مع شدة اختناقها من الأزمة الاقتصادية، تمد اليونان أذرعها إلى الماضي تفتش فيه وتُخرج أوراقًا تدين ألمانيا وتطالبها بدفع تعويضات عن “جرائم نازية” ارتكبتها بحقها؛ علَّ بعض هذه الأموال تنجيها من عودة شبح الإفلاس.
فبعد 5 أعوام من المجاهدة لتخفيف الأعباء الاقتصادية والديون التي تُكبِّلها، وضيقها من عدم تقديم الاتحاد الأوروبي ما يلزمها لمساعدتها؛ هددت اليونان، الأربعاء (11 مارس 2015) باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمطالبة ألمانيا بتعويضات مالية عن الأضرار التي لحقت بها في فترة الاحتلال النازي لأراضيها 1941-1944.
وقال وزير العدل اليوناني نيكوس باراسكيفوبولوس، إنه سيعطي الضوء الأخضر لتطبيق قرار للمحكمة العليا، بقي حبرًا على ورق حتى الآن، لمصادرة ممتلكات ألمانية تعويضًا عن جرائم ارتكبها النازيون.
وقال الوزير خلال مناقشة للبرلمان: “شخصيًّا، أعتقد أنه يجب إعطاء الموافقة على تطبيق القرار، وأنا مستعد لإعطائها”.
وكان رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس، أعلن في الجلسة نفسها أنه يؤيد تفعيل لجنة برلمانية حول جرائم الحرب النازية في اليونان.
واعتبره “واجبًا حيال تاريخنا وحيال المناضلين والمناضلات في العالم أجمع الذين ضحوا بحياتهم من أجل دحر النازية”.
وتاريخ العلاقات “غير المرضية” بين اليونان وألمانيا يرجع إلى عام 1830 بعد انتهاء 4 قرون من الهيمنة العثمانية على اليونان التي أصبحت دولة مستقلة تحت رعاية القوى العظمى وقتها: فرنسا وبريطانيا وروسيا، التي قررت تنصيب ملك ألماني على اليونان.
ويقول المؤرخ أوليفييه ديبلورم لوكالة الأنباء الفرنسية، أن الملك أوثون الأول تولى حكم اليونان وهو لا يعرف شيئًا عنها، وأحاط نفسه ببافاريَّيْن (ألمانيَّيْن من ولاية بافاريا) يتوليان إدارة البلاد ومعاملة اليونانيين باعتبارهم “خدمًا”.
وأدى هذا إلى اعتبار الألمانية اللغة الرسمية في إدارات حكومية والقضاء والصحافة. وتمخض هذا الوضع عن قيام اليونانيين بطرد الملك عام 1862.
وجاءت الحقبة النازية بفصل آخر حزين للعلاقات بين الجانبين؛ حين أدت فترة الاحتلال النازي لليونان إلى “أعمال عنف وحشية”.
فقد أغرق الجنود النازيون، اليونان بالنار والدم، وتسببوا في مجاعة كبيرة -كما يقول المؤرخ اليوناني الألماني هاجن فليشر- حتى إنه خلال أحد فصول الشتاء، توفي 100 ألف يوناني على الأقل من الجوع، وأرسل النازيون أكثر من 50 ألف يهودي يوناني إلى غرف الغاز.
وقال المؤرخ أوليفيه ديلورم إن اليونانيين “كانوا يصنعون الخبز من الأعشاب، والحساء من قش المكانس”، مشيرًا إلى أن موقف الاتحاد الأوروبي الحالي من اليونان التي تعاني من إجراءات التقشف، يعيد إلى البعض تلك الذكريات.
وظهر ذلك في رسوم يونانية كاريكاتيرية للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مصورة على شكل النازي أودلف هتلر.
ولم تدفع ألمانيا تعويضات عن تلك الجرائم، كما يقول هاجن فليشر، فيما تطالب حكومة اليونان الآن بتلك التعويضات، معتبرةً إياها “واجبًا” حيال من قاوموا الاحتلال، وضحوا بأرواحهم للانتصار على النازية.
وترى معظم الأحزاب اليونانية، بما فيها سيريزا اليساري الراديكالي، أن ألمانيا كان يفترض أن تعيد إلى اليونان قرضًا أجبر المصرف المركزي اليوناني على منحه للنازيين، ودفع تعويضات حرب عن الجرائم التي ارتُكبَت في اليونان خلال الحرب العالمية الثانية.
وقالت رئيسة البرلمان زوي كوستانتينوبولوس النائبة عن حزب سيريزا؛ إن “مطلب تعويضات الحرب قضية وطنية، وإعادة تشكيل اللجنة البرلمانية يستهدف توعية الرأي العام الأوروبي وتعزيز الحجج اليونانية في هذا الشأن”.
وسبق أن قدَّرت تلك اللجنة المُشكَّلة في عام 2012، التعويضات المطلوبة بـ162 مليار يورو.
ويشمل هذا المبلغ تعويضات لبنى تحتية تم تدميرها (108 مليارات يورو بالقيمة الحالية، استنادًا إلى أرقام مؤتمر باريس الدولي في 1946)، وإعادة قرض حصل عليه النازيون بالإكراه (54 مليار يورو) بين 1942 و1944.
وردًّا على ذلك، قال شتيفن سايبرت الناطق باسم ميركل: “علينا التركيز على القضايا الحالية وعلى مستقبل بلدينا الذي نأمل أن يكون جيدًا”.
ومستبعدًا تقديم أي تعويضات، قال الناطق باسم وزير المال الألماني فولفجانج شويبله، إن إثارة مثل هذه “الانتقادات المتعلقة بالماضي لا يفيد إطلاقًا في إطار العمل الحالي الذي نقوم به مع الحكومة اليونانية”.
ويأتي هذا فيما تدفع ألمانيا للعام الـ63 على التوالي، لإسرائيل تعويضات عما عاناه اليهود من جرائم النازية/ بموجب اتفاقية تعويضات تم توقيعها في لوكسمبورج سبتمبر 1952.
وهذه التعويضات تخرج على شكل أموال وأسلحة وبضائع وغيرها من أشكال الدعم.