– أعضاء مجلس الشورى يوجهون انتقادات واسعة لوزارة التعليم لضعف برامج تدريب وتأهيل المعلمين والمعلمات.
– التساؤلات تثار حول ارتفاع نسبة المعلمين الذين أخفقوا في اجتياز اختبار الكفاءات.
– التفكك الأسري وهروب الآباء من مسؤولياتهم إلى استراحات الأصدقاء وضعف مستوى المعلمين وتراخي مؤسسات التعليم من أسباب ضعف العملية التدريبية.
– سوء اختيار أعضاء هيئة التدريس في الجامعات ساهم في جعل مخرجات التعليم الجامعي متدنية.
– د.زينب أبو طالب: أصبح الهدف الحصول على الشهادات تحت شعار “لا للعلم والتعلم”.
– قينان الغامدي: المسؤولون يتحدثون عن كم مدرسة وكم معلم وكم تلميذ ويهملون المستويات المعرفية.
– علي الرباعي: المخرجات الضعيفة تعني مجتمعات ضعيفة ومتخلفة.
على الرغم من أن التعليم في السعودية خطا خطوات إيجابية من حيث التوسع والانتشار وانخفاض الأمية؛ فإنه لا يزال لا يرقى لمستوى الطموح والتطلعات بوجود تعليم جادّ يسهم في نهوض المجتمع، وبرغم أن الميزانية المخصصة للتعليم تتجاوز 217 مليار ريال؛ فإن هناك من يرى أن المنظومة التعليمية لم تنهض بالمعلم، والمنهج الجيد، والبيئة التعليمية بشكل عام، وهناك من يؤكد أن مسارات التعليم في مدارسنا وجامعاتنا متدنية، وآخرون يلقون باللوم على الوزارة في إهمالها للدورات التدريبية والتأهيلية لمعلميها ومعلماتها من أجل جيل متعلم متسلح بالمعرفة. فما هي أسباب تدني مستويات التعليم في المجتمع السعودي، كما يتردد؟ وكيف النهوض بمخرجات العملية التعليمية؟
انتقادات مجلس الشورى
واستشعاراً لوجود مشكلة في قطاع التعليم، وجّه عدد من أعضاء مجلس الشورى -أخيراً- انتقادات واسعة لوزارة التعليم، تركزت على ضعف اهتمامها بالمعلمين؛ مطالبين بزيادة الاهتمام ببرامج تدريب، ورفع التأهيل للمعلمين والمعلمات سنوياً، وتعزيز البنود الخاصة بذلك في ميزانية الوزارة؛ معتمدين على انتقاداتهم أن هناك نسبة كبيرة من المعلمين أخفقوا في اجتياز اختبار الكفاءات.
هروب من الواقع
تواصلت مع نائبة رئيس لجنة الشؤون التعليمية والبحث العلمي في مجلس الشورى، الأستاذة الدكتورة زينب أبو طالب، التي أكدت أن التعليم في المملكة خطا خطوات إيجابية من حيث التوسع والانتشار؛ بيد أنه أصبح الحصول على الشهادة هو الأساس لدى أغلب طلبة جيل اليوم تحت شعار “لا للعلم ولا للتعلم”؛ مما نتج عنه جيل أميّ، يرى في التعلم مضيعة للوقت وفي تقنية الاتصال هروباً من الواقع إلى الترفيه المفرط والعالم الافتراضي، وقالت: “بات الانغماس في ثورة المعلومات بدلاً من استثمارها في طلب العلم، مخرجاً وهروباً من الأصوات الداعية إلى العمل، واحتراف المهن، والجد في طلب لقمة العيش”. وأرجعت أسباب تدني التعليم إلى التفكك الأسري، وهروب الآباء من مسؤولياتهم إلى استراحات الأصدقاء، وضعف مستوى المعلمين، وتراخي مؤسسات التعليم، كما لعب التنافس على حشو الدرجات في عدد من المدارس والجامعات، وتابعت: “علينا أن ننظر إلى رصيد الطالب من القيم الوطنية والأخلاقية، ومن فهمه لبعض الكلمات العربية، والنظر إلى سوء الخط وركاكة التعبير وعدم القدرة على ضبط الكلمات والإملاء بشكل صحيح؛ حيث انتقلت هذه العدوى للتعليم العالي ومخرجاته”.
