نشر حقوقيون بيانًا قانونيًّا، ردًّا على بيان أمانة محافظة جدة وتصريح شركة المياه الوطنية اللتين تنصلتا عن مسؤوليتهما عن حادث شارع التحلية بجدة، الذي راح ضحيته أب وابنه (5 سنوات)، أثبتوا فيه عدم سلامة بيان الأمانة وتصريح شركة المياه من الناحيتين القانونية والشرعية، وأنه يمثل تهربًا من الوقعة، مطالبين بمحاكمة عامة وعلنية للمسؤولين إداريًّا في أمانة محافظة جدة وشركة المياه.
وأوضح البيان القانوني، الذي أعده فريق “حقوقي” متخصص، أن شركة المياه تتولى المسؤولية الأولى في الإشراف والرقابة على غرفة الصرف الصحي (بئر الحادثة)، وأن أمانة محافظة جدة تتولى جانبًا عامًّا وإضافيًّا في الإشراف والرقابة. أما مالك المشروع فعليه مسؤولية تعويض المتضررين.
وأضاف البيان أنه ينبغي التفريق بين المسؤولية الإدارية التي هي على عاتق شركة المياه الوطنية وأمانة محافظة جدة بالإشراف والرقابة تجاه مالك المركز التجاري، وبين المسؤولية المدنية (التعويض) الذي يستحقه الضحايا والمتضررون من قبل مالك المركز.
مسؤولية شركة المياه الوطنية
ذكر البيان أن شركة المياه هي المسؤولة الأولى والخاصة عن عدم مراقبة غرفة الصرف الصحي (البئر) الواقعة في نطاق المركز التجاري التي وقع فيها الضحيتان، مع عدم إخلاء الأمانة من المسؤولية؛ وذلك بناءً على أن القوانين التي تخص غرف الصرف الصحي تشير في مسمياتها إلى جهة تسمى “مصلحة” المياه والصرف الصحي. هذه المصالح اختلفت تبعيتها بمرور الزمن؛ فقد كانت يومًا تحت إشراف وزارة الشؤون البلدية والقروية قبل عام 1423هـ، ثم تحت إشراف وزارة المياه والكهرباء. وحاليًّا تم نقل بعضها إلى شركة المياه الوطنية في المدن الرئيسية كمدينة جدة. وهذه التغييرات لم يلحقها تحديث للقوانين واللوائح الصادرة، وتوضيح للممارسات والإجراءات المطلوبة التي تنظم عمل واختصاصات هذه الأجهزة وعلاقة بعضها ببعض. ومع ذلك، فإن أي إشارة لمصلحة المياه والصرف الصحي في القوانين فإنها تعني بذلك شركة المياه الوطنية في كل من المدن التي تعمل بها الشركة، كمدينتي جدة والرياض. والنصوص القانونية ألزمت الشركة بالإشراف والرقابة على غرف الصرف الصحي، حتى وإن كانت تخضع لملكية خاصة. والنصوص القانونية هي:
1- نظام مياه الصرف الصحي المعالجة وإعادة استخدامها، المادة التاسعة، نصت على أنه “للمراقبين المعتمدين التابعين لمصالح المياه والصرف الصحي أو البلديات، الذين يحملون بطاقات شخصية تثبت صفتهم الرسمية- الحق في أن يدخلوا مواقع تجميع مياه الصرف الصحي في المنشآت العامة أو الخاصة، بقصد التفتيش والمراقبة والقياس وأخذ العينات والاختبارات المتعلقة بالتصريف، بما يتفق مع هذا النظام ولوائحه التنفيذية”.
ويتضح من هذه المادة الالتزام المفترض على شركة المياه عبر المراقبين العاملين لديها بأن يتأكدوا من سلامة موقع تجميع مياه الصرف الصحي.
2- لائحة الاشتراطات الفنية لأغطية خزانات المياه والصرف الصحي:
(صدرت التعليمات المنظمة لاشتراطات أغطية خزانات الصرف الصحي بقرار من وزير الشؤون البلدية والقروية رقم 6788/6/وف في 11/2/1420هـ) موجه إلى الأمانات ومصالح المياه والصرف الصحي. وقد وضعت اللائحة تسعة اشتراطات لتأمين خزانات المياه والصرف الصحي ليتم تنفيذها من كل من الأمانات ومصالح المياه والصرف الصحي. ومن هذه يتضح مرة أخرى أنه يقع على عاتق شركة المياه اتباع التعليمات والإشراف والرقابة على الخزانات.
