أُحرِقت شهاداتها ودوراتها، مفتقدة حصاد سنوات من عمرها، بعد أن شَوَّه طليقها طموحها وأنهى حياتها العملية.. توفيت والدتها ثم طُلقت بعدما أنجبت ابنين -أحدهما معاق بشلل رباعي- وتوفى والدها بعد ذلك، ولم يكن لها دخل سوى 800 ريال تتقاضاه من الضمان الاجتماعي في عام 2004م، لا تكفي للعلاج أو الغذاء الخاص بابنها المعاق!
“بنّاء الشمري” شابة شاركت في جائزة إصرار 2014 بفئة رائدات الأعمال، استطاعت تحدّى الظروف بعزيمةٍ وإصرار، وأن تُحوّل حياتها من مستفيدة من الضمان الاجتماعي، إلى صاحبة أول مؤسسة إعلامية متخصصة في التصوير الفوتوغرافي والأعمال التقنية والتدريب بمنطقة حائل، وواجهت “الشمرية” تحديات كبيرة وكثيرة، خلال عشرة أعوام لم تمنعها من تحقيق حلمها.
قصة كفاح وتحدٍّ
وتحكي بنّاء الشمري قصتها لـ”عاجل” منذ البداية؛ “أحرق طليقي شهاداتي ودوراتي التي حصلت عليها من خارج المملكة في الإعلام وإدارة المواقع والشبكات، وشهادة من إحدى المعاهد المتخصصة حصلت عليها كمدربة للبرامج الإلكترونية، وكان زواجي المبكر -وإنجابي طفلين أحدهما معاق بالشلل الرباعي، وطلاقي، ووفاة والديّ- قد شكّلت صدمةً عليّ أثرت في حياتي، إضافة إلى كلام المجتمع عنّي كمطلقة، لا يحق لي ما يحق لغيري!”.
وتابعت حكي قصتها قائلة:”لم أستطع توفير مصاريف أبنائي، بعد امتناع والدهم عن الإنفاق عليهم، ولم يعد أمامي سوى العمل، في ظل عدم اكتفائي بما يصلني من الضمان في منتصف عام 2004، والذي لا يتجاوز مبلغ 900 ريال. ولم أرغب في الطلب من الناس وسؤالهم، واضطررت للبحث عن عمل -في البداية- بالمدارس بمدينة حائل، للعمل معهم ببرامج الحاسب الآلي وتطوير العمل التقني بالمدارس في عام 2005م، إلا أن غالبية ردودهم كانت أنهم لا يستفيدون من عملي، لعدم وجود أجهزة حاسب آلي في المدارس.. طرقت أبواب عديد من الجهات الحكومية للعمل معهم.. إلا أن الرفض كان الإجابة التي تصلني”.
العمل في دورات المياه
وعلى الرغم من أنها لم تكفّ عن البحث عن وظيفة تناسب خبراتها، فإنها قاومت ظروفها، ولم تجد سوى وظائف لإعداد القهوة والشاي وتنظيف دورات المياه، وقالت “بنّاء”: “لم أحتقر هذه الوظائف كما أحتقر نفسي عند سؤالهم وطلبهم المال، وأنا امرأة تستطيع أن تعمل، فذهبت للإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة حائل للإدارات النسائية، وقدمت لها خبراتي وسيرتي الذاتية، وأكدتُ لها أنني أستطيع أن أخدم الإدارة في الجوانب التقنية وصيانة أجهزة الحاسب الآلي، وكان ردّ مديرة القسم لي، أنه لا يوجد لدي جهاز حاسب آلي.. لدي وظيفة لتنظيف دورات المياه.. ووافقت فوراً، وكان الراتب آنذاك 600 ريال، ووافقت من أجل أن أنفق على أطفالي، إضافة إلى ما أتقاضاه من الضمان الاجتماعي، وأصبحت أعطي السائق 300 ريال، ويتبقى لي ما أستطيع أن أصرفه في الشهر، ولم أستطع أن أكمل في هذا العمل؛ لأنني أحضر طفلي المعاق معي للعمل، ولعدم وجود من ينتبه لهُ أثناء عملي، ولأنه ليس هناك غرفة استراحة أضع بها ابني!.. تركت العمل بعدما وجدت فرصة عمل في إحدى المدارس لإعداد القهوة والشاي للمعلمات، ويزيد راتبها 200 ريال، ولي غرفة أضع ابني فيها”.