مخرجات التعليم
ورأت “أبو طالب” أن بناء القيم عند الطالب تُعَدّ أهم أسباب نجاح العملية التعليمية، وتساءلت: هل وزارة التعليم تعرف ما هي القيم التي يتفق عليها المجتمع اللازمة لبناء شخصية وطنية صالحة؟ ثم أجابت قائلة: “إذا توصلت “الوزارة” إلى عدد من القيم التي يمكن قياسها والتي لا يتخرج الطالب إلا بعد تحقيقها؛ فسوف نطمئن لمخرجات التعليم في المملكة”. وبسؤالها عن مستوى الجامعات السعودية، أجابت: الجامعات الناشئة أساءت لمخرجات التعليم، يؤكد ذلك مسار البنى التحتية الهش، وسوء اختيار أعضاء هيئة التدريس الأجانب وقصور جودتهم، ومخرجات الجامعات الناشئة الضعيفة، وقالت: “هذه الجامعات بحاجة إلى خطة ميدانية لاستقطاب الأفضل لهذه الجامعات، وليست النطيحة وما أكل السبع”. وأوضحت أن هناك إشكالية تواجهها الجامعات تتمثل في كثرة الجهات التي تساهم في البحث العلمي، وتقدير الميزانيات التي تقدم لها، وتشتت الجهود بين مؤسسات التعليم وقطاعات أخرى، كما أن هناك عدم تنسيق بين مؤسسات الدولة في مجال البحوث، وعدم وجود الضمانات بمواءمة تطبيق نتائج هذه البحوث والدراسات المعملية والمخبرية، ودمجها في عجلة التنمية ومراكز الإنتاج الصناعي والدوائي، وغيرها الكثير.. ورداً على قول البعض بوجود الكثير من الجهود المبذولة في هذا الشأن، أجابت قائلة: “مع الأسف لا ترقى إلى طموحات دولة تملك إمكانيات مادية، واستقراراً سياسياً، وتسعى لأن تكون في مصافّ الدول المتقدمة”.
الكم وليس الكيف
وأرجع الكاتب قينان الغامدي تدني مستوى التعليم إلى سياسة الاهتمام بالكم وليس الكيف، وقال: دائماً ما نرى المسؤولين يتحدثون عن كم مدرسة وكم معلم وكم تلميذ والاكتفاء الذاتي؛ أما ما يتعلمه هؤلاء وإلى أي مستوى يؤهلهم، فأُهمِل بشكل لافت من قبل الجميع.
ورأى أن هناك حيرة في “التربية” حول تكثيف المواد الدينية أم العلمية؛ متناسين أن العلوم الدينية يتعلمها الطالب في المنزل والمسجد وفي كل مكان، أما العلوم الدنيوية فعلى المدرسة أن تسعى إلى تأهيل الطلبة إلى مستقبل علمي يواكب التغيرات الموجودة على مستوى العالم.
وبسؤاله عن ميزانية التعليم العالية التي تخصصها الدولة، وعلى الرغم من ذلك ليس هناك أي تحسن ملحوظ في النظام التعليمي من جهة أو جودة التدريس والمدرسين من جهة أخرى، كما يتردد، قال: ليس هناك إنفاق باهظ على التعليم؛ فأكثر من 90% من ميزانية التعليم، يُصرف على صيانة المدارس ورواتب المعلمين؛ بينما 3:4% يُصرف على المشاريع الجديدة؛ لذا فالحديث عن الميزانية الباهظة ليس في محله؛ مشيراً إلى أن ميزانية الإنفاق الحقيقي ينبغي أن تُصرف على التطوير والمشاريع.
