“الحج” فريضة يحلم بأدائها ما يزيد على مليار مسلم، ويجتمع على شعائرها أكثر من ثلاثة ملايين مسلم، يتهافتون من كل أصقاع الأرض بمختلف الأشكال والألوان والأجناس والثقافات والسلوك؛ صغاراً وكباراً، شيباً وشباباً؛ ليتموا آخر أركان الإسلام التي أمر بها الله مَن استطاع إليها، وليغنم الحاج بما لهذه الفريضة من منافع روحانية وإلهية، ذكرها الله عز وجل في كتابه الحكيم، وتحدث عنها نبينا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة؛ ومنها ما ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “مَن حج ولم يرفث، ولم يفسق، رجع من ذنوبه، كيوم ولدته أمه”؛ لِما لركن العبادة هذا من فضائل ويختص بممارسات وأفعال محددة، يقوم بها الحاج، وأذكار وأقوال يتلفظ بها أثناء أدائه مناسكه، تجد هناك الكثير من الأفعال والأقوال والمعتقدات الدينية والممارسات التي يحملها ويمارسها بعض ضيوف الرحمن، والتي لا تنصب في سياق الخطوات المعروفة والأقوال المذكورة للحاج معتقدين بأنها تزيد من التقرب لله.
تنتج تلك الأفعال والأقوال والممارسات التي يتبعها الحاج؛ إما من خلال الأمانات والوصايا أو الرسائل التي يحملها من ذويه وأقاربه، والتي أحياناً ربما توقعه في إثم غير مقصود، وكذلك مِن تَسَابُق وتَدَافُع الحجاج للإمساك بباب الكعبة المشرفة بقصد الدعاء؛ مما يتسبب في إيقاع ضرر نتيجة زحام المكان”.
دعاء النظرة الأولى
يوصي عدد كبير من حجاج بيت الله الحرام -وعلى سبيل المثال وليس الحصر- “أهل بلاد الشام ومصر” بعضهم البعض بالتوقف أثناء دخول الكعبة، وإغماض العينين قبل رؤيتها، ثم الدعاء مباشرة لدى رؤيتهم لها؛ وذلك بقصد أن دعاء النظرة الأولى للكعبة المشرفة مستجاب أياً كان نوع الدعاء ودلالته.
حيث قال عضو الجمعية العلمية السعودية للعقيدة والأديان والفرق والمذاهب الدكتور الشيخ إبراهيم الزبيدي إن الاعتقاد والقول بأن أول ثلاثة أدعية يدعو بها المسلم عند رؤية الكعبة المشرفة لأول مرة مستجابة، لا أصل له، ولا يوجد حديث في تخصيص ذلك”.
وأضاف “الزبيدي” مبيناً أنه لم يَرِد في الشريعة أن هناك دعاء مستجاباً عند رؤية الكعبة؛ ولكن بعض العلماء ذكر أن الدعاء عند رؤية “الكعبة” مطلوب ومستجاب؛ مستدلين بما رواه “البيهقي” و”الطبراني” في كتاب “تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير”، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تُفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربع مواضع: عند التقاء الصفوف، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلاة، وعند رؤية الكعبة “، وقال “المناوي” في فيض القدير: “قوله عند رؤية الكعبة؛ المراد أول ما يقع بصر القادم عليها”.
وتابع “الزبيدي” قائلاً: “لكن هذا الحديث ضعيف ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم هنا دعاء خاص؛ ولكن قد يستأنس بما ثبت عن بعض الصحابة ولم يوجد لهم مخالف؛ فلو رفع يديه عند رؤية الكعبة ودعا بما تَيَسّر فلا بأس؛ لثبوته عن ابن عباس رضي الله عنهما وإن دعا بدعاء عمر رضي الله عنه: “اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام”؛ هذا حسن لثبوته عن عمر ، واما قول بعضهم عند رؤية البيت الحرام ” اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابة وبراً”؛ فلا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل هو “موضوع” وكذب.
