حين منع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، تقبيل يده، إنما أراد أن يرفع من شأن المواطن السعودي عاليًا، مؤكدًا أن هذه العادة أمر دخيل على تقاليد المملكة، وقال: “إخواني، إن تقبيل اليد أمر دخيل على قيمنا وأخلاقنا، ولا تقبله النفس الحرة الشريفة، بجانب أنه يؤدي إلى الانحناء، وهو أمر مخالف لشرع الله. والمؤمن لا ينحني لغير الله الواحد الأحد”، وأضاف: “لذلك، أعلن من مكاني هذا عن رفضي القاطع لهذا الأمر، وأسأل الجميع أن يعملوا ذلك، ويمتنعوا عن تقبيل اليد، إلا للوالدين برًّا بهما”، بل إنه بعد سماعه كلمة “مولاي” في إحدى الكلمات التي ألقيت عند استقباله عددًا من الأمراء والعلماء والمشايخ وكبار المسؤولين وجموعًا من المواطنين المبايعين له حين توليه الحكم؛ قال: “يا إخوان، أحب أن أنقل إلى الأخ وإلى الإخوان كلهم أن الجلالة للرب عز وجل، والمولى هو الرب عز وجل، لا تقال لأي فرد”.
وقد نهل الملك عبد الله بن عبد العزيز من مدرسة والده ومعلمه الأول الملك عبد العزيز وتجاربه في مجالات الحكم والسياسة والإدارة والقيادة، بجانب ملازمته كبار العلماء والمفكرين الذين عملوا على تنمية قدراته بالتوجيه والتعليم أيام صغره؛ لذلك فهو حريص دائمًا على التقاء العلماء والمفكرين وأهل الحل والعقد، سواء من داخل المملكة أو خارجها.
عاش الملك عبد الله بن عبد العزيز في كنف والده الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، فعلق في ذهنه أحداث تلك المرحلة التاريخية، وهي مرحلة كانت مشحونة بالصراعات القبلية والفكرية في شبه الجزيرة العربية، بجانب التطورات السياسية في الوطن العربي وفي العالم أجمع إبان الحربين العالميتين.
فالملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود (1343 هـ/1924م)، الملك السادس للمملكة العربية السعودية، ويُلقَّب بخادم الحرمين الشريفين، وهو اللقب الذي اتخذه الملك فهد قبله، وهو الابن الـ12 من أبناء الملك عبد العزيز الذكور، وأمه هي فهدة بنت العاصي بن شريم.
في عام 1995، استلم إدارة شؤون الدولة، وأصبح الملك الفعلي بعد إصابة الملك فهد بجلطات ومتاعب صحية. وبعد وفاة الملك فهد في 1 أغسطس 2005، تولى الحكم. وإضافةً إلى كونه ملكًا للدولة،شغل منصب رئيس مجلس الوزراء، تبعًا لأحكام نظام الحكم في المملكة، القاضية بأن يكون الملك رئيسًا للوزراء، وهو يعتبر من أثرى أثرياء العالم؛ إذ ذكرت مجلة فوربس الأمريكية في نشرة لها حول أغنى ملوك العالم نُشرَت في 2010، أن قيمة ثروته تقدر بـ18 مليار دولار أمريكي. على جانب آخر، فقد صنفته المجلة آنفة الذكر في عام 2011 سادس أقوى الشخصيات تأثيرًا في العالم.
المناصب التي شغلها:
في 11 رمضان 1382 هـ/5 فبراير 1963، أصدر الملك سعود مرسومًا ملكيًّا يقضي بتعيينه رئيسًا للحرس الوطني، وهو المنصب الذي ظل يتولاه حتى 11 ذي الحجة 1431 هـ/17 نوفمبر 2010. وفي سنة 1395هـ/1975م عُيِّن نائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء ورئيسًا للحرس الوطني؛ وذلك مع تولي الملك خالد للحكم. وفي 21 شعبان 1402هـ/13 يونيو 1982، نُصِّب الأمير فهد بن عبد العزيز آل سعود ملكًا للمملكة العربية السعودية الذي أصدر في اليوم نفسه أمرًا ملكيًّا بتعيينه نائبًا أولًا لرئيس مجلس الوزراء ورئيسًا للحرس الوطني، إضافةً إلى كونه وليًّا للعهد. تولى أيضًا عددًا من المناصب الأخرى؛ هي: رئيس المجلس الاقتصادي الأعلى، ورئيس المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن، ورئيس المجلس الأعلى للمعوقين، ورئيس مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي، ورئيس نادي الفروسية في الرياض، ورئيس مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع “موهبة”.
