أكدت صحيفة “فايننشيال تايمز”، في مقال نشرته بتاريخ (30 ديسمبر 2014)، أن أزمة النفط الحالية تعد حدثًا تاريخيًّا لا يمكن أن ينسى، موضحةً أن هذا لا يرجع إلى حجم التغير الكبير فقط الذي طرأ على أسعار النفط العالمية، بل إلى ما أكده أيضًا من أن المملكة لا تزال هي المسيطر الأقوى على سوق النفط رغم كل التغيرات التي طرأت على سوق النفط في الآونة الأخيرة، ومن أن مصالح المملكة كانت هي الدافع الرئيس المحرك للمملكة في كل ما اتخذته من قرارات حول رفع أو خفض إنتاجها من النفط.
وحسب الصحيفة، فإن أزمة عام 2014 تغاير جميع أزمات أسعار النفط التي واجهها العالم في السنوات الماضية؛ ففي عام 2008 -2009 كان العالم بأسره يمر بأزمة مالية تسببت في حدوث انكماش حاد في النمو الاقتصادي؛ ما تسبب في تزايد الطلب العالمي على النفط، ومن ثم وافقت المملكة على اتخاذ القرار المطلوب منها ما دام الأمر لن يؤثر بالسلب في مصالحها واقتصادها.
أما في أزمة عام 2014، فقد وجدت المملكة نفسها أمام مشهد مختلف تمامًا؛ فالأزمة هذه المرة نابعة من الداخل؛ فقد ارتفع المخزون العالمي من النفط وتراجع الطلب وكثر عدد الدول المستقلة المصدرة للبترول التي لا تنتمي إلى منظمة الأوبك؛ ما دفع المملكة إلى أخذ الإجراء الأصلح لها دون السماع لمناشدات الآخرين.
وأفادت الصحيفة بأن القرار الذي اتخذته منظمة أوبك بالمحافظة على سقف إنتاجها كما هو؛ جاء لينهي كل الجدل الذي أثاره عدد من المتخصصين في مجال النفط حول مدى قدرة “أوبك” على التأثير في سوق النفط العالمي عقب ظهور النفط الصخري بالولايات المتحدة الأمريكية. وأكدت الصحيفة أن أحدًا لم يكن يتصور حدوث هذا الهبوط الحاد في أسعار النفط بسبب تخلي المملكة عن اتخاذ أي إجراء لمنع سعر برميل البترول من الهبوط.
وامتدحت الصحيفة قرار المملكة قائلةً إن قرار المملكة الشجاع بترك أسعار النفط تهبط في السوق العالمي، ساعدها على الحفاظ على حصتها في السوق العالمي، على الرغم مما قد يعتقده البعض من أن المملكة تكون بهذا خالفت أبسط قواعد الاقتصاد التي تقول بأن المنتج عليه دائمًا أن يسعى وراء الربح الأعلى.
ولفت المقال أيضًا إلى أن المملكة آثرت بقرارها هذا ترك الربح السريع الذي كانت ستحصله من عوائد النفط المرتفعة من أجل خدمة أهداف لها أبعد وأهم، وهي الحفاظ على حصتها بالسوق والحد من قدرات منافسيها الجدد.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذه الأزمة كانت بمنزلة الصدمة التي نبهت بعض القوى العالمية إلى أن موافقة منظمة أوبك -وعلى رأسها المملكة العربية السعودية- على كل ما تريده هذه القوى لخدمة اقتصادها؛ ليس أمرًا مُسلًّمًا به، بل ستأتي حتمًا أوقات تتضارب فيها مصالح المملكة والدول الأعضاء في منظمة أوبك مع مصالح سائر القوى العالمية. وهنا حتمًا ستغلب المملكة ومنظمة أوبك مصلحتها على مصلحة الجميع.