أحكام تتعلق بالكعبة
وأشار “الزبيدي” إلى أن هناك مجموعة من الأحكام التي تتعلق بالكعبة المشرفة وقد ورد اسمها صريحاً في القرآن: {جعل الله الكعبة البيت الحرام}، وسماها “البيت العتيق” {وليطوفوا بالبيت العتيق}، وقد جعل الله لها من الحرمة والتقديس ما لم يجعله لمكان غيرها على وجه الأرض؛ ومن ذلك الطواف حولها؛ إذ لم يأذن الله لأحد بالطواف في بنيان غير الكعبة، وأمر خليله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام بتطهير بيته الحرام وجعل الطواف حولها ركناً على كل حاج ومعتمر، ورغّب فيه فيما عدا ذلك.
ويقول “الزبيدي”: “إن الكعبة قبلة المسلمين أحياء وأمواتاً، والنهي عن استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة بغائط أو بول، واستحباب الصلاة داخل الكعبة لمن تيسر له ذلك؛ هذا في النفل؛ أما الفريضة فبيّن أهل العلم خلافاً في جواز الصلاة داخلها، والصلاة في الحجرة صلاة في داخل الكعبة لأنه جزء منها؛ فيأخذ حُكمها والله أعلم.
وصايا ورسائل
يلجأ عدد كبير ممن لا يستطيعون تأدية فريضة الحج لعدة أسباب؛ منها: عدم القدرة المادية أو نتيجة سياسات بعض الدول في تحديد أعمار حجاجها إلى تحميل أقربائهم وأصدقائهم المغادرين لبيت الله الحرام رسائل ورقية يكتبون فيها عدداً من الحوائج والوصايا الدنيوية؛ لوضع تلك الرسالة إما عند قبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أو بجوار الكعبة؛ بهدف التوسل في عظمة المكان، أو حتى الطلب بالدعاء في أماكن محددة فقط كونها تستشرف بالإجابة.
حيث يقول الشيخ الدكتور راشد الزهراني: “إن في مثل هذه الحالات من التوسل لا بد من معرفة أن التوسل هو اتخاذ وسيلة توصله إلى المقصود؛ وهو على قسمين؛ الأول: التوسل الشرعي مثل: التوسل بأسماء الله تعالى، والإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم، والتوسل بالعمل الصالح ونحوها مما أقرته الشريعة”.
الثاني: “توسل غير شرعي وهو اتخاذ وسيلة لم يثبت كونها وسيلة شرعًا، ومن ذلك إرسال (قصاصات ورقية عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر أحد أصحابه لقضاء الحاجة)، وهذا من الغلو في الدين الذين نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: “إياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين” أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه.. وهو من المحدثات في الدين، كما قال صلى الله عليه وسلم: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” رواه البخاري ومسلم.. وفي رواية لمسلم: “من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد”.
وتابع “الزهراني” قائلاً: “قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قَصْد قبر بعض الصالحين للصلاة عنده والدعاء أو طلب الحوائج منه أو من الله عند قبره، أو الاستغاثة به أو الإقسام على الله به ونحو ذلك من البدع التي لم يفعلها الصحابة ولا التابعون، ولا سنّ ذلك لنا رسول الله ولا أحد من خلفائه، وقد نهى عن ذلك أئمة المسلمين الكبار”.
إمساك باب الكعبة
يتسابق ويتدافع الحجاج للإمساك بباب الكعبة للدعاء؛ معتقدين أن الدعاء يكون أكثر استجابة في قضاء الحاجة عند الإمساك به، مثل دعاء المرأة العقيم وغيرها من الأمور؛ ومما قد يتنج عن هذا التدافع والتسابق ضرر بالحجاج الآخرين.