وتضيف الشمري: “تأتي لابني حالات مرضية لا أستطيع أن أستمر معها في العمل، وتركت عملي بالمدرسة للبقاء بجانب ابني في المنزل، وعملت في عام 2007م، في أحد المستوصفات الخاصة في قسم الأرشيف، لترتيبها على جهاز الحاسب الآلي، واستمررت في العمل لأكثر من سنة، حتى مرض ابني وبقيت معه، ولعدم وجود إجازات لي أنهي عملي فوراً”.
دوامة البحث عن وظيفة
وعادت “بنّاء الشمري” مرة أخرى إلى دوامة البحث عن وظيفة، وبعد وصول خدمة الإنترنت وتوفرها بشكل جيّد في مدينة حائل عام 2008م، تقول: “سعيت لتطوير عملي وخبراتي في الكمبيوتر والإنترنت، وبدأت مشروعي الصغير من المنزل كمصورة فوتوغرافية في رياض الأطفال والمدارس وفي حفلات الزواج والحفلات النسائية الخاصة، وأقمت -في العام نفسه- ورشات عمل مع زميلاتي، لنتعلم مهارات التصوير وأحدث الطرق الجديدة.
كبرت طموحات “بنّاء الشمري” مع ابنيها وطلباتهما التي تكبر معهما، وقررت فتح مؤسسة متخصصة في التصوير الفوتوغرافي، وسبقت وقتها ورفعت طلب تصريح من وزارة الثقافة والإعلام لإنشاء مؤسسة للتصوير الفوتوغرافي والتدريب والتطوير في عام 2009م؛ ورُفض طلبها مباشرة! إلا أنها عاودت الكرّة وحصلت على أول ترخيص لمؤسسة للتصوير الفوتوغرافي والتدريب والتطوير على مستوى منطقة حائل بين الفتيات والشباب.
من عاملة إلى مالكة أول مؤسسة إعلامية
وتحكي بنّاء عن تحول حياتها خلال 10 سنوات، وتقول: “ازداد العمل في مؤسستي وزاد الدخل، ولله الحمد والمنة، أصبحت أدعم الفتيات وأموّل أعمالهن بالمال والتدريب، وتوفير الكاميرات الاحترافية وأجهزة الحاسب الآلي”.
وتضيف: “قدمت دعماً لكل فتاة يتيمة في منطقة حائل، بإقامة دورات تدريبية لهن بالتصوير الفوتوغرافي والتصميم بالبرامج، والمونتاج. وأبلغت إحدى الجمعيات الخيرية المتخصصة باليتيمات بالمنطقة، بتوفير وظيفة شاغرة لأية يتيمة يرونها مناسبة للعمل في مؤسستي، كإدارية براتب مُغرٍ”.
واليوم يعمل في مؤسسة “بنّاء الشمري” -أم عبدالملك- 4 فتيات في التصميم، و7 مصورات، و4 إداريات، 5 من الموظفات لديها مطلقات ويتيمات، احتضنتهن بعد تجربتها القاسية، وتحديها للظروف الخمسة؛ “فقدانها والديها، وطلاقها، وابنها المعاق، وعدم وجود رأس مال، وإحراق شهاداتها”، إلا أنها مضت قدماً لتحقيق حلمها، وما زالت الشمري تسعى إلى إنشاء أول معهد لتدريب الهواة في التصوير الفوتوغرافي بالمنطقة.
وتشارك “بنّاء الشمري” في مسابقة تحدي الإصرار؛ إحدى مبادرات صندوق تنمية الموارد البشرية “هدف”، التي تستهدف رواد الأعمال والموظفين من أصحاب قصص الإصرار والنجاح؛ لعرض تجاربهم لتحفيز الهام نظرائهم من الشباب، ويمكن الإطلاع على الصفحة الخاصة بها عبر الرابط :
http://israraward.com/candidate/banna_al_shammari