جهة توظيف
وأكد أن الميزانية لا تتواكب مع النمو السكاني، والرغبة في التطور، وقال: تحميل أي وزير الميزانية يُعَد ظلماً كبيراً؛ فلا يوجد دعم للتعليم ولا هدف وخطة واضحة؛ معرباً عن استيائه من زيادة نسبة توجه خرّيجي الدولة إلى التعليم؛ فهناك 50% من موظفي الدولة المدنيين المسجلين يعملون في قطاع التعليم، حتى صارت وزارة التربية والتعليم جهة توظيف وليست جهة تعليم؛ ملقياً اللوم في تدني العملية التعليمية على المعلم والمنهج؛ حيث لم تتوفر العقلية الحديثة ولا المنهج المتميز.
خط عشوائي
وطالَبَ بإعطاء ميزانية مالية تكون قادرة على أن تنهض، وإعطاء صلاحيات للوزارة؛ فلا تجبر على أي مؤهل عالٍ؛ منوهاً بأن المعلم يجب أن يكون بشروط قاسية ويخضع لاختبارات صعبة حتى نجعل الدخول في هذا المجال أمراً ليس بالسهل؛ على أن يمنح أعلى الرواتب ويكون لديه اكتفاء مادي. وقال “الغامدي”: إذا أردنا أمة متحضرة فعلينا الاهتمام بالقضاة ثم المعلمين، وتأهليهم على أعلى مستوى؛ بينما ما يحدث الآن هو خط عشوائي بلا هدف ولا خطة للنهضة.. فمنذ 40 عاماً وإلى الآن لا قيمة للتعليم.
استراتيجية التعليم
أما المعلم والإعلامي علي الرباعي، فرأى أن تشخيص إشكاليات التعليم لا يمكن حصرها؛ لكون المنظّرين لهم رؤية، والدعاة لهم وجهة نظر، ورجال الأعمال يتطلعون لمخرجات بمواصفات نادرة التوفر، إضافة إلى أن الأسرة لا يعنيها إلا أن تتوفر أي وظيفة للخريج والخريجة في الغالب وراتب يسد الحاجة؛ مما يشير إلى استراتيجية التعليم. وتساءل: هل هناك استراتيجية للتعليم؟ وما أبرز مفرداتها؟ مشيراً إلى تجربته 27 عاماً في التعليم، والتي خلص منها إلى أن عدم تأصيل منهجية حقوقية للإنسان أسهم في تطاول المعلم على طلابه وبقسوة أحياناً، وحين انتبهنا لحقوق الإنسان وحاولنا تطبيقها انتقائياً بدأ الطالب يصفي حساباته مع المعلمين وينتقم لأسلافه.
وقال “الرباعي”: إصلاح التعليم يبدأ بتأصيل المهن والحرف في المرحلة المتوسطة؛ لتطبيق منهج استعادة أدوات الإنتاج، ومن ثم تعزيز قيم العمل، دون تسليع وبناء التمييز والتميز على الإنتاج؛ بيْد أننا شعب متحول من طبقات كادحة، ومنتجة إلى مجاميع استهلاكية، وفي عصرنا الاستهلاكي احتقرنا المهنة، وأهملنا الحرفة واستوردنا صيادي أسماك ليرعوا لنا الغنم والإبل. وبسؤاله عن سبل الارتقاء بالعملية التعليمية، قال “الرباعي”: هناك نوع من الممانعة عند البعض لأي مشروع تطويري؛ لافتاً إلى وجود تيار يود أن يبقى الوضع على ما هو عليه؛ علماً بأن المخرجات الضعيفة تعني تأسيس مجتمعات ضعيفة ومتخلفة؛ مؤكداً أن التطوير في العملية التعليمية ممكن، إذا تطورت أذهان القائمين على المشاريع التطويرية. وتابع: أمامنا نماذج لدول نستورد منها، ونبتعث طلابنا، وطالباتنا إليها، ونعبر عن إعجابنا بما وصلت إليه من تطور صناعي ومكانة تكنولوجية؛ بيْد أن البعض يقف حجر عثرة أمام استنساخ التجارب الناجحة ظناً منهم أن في ذلك تعارضاً مع الدين وهدماً للثوابت؛ لافتاً إلى وجود حالة من الانفصال بين ما نؤمن به نظرياً وما نطبقه عملياً.