حيث بين “الزهراني” قائلاً بخصوص ذلك: “الذي ورد في ذلك الدعاء عند الملتزم والأشهر من أقوال أهل العلم، أن المراد به ما بين الحجر الأسود والباب، وهو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى27/ 129-130: (والدعاء مستجاب عند نزول المطر، وعند التحام الحرب، وعند الأذان والإقامة، وفي أدبار الصلوات، وفي حال السجود ودعوة الصائم ودعوة المسافر ودعوة المظلوم وأمثال ذلك؛ فهذا كله مما جاءت به الأحاديث المعروفة في الصحاح والسنن والدعاء بالمشاعر؛ كعرفة ومزدلفة ومنى والملتزم ونحو ذلك من مشاعر مكة، والدعاء بالمساجد مطلقاً، وكلما فضل المسجد كالمساجد الثلاثة كانت الصلاة والدعاء فيه أفضل)،
وقال أيضاً في مجموع الفتاوى 26/ 142-143: (وإنْ أحبَّ أنْ يأتيَ الملتزم -وهو ما بين الحجر الأسود والباب- فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه، ويدعو ويسأل الله تعالى حاجته، فَعَل ذلك، وله أنْ يفعل ذلك قبل طواف الوداع؛ فإنَّ هذا الالتزام لا فرق بين أنْ يكون حالَ الوداع أو غيره، والصحابة كانوا يفعلون ذلك حين دخول مكة، وإنْ شاء قال في دعائه الدعاء المأثور عن ابن عباس: اللهمَّ إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سخّرتَ لي مِن خلقك، وسيرتَني في بلادك حتى بلّغتَني بنعمتِك إلى بيتِك وأعنتَني على أداء نسكي؛ فإنْ كنتَ رضيتَ عني فازدَدْ عني رضاً؛ وإلا فمِن الآن فارض عني قبل أنْ تنآى عن بيتك داري؛ فهذا أوان انصرافي إنْ أذنتَ لي، غير مستبدلٍ بك ولا ببيتِك، ولا راغبٍ عنك ولا عن بيتِك.. اللهمَّ فأصحبني العافيةَ في بدني، والصحةَ في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتَني، واجمع لي بين خيريْ الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير. ولو وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسناً) وعلى هذا؛ فالالتزام لا بأس به ما لم يكن فيه إلحاق الأذى بالمسلمين.
ابتلاع خيوط الكعبة
ما زال عدد من حجاج شرقً اسيا يتزاحمون ويتدافعون؛ بهدف الوصول إلى ستار الكعبة للحصول على خيوط من الستار وابتلاعها؛ بقصد التبرك بها؛ ما ينتج عن تلك البدعة من تزاحم شديد قد يوقع الأذى بعدد كبير من الحجاج؛ حيث قال عضو الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب وكيل كلية المجتمع بمحافظة حريملاء الدكتور “نهار بن عبدالرحمن العتيبي: “ابتلاع خيوط الكعبة من البدع؛ وذلك لأن التبرك عبادة لا بد لها من دليل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”.
وتابع “العتيبي” وفي رواية: “مَن عَمِل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد”، والواحب على كل مسلم يرى مثل هذه البدع أن يُناصح من يفعلها، كما أن الواجب على المسؤولين أن يجتهدوا في منعها؛ لئلا يعتقد الجهال من المسلمين أنها عبادة فيفعلوها؛ فتنتشر تلك البدعة التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان”.
وأضاف “العتيبي” مبيناً أن التبرك بالآثار أو الأشخاص هو عبادة من العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه سبحانه وتعالى؛ لكن هناك تبرك مشروع، وهو ما دل الدليل عليه؛ كتبرك الصحابة بآثار النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، أما بعد وفاته فلا يجوز التبرك بقبره ولا ما يُدّعَى وجوده من آثاره، والدليل على جواز التبرك بآثاره في حياته صلى الله عليه وسلم هو فعل الصحابة رضي الله عنهم، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك.
أما التبرك الممنوع الذي نص أهل العلم على تحريمه؛ فهو التبرك بالآثار أو الأشخاص التي لا دليل على جواز التبرك بها؛ مثل أحجار الكعبة باستثناء الحجر الأسود؛ فإنه يستحب المسح عليه وتقبيله، وكذلك الركن اليماني؛ فإنه يستحب المسح عليه أثناء الطواف دون تقبيله.
دورات في المساجد
يقول الشيخ أحمد الحمد رئيس حملة “ضيوف الرحمن من بلاد الشام”: هناك العديد من الأفكار والوصايا التي يحملها عدد من الحجاج والتي نلاحظها أثناء وصولهم إلى عدد من المشاعر المقدسة؛ ومنها محاولة وضع عدد من الرسائل تحمل حاجات وأمنيات لأصحابها وغيرها من الأمور”.