التواصل الخارجي:
قام بالعديد من الزيارات إلى كثير من الدول في العالم، إضافةً إلى الدول العربية؛ لتوطيد ودعم علاقة المملكة العربية السعودية مع جميع الدول الصديقة، كما قام بزيارة تاريخية إلى حاضرة الفاتيكان بروما التقى خلالها البابا بندكت السادس عشر؛ لدعم الحوار الإسلامي-المسيحي، كما رأس وفد المملكة في العديد من المؤتمرات الخليجية والعربية، وفي العديد من المؤتمرات الدولية والإقليمية؛ منها مؤتمر حوار الأديان في إسبانيا الذي ترأسه، ومؤتمر حوار الأديان في الأمم المتحدة اللذان عُقدَا في عام 2008.
مبادرة السلام العربية:
من أبرز ما قام به خلال السنوات الأخيرة من ولايته للعهد، إطلاق مبادرته للسلام في الشرق الأوسط التي صدَّرها للعالم الصحفي والمفكر الأمريكي توماس فريدمان، وقدمها في مؤتمر القمة العربية التي عُقدت في بيروت عام 2002، والتي تقضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية كافةً التي احتلتها عام 1967، بما فيها الجولان والقدس الشرقية، وإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، وإزالة كل المستوطنات مقابل تطبيع عربي إسلامي كامل مع إسرائيل.
توليه الحكم:
في يوم الاثنين 26 جمادى الثانية 1426هـ/1 أغسطس 2005م، نُصِّب ملكًا للمملكة العربية السعودية، خلفًا للملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، وبُويع أخوه الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- وليًّا للعهد في اليوم نفسه.
أحداث وأعمال في عهده:
– الموافقة على انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية بعام 2005.
– الإعلان عن مشروعات اقتصادية ضخمة؛ منها مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، ومدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد، ومدينة المعرفة، ومدينة جازان الاقتصادية، ومركز الملك عبد الله المالي.
– التوسع في برامج الابتعاث التعليمي للخارج، وزيادة رواتب الطلبة المبتعثين إلى الخارج بنسبة 50%.
– التخطيط لإنشاء مدن اقتصادية في كل من رابغ وحائل والمدينة المنورة وجازان وتبوك.
– تأسيس جامعات جديدة في المدينة المنورة وتبوك وحائل وجيزان والطائف والقصيم والجوف والباحة وعرعر ونجران.
– إجراء تعديل في فقرة من فقرات النظام الأساسي للحكم بإنشاء هيئة البيعة صدر في يوم الخميس 28 رمضان 1427 هـ، وإصدار اللائحة التنفيذية لنظام هيئة البيعة بصيغتها النهائية.
– دعوة القادة الفلسطينيين من حركتي فتح وحماس إلى مؤتمر في مكة؛ وذلك لحل المشكلات بينهما، وإنشاء حكومة وحدة وطنية فلسطينية.
– توقيع اتفاقية للمصالحة بين الفصائل الصومالية المتحاربة برعايته.
– إصدار نظام القضاء ونظام ديوان المظالم بصيغة جديدة، بدلًا من النظامين السابقين.
– إنشاء الهيئة العامة للإسكان، وهيئة الخطوط الحديدية، وجمعية حماية المستهلك وشركة المياه الوطنية.
– الأمر ببدء التوسعة الكبيرة للمسجد الحرام في مكة في المنطقة الشمالية للحرم، والتوسعة في المسجد النبوي من الجهة الشرقية.
– القيام بأعمال توسعات للمشاعر المقدسة في منى ومزدلفة وعرفات.
