث على التفاؤل: ظهور بوادر تحسن في الاقتصاد المصري. ولا شك أن هذا المؤتمر يمثل فرصة مواتية لتأكيد التزام الحكومة المصرية بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية، وتسليط الضوء على البرنامج الاقتصادي والتنموي لمصر على المدى المتوسط، بما يساعد على جذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية.
الدعم المتواصل
وبيّن ولي العهد أنه انطلاقاً من العلاقات التاريخية الراسخة والمصير المشترك فقد واصلت المملكة العربية السعودية دعمها لمصر الشقيقة على كل الأصعدة؛ إذ قدمت السعودية مساعدات غير مستردة وقروضاً، كما قدّمت السعودية مساعدات مالية ومِنَحاً بترولية خلال الفترة الماضية دعماً لجهود الحكومة المصرية لتعزيز تعافي الاقتصاد المصري، واستمراراً لموقف السعودية الداعم لمصر واستقرارها.
وأعلن ولي العهد تقديم المملكة العربية السعودية حزمة من المساعدات بمبلغ أربعة مليارات دولار أمريكي، منها مليارا دولار وديعة في البنك المركزي المصري، والباقي سيوزع على مساعدات تنموية من خلال الصندوق السعودي للتنمية، وتمويل وضمان صادرات سعودية لمصر من خلال برنامج الصادرات السعودية، واستثمارات في المشاريع المختلفة مع القطاع الخاص السعودي والمصري والمستثمرين الدوليين.
دعوة المجتمع الدولي لدعم اقتصاد مصر
ثم دعا ولي العهد المجتمع الدولي إلى دعم مصر في تلبية الاحتياجات التنموية الملحة، ومساعدتها لوضع الاقتصاد على مسار مستدام. ورحب الأمير مقرن بمشاركة كل من صندوق النقد والبنك الدوليين، والمؤسسات المالية الدولية الأخرى في المؤتمر، مشيداً بما يقدمونه من مساعدات فنية ومالية لمصر، وداعياً إلى تقديم المزيد في الفترة القادمة.
وقدم شكره – بشكل خاص – لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، والمؤسسات المالية وصناديق التنمية العربية؛ وذلك لمشاركتها ودعمها الفني والمالي لمصر، متطلعاً إلى مواصلة هذا الدعم، وتعزيز الشراكات مع المؤسسات المالية العالمية لحشد الموارد المالية لدعم البرامج والمشروعات في مصر.