وأضاف “الحمد” إننا كرؤساء أفواج وأمناء حملات حج، نعمل منذ اليوم الأول من صدور أسماء الحجاج في بلادنا على برامج ودورات تدريبية وتوعويه؛ حيث نقوم بالاجتماع بهؤلاء الحجاج بالمسجد، ونقوم بشرح دروس عدة في طرق إتمام الحج الصحيح الذي يخلو من أي شائبة؛ حيث نعمل على شرح كيفية الطواف والإفاضة، بالإضافة إلى توزيع عدد من الكتيبات التي تعمل حكومة خادم الحرميين الشريفين على طباعتها وتُوَزّعها وزارة الحج -مشكورة- بهدف إبعاد الحاج عن كل الأمور التي ربما تُعَكّر صفو رحلة العمر، وقد تضر بالآخرين؛ مثل التدافع لإمساك الحجر الأسود وتقبيله أو التدافع لإمساك باب الكعبة، في ظل أعداد هائلة من الحجاج.
دور توعوي
تعمل وزارة الحج -بالتعاون مع العديد من الجهات- بتوعية عموم حجاج بيت الله الحرام في مختلف الوسائل؛ حيث اعتبر مستشار وزير الحج والمتحدث الرسمي للوزارة “حاتم حسن قاضي” في حديثه أن قضية التوعية بالنسبة لوفود الرحمن هي قضية هامة، ويترتب على عدم العناية بها العديد من المشكلات.
وتابع “حاتم” قائلاً: “تحرص وزارة الحج في كل عام منذ أول لقاء مع ممثلي الحجاج للموسم القادم، والتي تبدأ في كل عام في شهر ربيع الأول مع عموم بعثات الحج التي تُسمى حالياً “مكاتب الحج الخارجية”، وتستمر حتى نهاية جمادى الثانية، ويحظى موضوع التوعية -بكل أبعادها- بنصيب وافر من البحث؛ لأهمية أن تبدأ بها الدول التي يقدم منها الحجاج في أوقات مبكرة”.
وأضاف “حاتم”: “هناك العديد من البرامج التوعوية التي يستفيد منها الحجاج، وفي مقدمتها برامج التوعية النسكية لعموم الحجاج قبل وصولهم للديار المقدسة، ثم برامج التوعية الصحية، ثم برامج التوعية بالأمن والسلامة، ثم برامج التوعية الإدارية، ويشمل ذلك التقيّد بتعليمات التفويج في كل مراحل الحج ثم برامج التوعية البيئية”.
وأردف “حاتم” مبيناً أن هناك جملة من البرامج تُعِدّها الوزارة، وتزود بها ممثلي الحجاج عند قدومهم؛ ليعودوا بها لبلادهم ويعملوا بها وِرَش عمل مختلفة في مختلف أقاليم قدوم الحجاج.
وقد أكد المتحدث الرسمي ومستشار وزارة الحج حاتم حسن قاضي حرص وزارته على تقيد المسؤولين عند قدوم الحجاج، بالتعليمات التوعوية، بعد أن وجّه وزير الحج الدكتور “بندر حجار” بأهمية تسليم حقيبة توعوية شاملة لجميع متطلبات التوعية لجميع ممثلي الحجاج قبل قدومهم؛ ومن بينها إرشادات تخص مؤسسات الطوافة، وتعليمات تخص وزارة الحج وغيرها.
كما أشاد المتحدث الرسمي بتعاون جميع الجهات المشاركة مع وزارة الحج في هذا الجانب لمزيد من الإبداع والجودة في خدمة وفود الرحمن؛ إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، بأن تكون رحلة الحاج في ذاكرته من أطيب رحلات العمر، وأنه يجب تفاني الجميع في أداء الواجب تجاه ضيوف الرحمن، كما أكد أن وزارة الحج تُعَوّل -بعد الله- على تفعيل برامجها التوعوية قبل وصول الحجاج للمملكة بشكل كبير جداً.