– وضع حجر الأساس لمشروعات عملاقة في جدة ومكة المكرمة تفوق كلفتها 600 مليار ريال، تحت مسمى “نحو العالم الأول”.
– إنشاء “مستشفى الملك عبد الله للأطفال”، ليكون مركزًا عالميًّا لأمراض الأطفال، خصوصًا الأطفال السياميين.
– وضع حجر الأساس لجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن؛ وذلك في يوم الأربعاء 29 شوال 1429هـ/29 أكتوبر 2008م، وهي تعتبر أول جامعة في السعودية متكاملة خاصة بالبنات.
– افتتاح مؤتمر حوار الأديان في مرحلته الثالثة، الذي أقيم تحت رعايته في تاريخ 12 نوفمبر 2008م< وذلك أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ63 في نيويورك. وحضر المؤتمر العديد من دول العالم وأتباع الديانات المختلفة، واقترح في افتتاح المؤتمر إنشاء مؤسسة عالمية للسلام والحوار الإنساني تنبثق عن الأمم المتحدة.
– المشاركة في مؤتمر قمة العشرين الاقتصادية العالمية، التي انعقدت في واشنطن العاصمة، يوم 15 نوفمبر 2008م، وأعلن من خلالها رصد المملكة مبلغ 400 مليار ريال لمجابهة الأزمة المالية العالمية، ولدفع عجلة التنمية والنهضة في المملكة، وضمان عدم توقف مشاريع التنمية بها، ولدعم وحماية المصارف المحلية.
– إصدار الأوامر لوزارة المالية كي تتعاقد مع شركة عالمية متخصصة ببناء السفن؛ لبناء سفينتين سريعتين لنقل الركاب والمركبات بين ميناءي جازان وجزيرة فرسان.
– اهتم بالنقل؛ حيث أمر بتوسعة طريق الهدا وطريق الجنوب، وأمر بإنشاء طريق جديدة بين المدينة وتبوك.
– إصدار الأوامر بنقل المصابين من قطاع غزة إلى المستشفيات السعودية والتكفل بعلاجهم، من جراء إصابتهم من الاعتداء الإسرائيلي على القطاع، والأمر بإقامة جسر جوي لطائرات الإغاثة إلى مطار العريش بمصر تحمل أدوية ومواد الغذائية وكل المستلزمات المعيشية، كما أمر بحملة شعبية لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في أنحاء المملكة كافةً. وقد بدأت الحملة بتبرع منه قُدِّر بـ30 مليون ريال، دعمًا للحملة.
– إعلانه في مؤتمر القمة العربية الاقتصادية المنعقدة في الكويت بتاريخ 19 يناير 2009م، عن نهاية الخلافات العربية–العربية، وأنه سيتم فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الدول العربية المتخاصمة بينها، كما أكد أن مبادرة السلام العربية لن تبقى على الطاولة أكثر مما بقيت؛ لأن إسرائيل تماطل فيها، ولا تريد تنفيذها، وأنه أمام إسرائيل خياران؛ إما الحرب أو السلام، وأن العرب قادرون على الصمود والحرب لاستعادة الأرض والكرامة المسلوبة، كما أعلن عن تبرع شعب السعودية بمليار مليون دولار لإعادة إعمار قطاع غزة وتعويض أهلها عن كل ما لحقهم من دمار وتشريد، وأكد أن الدم الفلسطيني أغلى من كنوز الأرض.
– عقد لقاء مصالحة بينه وبين العقيد معمر القذافي رئيس ليبيا “وقتها”؛ وذلك أثناء انعقاد أعمال القمة العربية في قطر يوم 30 مارس 2009م، وتمت المصالحة برعاية أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بحضور رئيس وزرائه ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، إضافة إلى الأمير سعود الفيصل وزير خارجية السعودية، على الرغم من أن القذافي كان قد تهجم عليه أثناء الجلسة الافتتاحية قبل أن يطلب منه عقد الصلح.
– اهتمامه بتقنية النانو؛ وذلك بإنشاء مركز تقنية النانو بتكلفة 35 مليون ريال.
– افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية “كاوست” في 23 سبتمبر 2009م، الذي يوافق اليوم الوطني للمملكة، وحضر حفل الافتتاح العديد من رؤساء الدول والوزراء.
– إنشاء مشاريع لتسهيل الحج، مثل جسر الجمرات الجديد، وقطار الحرمين السريع للربط بين المدينة المنورة ومكة، وقطار المشاعر المقدسة للربط بين مكة ومنى وجبل عرفة ومزدلفة.
– إصدار مرسوم لإنشاء مدينة للطاقة الذرية والمتجددة؛ لتوفير مصادر بديلة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة. وكان مرسوم تأسيسها قد سماها مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة.
– إصدار أمر يقضي بحصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث والفتوى.
– افتتاح مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لسقيا زمزم بكدي.
– إنشاء “مؤسسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود العالمية للأعمال الخيرية والإنسانية”.
– إنشاء هيئة مكافحة الفساد على أن تكون مرتبطة بالملك مباشرةً.
– تخصيص 250 مليار ريال سعودي لبناء 500 ألف وحدة سكنية بجميع مناطق المملكة.
– وضع حجر أساس أكبر توسعة في تاريخ المسجد الحرام من حيث الحجم والتكلفة؛ وذلك بتكلفة تبلغ 80 مليارًا.
– قرار دخول المرأة عضوًا في مجلس الشورى والترشح والترشيح للمجالس البلدية.
– أصدر توجيهاته بتنفيذ مشروع توسعة المطاف بالحرم المكي والكفيل بزيادة الطاقة الاستيعابية من 50 ألف طائف بالساعة إلى 130 ألف طائف في الساعة.
– إنشاء 5 مدن طبية في جميع قطاعات الدولة.
– الأمر بإنشاء مدينة “وعد الشمال” الصناعية للاستثمارات التعدينية في عرعر.
– الموافقة على توسعة سكة الحديد لتشمل القطاع الشمالي، واعتماد القطاع الجنوبي ضمن خطة التنمية القادمة.
زوجاته وأولاده:
الأميرة حصة بنت عبد الله بن عبد الرحمن آل سعود (متوفاة)، وقد أنجب منها الأمير متعب الأول (توفي صغيرًا)، وتزوج الأميرة منيرة بنت محمد بن عبد العزيز آل الشيخ (مطلقة) وأنجب منها الأمير خالد، وتزوج الأميرة منيرة بنت محمد بن عبد الله العطيشان (مطلقة) وأنجب منها الأمير متعب الثاني، وتزوج الأميرة نورة بنت عجمي المنيخر (مطلقة) وأنجب منها الأمير سعود، وتزوج الأميرة سلطانة بنت عبد العزيز الأحمد السديري (مطلقة) ولم ينجب منها، وتزوج الأميرة عايدة فستق (مطلقة) وأنجب منها الأمير عبد العزيز والأميرة عادلة والأميرة علياء، وتزوج الأميرة حصة بنت طراد الشعلان وأنجب منها الأمير فيصل والأمير منصور والأميرة هيفاء والأميرة ريما والأميرة صيتة والأميرة سارة والأميرة نايفة والأميرة عبير، وتزوج الأميرة مشاعل بنت بندر بن فيصل الدويش (مطلقة) وأنجب منها الأميرة مضاوي، وتزوج الأميرة تاضى بنت مشعان الفيصل الجربا وأنجب منها الأمير مشعل والأمير تركي والأمير محمد والأمير ماجد والأمير مشهور والأميرة عريب والأميرة الهنوف، وتزوج الأميرة ملكة الجربا الشمري (مطلقة) وأنجب منها الأمير سعد والأمير سلطان والأميرة سحاب، وتزوج الأميرة طريفة الفيصل الحمود العبيد آل رشيد (مطلقة) ولم ينجب منها، وتزوج الأميرة هيفاء بنت مهنا بن عبد الرحمن آل مهنا وأنجب منها الأمير بدر والأمير بندر والأميرة بسمة، وتزوج الأميرة حصة بنت مانع بن جمعة (متوفاة) وأنجب منها الأميرة فهدة، وتزوج الأميرة العنود دحام البخيت الفايز (مطلقة) وأنجب منها الأميرة مها والأميرة جواهر والأميرة هلا والأميرة سحر، وتزوج الأميرة بينة بنت محمد بن نايف الحثلين (مطلقة) وأنجب منها الأميرة نوف، وتزوج الأميرة عمشاء بنت خليل بن قرملة (مطلقة) والأميرة نورة بنت لافي الشريم (مطلقة) والأميرة موضي بنت محمد بن فلاح آل مجفل (مطلقة) ولم ينجب منهن.