3- اللائحة التنفيذية لنظام مياه الصرف الصحي المعالجة وإعادة استخدامها، مادة (4-4) فقرة (1)، التي تخص ترخيص إنشاء خزان تحلل أو خزان تجميع، تنص على أنه “يجب الحصول على ترخيص من وزارة الشؤون البلدية والقروية لإنشاء خزان تحلل أو تجميع لمياه الصرف الصحي”.
ونصت المادة على جهة “وزارة الشؤون البلدية والقروية”؛ حيث إنه عند صدور اللائحة كانت وزارة الشؤون البلدية والقروية هي المسؤولة عن مصالح المياه والصرف الصحي، لكن بعد صدور اللائحة والنظام بعدة سنوات تم نقل مصلحة الصرف الصحي إلى وزارة المياه ثم إلى شركة المياه الوطنية كما تم إيضاحه، فألزمت المادة وجوبًا أن يتم الحصول على ترخيص من الشركة عند إنشاء خزان تجميع مياه الصرف الصحي كالذي سقط فيه الضحيتان. والجهة التي تصدر الترخيص هي الجهة المسؤولة عن الإشراف على الشيء المرخص له.
4- لوائح خدمات شركة المياه الوطنية – شروط تقديم طلب توصيلة صرف صحي، تنص في الفقرة رقم (3)، على أنه يلزم “تركيب أغطية آمنة على خزانات المياه والصرف الصحي (البيارات) من النوعية المخصصة لهذا الغرض، مزودة بشبك حماية مثبت في إطار الغطاء يحول دون وقوع حوادث بإذن الله”.
وهنا يتضح حتى من لوائح خدمات الشركة الموجودة على موقعها الإلكتروني، أن الشركة تشترط تركيب أغطية آمنة على غرف الصرف الصحي؛ ما يعني أنها مسؤولة عن الإشراف عنها وتقع تحت اختصاصها.
واستنتج البيان القانوني من النصوص القانونية السابقة، أن شركة المياه الوطنية هي المسؤولة الأولى عن مراقبة وإشراف غرف الصرف الصحي، سواء كانت تقع في نطاق ملكية عامة أو خاصة، وتعطي هذه النصوص صلاحية التفتيش والمراقبة، وكذلك تلزم عملاء الشركة بالالتزام بالأغطية الآمنة للخزانات؛ كل ذلك يعني أن الشركة هي المسؤولة في الإشراف والرقابة فعليًّا. وإنه لمن المفارقات أن المقر الرئيسي لشركة المياه الوطنية في جدة يقع في شارع التحلية نفسه بالقرب من موقع الحادثة المأساوية.
مسؤولية أمانة جدة
وكشف البيان أن أمانة محافظة جدة مسؤولة مسؤولية عامة عن الإشراف والرقابة على غرفة الصرف الصحي، مع عدم إخلاء شركة المياه الوطنية من المسؤولية؛ وذلك بناءً على النص القانوني التالي:
5- نظام البلديات والقرى (مادة 5) (والصادر بالمرسوم الملكي رقم م/5 في 21/2/1397هـ) نص على أنه “مع عدم الإخلال بما تقضي به الأنظمة من اختصاص عام لبعض الإدارات أو المصالح؛ تقوم البلدية بجميع الأعمال المتعلقة بتنظيم منطقتها وإصلاحها وتجميلها والمحافظة على الصحة والراحة والسلامة العامة، ولها في سبيل ذلك اتخاذ التدابير اللازمة، خاصةً في النواحي التالية: (2)- الترخيص بإقامة الإنشاءات والأبنية وجميع التمديدات العامة والخاصة ومراقبتها”.
واستنتج البيان القانوني أن هذا النص يشير إلى أنه رغمًا عن وجود اختصاص لبعض الجهات الأخرى كشركة المياه الوطنية (مصلحة المياه)، فإنه “واجب” على البلدية (الأمانة) القيام بجميع الأعمال اللازمة للمحافظة على السلامة العامة باتخاذ التدابير اللازمة. وكما نصت الفقرة الثانية من المادة، فإنه لا ينتهي الإشراف بحدود الترخيص، بل يتعدى ذلك إلى المراقبة اللازمة.