“الحج” فريضة يحلم بأدائها ما يزيد على مليار مسلم، ويجتمع على شعائرها أكثر من ثلاثة ملايين مسلم، يتهافتون من كل أصقاع الأرض بمختلف الأشكال والألوان والأجناس والثقافات والسلوك؛ صغاراً وكباراً، شيباً وشباباً؛ ليتموا آخر أركان الإسلام التي أمر بها الله مَن استطاع إليها، وليغنم الحاج بما لهذه الفريضة من منافع روحانية وإلهية، ذكرها الله عز وجل في كتابه الحكيم، وتحدث عنها نبينا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة؛ ومنها ما ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “مَن حج ولم يرفث، ولم يفسق، رجع من ذنوبه، كيوم ولدته أمه”؛ لِما لركن العبادة هذا من فضائل ويختص بممارسات وأفعال محددة، يقوم بها الحاج، وأذكار وأقوال يتلفظ بها أثناء أدائه مناسكه، تجد هناك الكثير من الأفعال والأقوال والمعتقدات الدينية والممارسات التي يحملها ويمارسها بعض ضيوف الرحمن، والتي لا تنصب في سياق الخطوات المعروفة والأقوال المذكورة للحاج معتقدين بأنها تزيد من التقرب لله.
تنتج تلك الأفعال والأقوال والممارسات التي يتبعها الحاج؛ إما من خلال الأمانات والوصايا أو الرسائل التي يحملها من ذويه وأقاربه، والتي أحياناً ربما توقعه في إثم غير مقصود، وكذلك مِن تَسَابُق وتَدَافُع الحجاج للإمساك بباب الكعبة المشرفة بقصد الدعاء؛ مما يتسبب في إيقاع ضرر نتيجة زحام المكان”.
دعاء النظرة الأولى
يوصي عدد كبير من حجاج بيت الله الحرام -وعلى سبيل المثال وليس الحصر- “أهل بلاد الشام ومصر” بعضهم البعض بالتوقف أثناء دخول الكعبة، وإغماض العينين قبل رؤيتها، ثم الدعاء مباشرة لدى رؤيتهم لها؛ وذلك بقصد أن دعاء النظرة الأولى للكعبة المشرفة مستجاب أياً كان نوع الدعاء ودلالته.
حيث قال عضو الجمعية العلمية السعودية للعقيدة والأديان والفرق والمذاهب الدكتور الشيخ إبراهيم الزبيدي لـ”سبق”: “إن الاعتقاد والقول بأن أول ثلاثة أدعية يدعو بها المسلم عند رؤية الكعبة المشرفة لأول مرة مستجابة، لا أصل له، ولا يوجد حديث في تخصيص ذلك”.
وأضاف “الزبيدي” مبيناً أنه لم يَرِد في الشريعة أن هناك دعاء مستجاباً عند رؤية الكعبة؛ ولكن بعض العلماء ذكر أن الدعاء عند رؤية “الكعبة” مطلوب ومستجاب؛ مستدلين بما رواه “البيهقي” و”الطبراني” في كتاب “تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير”، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تُفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربع مواضع: عند التقاء الصفوف، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلاة، وعند رؤية الكعبة “، وقال “المناوي” في فيض القدير: “قوله عند رؤية الكعبة؛ المراد أول ما يقع بصر القادم عليها”.
وتابع “الزبيدي” قائلاً: “لكن هذا الحديث ضعيف ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم هنا دعاء خاص؛ ولكن قد يستأنس بما ثبت عن بعض الصحابة ولم يوجد لهم مخالف؛ فلو رفع يديه عند رؤية الكعبة ودعا بما تَيَسّر فلا بأس؛ لثبوته عن ابن عباس رضي الله عنهما وإن دعا بدعاء عمر رضي الله عنه: “اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام”؛ هذا حسن لثبوته عن عمر ، واما قول بعضهم عند رؤية البيت الحرام ” اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابة وبراً”؛ فلا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل هو “موضوع” وكذب.