ألقى الملك عبد الله بن عبد العزيز رسالة عند تدشين جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية “كاوست” جاء فيها:
“قال الله تعالى في كتابه الكريم: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). إن هذا المبدأ العظيم يُعلي شأن مكان العلم باعتباره الوسيلة الأسمى لنشر نوره، ويحث الناس جميعًا على اكتساب العلم والمعرفة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “خير الناس أنفعهم للناس”؛ لذلك فإن أعظم الأعمال هو ما دام نفعه للأجيال القادمة. ومن هنا كان الوقف عنصرًا جوهريًّا في بناء الحضارة الإسلامية.
ورغبةً مني في إحياء ونشر فضيلة العلم العظيمة التي ميَّزت العالمَيْن العربي والإسلامي في العصور الأولى؛ فقد رأيت أن أؤسس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية على ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية.
وستمثل الجامعة، باعتبارها “بيتًا جديدًا للحكمة”، منارةً للسلام والأمل والوفاق، وستعمل لخدمة أبناء المملكة ولنفع جميع شعوب العالم، عملًا بأحكام ديننا الحنيف؛ حيث يبين لنا القرآن العظيم أن الله تعالى خلق بني آدم من أجل أن يتعارفوا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا).
وإنني أرغب في أن تصبح هذه الجامعة الجديدة واحدة من مؤسسات العالم الكبرى للبحوث، وأن تُعَلّم أجيال المستقبل من العلماء والمهندسين والتقنيين وتدربهم، وأن تعزز المشاركة والتعاون مع غيرها من جامعات البحوث الكبرى ومؤسسات القطاع الخاص على أساس الجدارة والتميز.
وسوف تتوافر للجامعة كل الموارد التي تحتاجها لتحقيق هذه الأهداف؛ حيث يجري حاليًّا إنشاء وقف دائم يديره لصالحها مجلس أمناء مستقل تتمثل فيه الإدارة الحكيمة والمسؤولة، دعمًا لروح الإبداع التي تعبر عنها الجامعة.
ويتميز الموقع الساحلي للجامعة بطبيعته الخلابة، بجانب دلالته الثقافية المهمة. وسوف تراعي الجامعة في تصميمها وبنائها وتشغيلها المحافظة على الموارد الطبيعية، وسوف تثبت بالقول والعمل التزامها بالمحافظة على سلامة البيئة.
ولمَّا كانت الجامعات التي تسعى إلى التميز، تعتمد في ذلك على تهيئة مناخ يشجع روح الاكتشاف والمبادرة، فسيكون من الأهداف الأساسية لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، تنمية وحماية حرية البحث والفكر والحوار في مجال العمل العلمي.
إن هدفنا هو إيجاد نموذج دائم للتعليم الراقي والبحث العلمي المتقدم؛ وذلك بإقامة مجمع سكني وأكاديمي كامل يتيح لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة وإدارتها وطلابها والمشاركين فيها وعائلاتهم التمتع بنطاق عريض ثري من البرامج التعليمية والخدمات الاجتماعية. كما ستكون الجامعة مكانًا يلقى فيه الزوار من داخل المملكة وخارجها كل ترحيب. ونحن إذ نوفر أساسًا متينًا لكل جوانب الحياة والعمل في الجامعة؛ فإننا نهدف بذلك إلى ضمان نجاحها في تعزيزا لتنمية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية لشعب المملكة ولشعوب العالم كله