إضافةً إلى ذلك، قال بيان الأمانة إن الحادثة وقعت في نطاق ملكية خاصة (المركز التجاري)، وإن هذا يعني مسؤولية مالك المركز. ودحضًا لهذه الحجة، ينبغي إيضاح أن الملكية الخاصة لا تعفي صاحبها من تدخلات الجهات الإدارية لتنفيذ ومراقبة تطبيق القوانين المعنية؛ فلا يعني أن أرضًا أو مبنى مملوكًا لشخص خاص كالمباني السكنية أو التجارية، أنهم لا يخضعون لرقابة وإشراف الجهات الإدارية كالأمانة ومديرية الدفاع المدني وغيرهما؛ فالبلديات هي من تراقب مسبقًا توافق المخططات والإنشاءات مع الاشتراطات واللوائح. وزيادةً على ذلك، إن كانت المنشأة منشأة تجارية فإن سلطة البلديات والأمانة تتوسع طبقًا لطبيعة المنشآت التجارية. وبناءً على ذلك، تقوم البلديات بمراقبة المخالفات وفرض الغرامات، تطبيقًا للاشتراطات وحفاظًا على السلامة العامة؛ فكيف إن وجد في منشأة تجارية أمام شارع حيوي بئر مفتوحة من شأنها تهديد السلامة، ألا يكون للأمانة أي مسؤولية؟! خصوصًا أن البئر تكمن في مساحة غير مغلقة أو مسوّرة، بحيث يمكن تفادي الضرر أو تحجيمه ومن ثم تحجيم مسؤوليته، لكن بحكم أن الأرض مفتوحة للمارة، فإن ذلك يضع تركيزًا للمسؤولية على الأمانة وشركة المياه الوطنية بالطبع.
كما كشف البيان أنه بناءً على كل سبق، يتضح أن البيان التوضيحي للأمانة وتصريح شركة المياه الوطنية لا يقومان على أسس الواقع والمنطق والقانون، وأن هنالك نوعًا من التباعد وعدم التحديد بين صلاحيات الأمانة وبين صلاحيات شركة المياه، وأن شركة المياه حتمًا مسؤولة مسؤولية إدارية بالرقابة والإشراف على البئر الكامنة داخل حدود المركز التجاري، وتشترك في ذلك أمانة محافظة جدة.
الجزاءات
وأضح البيان أن تحديد الجزاءات بناءً على نتائج التحقيق، لكن من حيث المسؤولية المدنية (التعويض)، فإنه غالبًا يكون مالك المركز التجاري مسؤولاً عن تعويض المتضررين والضحايا، حتى في حالة إن كانت البئر قد تركت مفتوحةً من قبل أحد موظفي المركز التجاري، فإن ذلك يرتب المسؤولية على المالك وفقًا للقاعدة القانونية: “المتبوع مسؤول عن أعمال تابعه”.
وأضاف: “إذ ظهر من نتائج التحقيق أن البئر قد تركت مفتوحةً -وهذا ما قد يصنف جنائيًّا بالقتل الخطأ- فإن على مالك المركز دفع الدية، وينبغي للقضاء تعويض الزوجة عن الضرر المعنوي من هذه الحادثة الشنيعة، وعلى القضاة التوسع فقهيًّا في ذلك؛ حيث إن الأحكام الصادرة بالتعويض عن الضرر المعنوي نادرة جدًّا. وهذا ما يخص الضحايا”، مضيفًا أنه “من حيث المسؤولية التقصيرية، فإنه يجب أن تتم محاكمة المسؤولين في أمانة جدة وشركة المياه على عدم الإشراف والمراقبة، وإيقاع الجزاء الرادع. وهذا هو ما يهم الشأن العام وعموم المجتمع”.
واختتم البيان القانوني، أن الحوادث المأساوية الناتجة عن سوء الخدمات العامة وتقصير الجهات الإدارية، لا يمكن تفاديها بالرقابة الحكومية فقط، ولا باللجوء إلى المحاكم فقط. إن الحلول الجذرية تتطلب تدخلاً إصلاحيًّا؛ وذلك بإيجاد وتمكين رقابة مجتمعية تكمن في إعطاء المجالس البلدية صلاحيات فعلية على أعمال البلديات، وكذلك تمكين رقابة عبر مجالس محلية ومجالس مناطق تمثل المواطنين بالدرجة الأولى، لا مندوبي الجهات الحكومية فقط، كذا محاكمة عامة وعلنية للمسؤولين إداريًّا في أمانة محافظة جدة وشركة المياه، وكل من كان متسببًا في الحادثة؛ فإن كان التعويض المادي يهدف إلى جبر الضرر على ذوي الضحايا، فإن المحاكمة العلنية والخطوات الجادة لتفادي تكرار الحوادث الشبيهة مستقبلاً؛ هي ما ستصب في جبر حالة القلق والإحباط العام لدى العموم؛ لهذا السبب يرتكز عموم الناس على نقد الأمانة وتوجيه الاتهام إليها لا إلى مالك المركز التجاري.