أحكام تتعلق بالكعبة
وأشار “الزبيدي” إلى أن هناك مجموعة من الأحكام التي تتعلق بالكعبة المشرفة وقد ورد اسمها صريحاً في القرآن: {جعل الله الكعبة البيت الحرام}، وسماها “البيت العتيق” {وليطوفوا بالبيت العتيق}، وقد جعل الله لها من الحرمة والتقديس ما لم يجعله لمكان غيرها على وجه الأرض؛ ومن ذلك الطواف حولها؛ إذ لم يأذن الله لأحد بالطواف في بنيان غير الكعبة، وأمر خليله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام بتطهير بيته الحرام وجعل الطواف حولها ركناً على كل حاج ومعتمر، ورغّب فيه فيما عدا ذلك.
ويقول “الزبيدي”: “إن الكعبة قبلة المسلمين أحياء وأمواتاً، والنهي عن استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة بغائط أو بول، واستحباب الصلاة داخل الكعبة لمن تيسر له ذلك؛ هذا في النفل؛ أما الفريضة فبيّن أهل العلم خلافاً في جواز الصلاة داخلها، والصلاة في الحجرة صلاة في داخل الكعبة لأنه جزء منها؛ فيأخذ حُكمها والله أعلم.
وصايا ورسائل
يلجأ عدد كبير ممن لا يستطيعون تأدية فريضة الحج لعدة أسباب؛ منها: عدم القدرة المادية أو نتيجة سياسات بعض الدول في تحديد أعمار حجاجها إلى تحميل أقربائهم وأصدقائهم المغادرين لبيت الله الحرام رسائل ورقية يكتبون فيها عدداً من الحوائج والوصايا الدنيوية؛ لوضع تلك الرسالة إما عند قبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أو بجوار الكعبة؛ بهدف التوسل في عظمة المكان، أو حتى الطلب بالدعاء في أماكن محددة فقط كونها تستشرف بالإجابة.
حيث يقول الشيخ الدكتور راشد الزهراني: “إن في مثل هذه الحالات من التوسل لا بد من معرفة أن التوسل هو اتخاذ وسيلة توصله إلى المقصود؛ وهو على قسمين؛ الأول: التوسل الشرعي مثل: التوسل بأسماء الله تعالى، والإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم، والتوسل بالعمل الصالح ونحوها مما أقرته الشريعة”.
الثاني: “توسل غير شرعي وهو اتخاذ وسيلة لم يثبت كونها وسيلة شرعًا، ومن ذلك إرسال (قصاصات ورقية عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر أحد أصحابه لقضاء الحاجة)، وهذا من الغلو في الدين الذين نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: “إياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين” أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه.. وهو من المحدثات في الدين، كما قال صلى الله عليه وسلم: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” رواه البخاري ومسلم.. وفي رواية لمسلم: “من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد”.
وتابع “الزهراني” قائلاً: “قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قَصْد قبر بعض الصالحين للصلاة عنده والدعاء أو طلب الحوائج منه أو من الله عند قبره، أو الاستغاثة به أو الإقسام على الله به ونحو ذلك من البدع التي لم يفعلها الصحابة ولا التابعون، ولا سنّ ذلك لنا رسول الله ولا أحد من خلفائه، وقد نهى عن ذلك أئمة المسلمين الكبار”.
إمساك باب الكعبة
يتسابق ويتدافع الحجاج للإمساك بباب الكعبة للدعاء؛ معتقدين أن الدعاء يكون أكثر استجابة في قضاء الحاجة عند الإمساك به، مثل دعاء المرأة العقيم وغيرها من الأمور؛ ومما قد يتنج عن هذا التدافع والتسابق ضرر بالحجاج الآخرين.
