يصادفك شخص يبهرك بسيارته الحديثة، وهاتفه الذكي، وحين يستوقفك في محطة بنزين أو يقف بجوارك حين تخرج من إحدى البقالات، وتستقبله بابتسامة لقاء كبار الزوار في المطارات والفنادق، يصدمك سؤاله عن ما تستطيع أن تعطيه له من مال، تذوب الكلمات على شفتيك خجلاً نيابة عنه، وقد لا تعرف ماذا تقول، أو أنك تختار الحل الأسهل وهو المرجو من المتسول الـ”VIP”، أن تخرج كل ما في جيوبك وتهبه إياه.
لكن سرعان ما يقفز السؤال في رأسك، هل هذا المظهر الفخم يتماشى مع متسول؟، وسرعان ما يلحقه السؤال الثاني الذي يكون أكثر إلحاحًا “لماذا لا يبيع هذه السيارة، ويعيش منها”؟، والسؤال الأكثر وأكثر إلحاحًا، حين يقول لك هذا المتسول إنه مجرد عابر سبيل، وأمامه طريق طويل من السفر ولا يملك المال، هو إنسان بهذا الشكل، لا يوجد في معارفه من يحول له المال الذي يريده على رصيده، ويقوم هو بسحبه ببطاقة الصراف الخاصة به، لكن في الأغلب يأخذ المتسول ما يريد بسهولة من الناس.
ورغم تواصل الجهود في مكافحة التسول، إلا أنَّ الظاهرة العالمية لا تتوقف، ولا ينتهي المتسولون، ولا تتوقف المكافحة.
الإعلامي السعودي خالد الدوسري يقول “المثل يقول “الطيب ما في وشو وسم”، كيف لي أن أعرف حقيقة طالب المال؟، سأعرف قصة الرجل أولاً، وإذا اتفقت مع العقل سأساعده فورًا، على الرغم من معرفتي سلفًا أن هذه القصة قد تكون متكررة ومختلقة، ثم انظر إلى إمكاناتي، هل من الممكن أن أساعده أم لا، وقد صادفني الكثير من هؤلاء المتسولين الذين يركبون سيارات فارهة، ويحملون هواتف ذكية حديثة، ويدعون أن الطريق انقطع بهم، وسألني أحدهم أن أعطيه 100 ريال ليكمل الطريق إلى وجهته التي أتى منها، وحين قلت له أذهب معك لأعبأ لك البنزين الذي تريد لتكمل رحلتك، سبني ومشى، وقفت مندهشًا من تصرفه، وتأكدت أنه لا يحتاج إلا ابتزازي.
يتفق عيسى العيد، مع رأي الدوسري في أن المتسولين الـ”VIP” كثيرون هذه الأيام بالصورة الفجة، في الشوارع، محطات البنزين، رؤوس إشارات المرور، المستوصفات الطبية، بجوار مكائن الصراف الآلي، وغيرها الكثير من الأماكن.
وعن مصادفته لهؤلاء المتسولين الـ”VIP”، يقول العيد “في الحقيقة عدة مرات حصلت لي مثل هذه الطريقة، هدفهم واحد، مع اختلاف الوسائل، ذات مرة صادفني رجل يركب سيارة تحمل لوحات دولة خليجية مجاورة للسعودية، وكنت في محطة بنزين، وجاء لي وقال إنه على سفر وسرقت أمواله، ويريد مني مبلغًا لكي يوصله لبلده، فقلت له لا مانع عندي، لكن فقط أريد اكشف عن هويتك، فقال لي إهانة الإنسان ليست سهلة، إذا كنت تريد تعمل معروفًا ما يحتاج تكشف عن اسمي، قلت لكي يطمئن قلبي، قال إذا بتعطي خليها من جانب الله، حاول معي لكن من دون جدوى.
ويضيف العيد “ليست هذه هي المرة الوحيدة التي يصادفني فيها متسول VIP، بهذه الهيئة، فذات مساء كنت عند الطبيب في أحد مستوصفات الرياض، وصادفني أحدهم، وقال لي إن زوجته في المستوصف، وأنه يريد أن يسدد المبلغ المطلوب منه، وسرقت أمواله، وهو متورط الآن، وطلب مساعدتي، وعلى الفور سألته كم المبلغ، قال لي بسيط 500 ريال مع الدواء، قلت إذن نذهب وادفع عنك المبلغ، قال ستحرجني أمام زوجتي، اعطيني المبلغ، ودعني أذهب، قلت له إني لابد من سحب المبلغ من الصراف الآلي، قال في المحطة صراف نذهب لنسحب المال، عرفت من طريقة كلامه وأسلوبه، أنه يريد المال وأنه يبحث عن 500 ريال بأي طريق، فرفضت إعطاؤه أي نقود.
لا يتوقف الأمر عند حدود التسول الـ”vip” عند رؤوس الإشارات فقط، بل امتد أيضًا إلى الذهاب إلى أماكن العمل أيضًا، وهذا هو الأخطر، حيث يروي عثمان العنزي أنه لا يمر يوم، إلا ويسمع من أصدقائه قصص المتسولين الـ”vip”، ويقول “تقريبًا كل يوم يأتي شخص يرتدي ثيابًا فخمة، أو امرأة في عباءة قيمة، وبالطبع لا يمكن أن يعرفها أحد لأنها تغطي وجهها، وكلاهما بصحة جيدة، ويطلب المال، وبالطبع لا يقل المبلغ المطلوب جمعه عن 500 ريال بأي حال من الأحوال، وهكذا الحال، فإذا مر على 10 شركات في اليوم بسيارته التي لا أقدر أنا على شراء مثلها، فهو قد يجمع في اليوم الواحد 5000 ريال، وهذا ما يتقاضاه بعض الموظفين أصحاب الأسر عن عملهم طوال شهر كامل.
ويضيف العنزي “ليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بعد الوقوف على رؤوس إشارات المرور، ومحطات البنزين، والمستوصفات الطبية، يروي لي أحد أصدقائي وهو يعمل في إحدى الجمعيات الخيرية، أن هناك من يأتي راكبًا سيارة فخمة جدًا، ليأخذ معونة شهرية، معلنًا عن تعجبه، وفي الوقت نفسه، يأتي كثيرون يطلبون وقف الإعانة لأن الله فتح عليهم من أبواب الخير ووجدوا عملاً يعيشون منه”.
ظاهرة ممجوجة
يؤكد المستشار الاقتصادي الدكتور إحسان بوحليقة أنَّ التسول المعروف الآن في المملكة بالـ”VIP” لا يعتبر ظاهرة، بقدر ما هو ممارسة ممجوجة، فعادة من يتسول من الناس هو من تجاوز حدود الفاقة والفقر الشديد، وهذا بالتأكيد فيه اهدار كبير من الكرامة، أمَّا من تصادفه يركب سيارة فخمة ويتسول وهو داخلها، فهذا الأمر يثير الكثير من التساؤل، لماذا لا يبيع سيارته أو هاتفه الذكي؟، والأغرب أن بعضهم يذهب ويتسول في البيوت، بالضغط على أصدقائه ومعارفه، مدعيًا أنه يحتاج المال بصورة رهيبة، وهذا أمر جدًا صعب.