حيث بين “الزهراني” قائلاً بخصوص ذلك: “الذي ورد في ذلك الدعاء عند الملتزم والأشهر من أقوال أهل العلم، أن المراد به ما بين الحجر الأسود والباب، وهو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى27/ 129-130: (والدعاء مستجاب عند نزول المطر، وعند التحام الحرب، وعند الأذان والإقامة، وفي أدبار الصلوات، وفي حال السجود ودعوة الصائم ودعوة المسافر ودعوة المظلوم وأمثال ذلك؛ فهذا كله مما جاءت به الأحاديث المعروفة في الصحاح والسنن والدعاء بالمشاعر؛ كعرفة ومزدلفة ومنى والملتزم ونحو ذلك من مشاعر مكة، والدعاء بالمساجد مطلقاً، وكلما فضل المسجد كالمساجد الثلاثة كانت الصلاة والدعاء فيه أفضل)،
وقال أيضاً في مجموع الفتاوى 26/ 142-143: (وإنْ أحبَّ أنْ يأتيَ الملتزم -وهو ما بين الحجر الأسود والباب- فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه، ويدعو ويسأل الله تعالى حاجته، فَعَل ذلك، وله أنْ يفعل ذلك قبل طواف الوداع؛ فإنَّ هذا الالتزام لا فرق بين أنْ يكون حالَ الوداع أو غيره، والصحابة كانوا يفعلون ذلك حين دخول مكة، وإنْ شاء قال في دعائه الدعاء المأثور عن ابن عباس: اللهمَّ إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سخّرتَ لي مِن خلقك، وسيرتَني في بلادك حتى بلّغتَني بنعمتِك إلى بيتِك وأعنتَني على أداء نسكي؛ فإنْ كنتَ رضيتَ عني فازدَدْ عني رضاً؛ وإلا فمِن الآن فارض عني قبل أنْ تنآى عن بيتك داري؛ فهذا أوان انصرافي إنْ أذنتَ لي، غير مستبدلٍ بك ولا ببيتِك، ولا راغبٍ عنك ولا عن بيتِك.. اللهمَّ فأصحبني العافيةَ في بدني، والصحةَ في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتَني، واجمع لي بين خيريْ الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير. ولو وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسناً) وعلى هذا؛ فالالتزام لا بأس به ما لم يكن فيه إلحاق الأذى بالمسلمين.
ابتلاع خيوط الكعبة
ما زال عدد من حجاج شرقً اسيا يتزاحمون ويتدافعون؛ بهدف الوصول إلى ستار الكعبة للحصول على خيوط من الستار وابتلاعها؛ بقصد التبرك بها؛ ما ينتج عن تلك البدعة من تزاحم شديد قد يوقع الأذى بعدد كبير من الحجاج؛ حيث قال عضو الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب وكيل كلية المجتمع بمحافظة حريملاء الدكتور “نهار بن عبدالرحمن العتيبي: “ابتلاع خيوط الكعبة من البدع؛ وذلك لأن التبرك عبادة لا بد لها من دليل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”.
وتابع “العتيبي” وفي رواية: “مَن عَمِل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد”، والواحب على كل مسلم يرى مثل هذه البدع أن يُناصح من يفعلها، كما أن الواجب على المسؤولين أن يجتهدوا في منعها؛ لئلا يعتقد الجهال من المسلمين أنها عبادة فيفعلوها؛ فتنتشر تلك البدعة التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان”.
وأضاف “العتيبي” مبيناً أن التبرك بالآثار أو الأشخاص هو عبادة من العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه سبحانه وتعالى؛ لكن هناك تبرك مشروع، وهو ما دل الدليل عليه؛ كتبرك الصحابة بآثار النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، أما بعد وفاته فلا يجوز التبرك بقبره ولا ما يُدّعَى وجوده من آثاره، والدليل على جواز التبرك بآثاره في حياته صلى الله عليه وسلم هو فعل الصحابة رضي الله عنهم، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك.
أما التبرك الممنوع الذي نص أهل العلم على تحريمه؛ فهو التبرك بالآثار أو الأشخاص التي لا دليل على جواز التبرك بها؛ مثل أحجار الكعبة باستثناء الحجر الأسود؛ فإنه يستحب المسح عليه وتقبيله، وكذلك الركن اليماني؛ فإنه يستحب المسح عليه أثناء الطواف دون تقبيله.
دورات في المساجد
يقول الشيخ أحمد الحمد رئيس حملة “ضيوف الرحمن من بلاد الشام”: هناك العديد من الأفكار والوصايا التي يحملها عدد من الحجاج والتي نلاحظها أثناء وصولهم إلى عدد من المشاعر المقدسة؛ ومنها محاولة وضع عدد من الرسائل تحمل حاجات وأمنيات لأصحابها وغيرها من الأمور”.
وأضاف “الحمد” إننا كرؤساء أفواج وأمناء حملات حج، نعمل منذ اليوم الأول من صدور أسماء الحجاج في بلادنا على برامج ودورات تدريبية وتوعويه؛ حيث نقوم بالاجتماع بهؤلاء الحجاج بالمسجد، ونقوم بشرح دروس عدة في طرق إتمام الحج الصحيح الذي يخلو من أي شائبة؛ حيث نعمل على شرح كيفية الطواف والإفاضة، بالإضافة إلى توزيع عدد من الكتيبات التي تعمل حكومة خادم الحرميين الشريفين على طباعتها وتُوَزّعها وزارة الحج -مشكورة- بهدف إبعاد الحاج عن كل الأمور التي ربما تُعَكّر صفو رحلة العمر، وقد تضر بالآخرين؛ مثل التدافع لإمساك الحجر الأسود وتقبيله أو التدافع لإمساك باب الكعبة، في ظل أعداد هائلة من الحجاج.
دور توعوي
تعمل وزارة الحج -بالتعاون مع العديد من الجهات- بتوعية عموم حجاج بيت الله الحرام في مختلف الوسائل؛ حيث اعتبر مستشار وزير الحج والمتحدث الرسمي للوزارة “حاتم حسن قاضي” في حديثه أن قضية التوعية بالنسبة لوفود الرحمن هي قضية هامة، ويترتب على عدم العناية بها العديد من المشكلات.
وتابع “حاتم” قائلاً: “تحرص وزارة الحج في كل عام منذ أول لقاء مع ممثلي الحجاج للموسم القادم، والتي تبدأ في كل عام في شهر ربيع الأول مع عموم بعثات الحج التي تُسمى حالياً “مكاتب الحج الخارجية”، وتستمر حتى نهاية جمادى الثانية، ويحظى موضوع التوعية -بكل أبعادها- بنصيب وافر من البحث؛ لأهمية أن تبدأ بها الدول التي يقدم منها الحجاج في أوقات مبكرة”.
وأضاف “حاتم”: “هناك العديد من البرامج التوعوية التي يستفيد منها الحجاج، وفي مقدمتها برامج التوعية النسكية لعموم الحجاج قبل وصولهم للديار المقدسة، ثم برامج التوعية الصحية، ثم برامج التوعية بالأمن والسلامة، ثم برامج التوعية الإدارية، ويشمل ذلك التقيّد بتعليمات التفويج في كل مراحل الحج ثم برامج التوعية البيئية”.
وأردف “حاتم” مبيناً أن هناك جملة من البرامج تُعِدّها الوزارة، وتزود بها ممثلي الحجاج عند قدومهم؛ ليعودوا بها لبلادهم ويعملوا بها وِرَش عمل مختلفة في مختلف أقاليم قدوم الحجاج.
وقد أكد المتحدث الرسمي ومستشار وزارة الحج حاتم حسن قاضي حرص وزارته على تقيد المسؤولين عند قدوم الحجاج، بالتعليمات التوعوية، بعد أن وجّه وزير الحج الدكتور “بندر حجار” بأهمية تسليم حقيبة توعوية شاملة لجميع متطلبات التوعية لجميع ممثلي الحجاج قبل قدومهم؛ ومن بينها إرشادات تخص مؤسسات الطوافة، وتعليمات تخص وزارة الحج وغيرها.
كما أشاد المتحدث الرسمي بتعاون جميع الجهات المشاركة مع وزارة الحج في هذا الجانب لمزيد من الإبداع والجودة في خدمة وفود الرحمن؛ إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، بأن تكون رحلة الحاج في ذاكرته من أطيب رحلات العمر، وأنه يجب تفاني الجميع في أداء الواجب تجاه ضيوف الرحمن، كما أكد أن وزارة الحج تُعَوّل -بعد الله- على تفعيل برامجها التوعوية قبل وصول الحجاج للمملكة بشكل كبير جداً.