– حفر الباطن: الإقبال على شرب “حليب الإبل” وتناول “التشريب”.
– تبوك: زيارة “سوق الخالدية” والاقتداء بالسُّنّة النبويّة.
– عسير: إرسال القهوة والتمر وخبر “البُر” للمسجد يومياً.
– عرعر: تبادل الأطباق والأكلات الرمضانية و”الطعمة” بين الجيران.
– حائل: الترابط الاجتماعي والأكلات الشعبية و”الهبيشة” و”البسيسة”.
في بلدٍ يُعَدُّ قِبلةً للمسلمين، وفيه الحرمان الشريفان “مكة المكرّمة، والمدينة المنوّرة” تمتاز الأجواء الرمضانية في السعودية، ومناطقها المختلفة بكثيرٍ من المشاعر الإيمانية، والإنسانية الفيّاضة، والعادات الاجتماعية المتنوّعة، وازدحام الأسواق، وتزايد الحركة التجارية، وتعدُّد الأنماط تبعاً لاختلاف مظاهر الحياة في المدن والقرى السعودية، ولاسيما في تزايد التواصل الاجتماعي، والتقارب الأسري، وتنوّع الأطباق والمأكولات الرمضانية، وتكاثر حلقات الذكر لقراءة القرآن الكريم، وزيارة الأماكن المقدّسة في العشر الأواخر.. في التقرير التالي نتعرَّف على رمضان في بعض مناطق السعودية.
حفر الباطن
من حفر الباطن ، الحركة التجارية النشطة في المنطقة قبيل قدوم شهر رمضان الكريم، وكثرة الإقبال على شراء المواد الغذائية، وتزايد نشاط حركة البيع، والشراء في التمور بأنواعها وأصنافها المختلفة، وتتميّز حفر الباطن ببعض العادات والتقاليد والمأكولات التي لا تراها إلا في هذا الشهر الفضيل كالحرص على أنواع الفطائر والسمبوسة، والشوربة والمكرونة التي تعد شيئاً أساسياً، فيما تكثر الأطباق والمأكولات الشعبية على السفرة “الحفراوية”. ويعتبر حليب الأبل أحد أهم المشروبات لدى بعض الأسر والعائلات. أما أكلة “التشريب” فهي وجبة تشتهر في حفر الباطن، وتتكوَّن من خبز مشبّع بالمرق، واللحم، وذلك بعد تقطيع الخبز الذى يتم عمله عن طريق صاج مخصّص له إلى أجزاءٍ صغيرة ويسكب المرق عليه، وتقدم للأكل، أما أكلة “أذاني الشايب”، وهي عجين يُحشى باللحم المفروم يتم غليه في لبن حتي ينضج ويتم تقديمه كشوربة لبن. وتعد “الغبقة” العشاء الرمضاني المتأخّر الذي يسبق وجبة السحور، وبعد الانتهاء من صلاة التراويح ومجالس الذكر، وهو لقاء تراثي رمضاني مشهور. كذلك أصبحت صور العلاقات الاجتماعية الكريمة في الشهر الفضيل فيها من الكرم والحفاوة الشيء الكثير، حيث الحرص على دعوة الأهل والجيران والأصدقاء للالتقاء وتبادل الأحاديث.
وفي الجانب الترفيهي يحوّل بعض الشباب الأراضي الفضاء بعد الانتهاء من صلاة التراويح إلى ملاعب للعب الكرة الطائرة بسبب افتقارها للمتنزهات وليس الملاعب فقط.
تبوك
تبوك في الشهر الفضيل، حيث تنشط ليالي تبوك، وتعج الشوارع بالحركة من بعد صلاة العصر، فتزدحم الطرق وتكتظ الأسواق والمطاعم الشعبية. واعتاد أهالي تبوك زيارة “سوق الخالدية” خلال نهار رمضان الكريم، وهو السوق الشعبي الأقدم في تبوك، حيث يبيع عددٌ من الباعة الجائلين والأكشاك المؤقتة أصنافاً كثيرة من أنواع الأطعمة الشعبية، مثل: الجريش، والمرقوق، والمعصوب، واللقيمات، والسمبوسة، والخبز البلدي, والكبدة فضلاً عن أنواع العصائر الطازجة والشعبية، مثل: السوبيا؛ وهذا السوق يعد مزاراً سياحياً يستمتع فيه الناس بالفرجة والتسوّق وسط روائح الأطعمة الزكية التي تحرّك مشاعر الصائمين وتدفعهم للشراء حتى وإن كان هدفهم مجرد التفرج. وتجد الأسر المنتجة في سوق الخالدية بتبوك فرصةً لها لعرض منتجاتها من الأطعمة الرمضانية المتنوعة التي تشهد إقبالا كبيراً. وتبوك تمتاز بتنوع الأنماط الاجتماعية، حيث يسكنها عددٌ كبيرٌ من السعوديين من مختلف المناطق بحكم عملهم العسكري، فتجد من أهل الجنوب، والحجاز، والشرقية، ومناطق الشمال، فضلاً عن أهل المنطقة نفسها، لذا تنوّعت الموائد، فتشاهد التميس والفول الحجازي والسوبيا وتشاهد العصيدة والعريكة الجنوبية، ويشدك مذاق التشريبة الشمالية. ولكن يبقى الرطب واللقيمات والشوربة والسمبوسة عاملاً مشتركاً في كل الموائد الرمضانية “التبوكية”. ويعد الإفطار الجماعي مظهراً من مظاهر الشهر الكريم في تبوك، حيث يلتقي الأقرباء والأصدقاء على مائدة الإفطار، والفرحة والابتسامة ترتسم على وجوه الجميع، وهم يتشاركون عديداً من الأطعمة والأشربة الرمضانية، التي تتصدّرها الأكلات الشعبية، وبعد ذلك اللقاء والاجتماع ينفض الجمع لأداء صلاة التراويح في المسجد، ثم بعدها يعود الجمع من جديد، ويمضون ما بقي من الليل في الخيام الرمضانية والاستراحات والمجالس يتبادلون فيها أطراف الحديث، ويتناولون فيها أطايب الطعام والشراب. ومع حرارة الطقس في رمضان وبلوغ فصل الصيف ذروته يعد “الرطب” فاكهة رمضان، والوجبة الرئيسة على كل موائد الصائمين اقتداءً بسنة المصطفى – عليه الصلاة والسلام – بالإفطار على بضع تمرات، وعادةً ما يتناولها أهالي تبوك مع القهوة العربية. وتنشط ممارسة الرياضة بالنسبة للشباب فتكتظ الملاعب وتتنوّع ألعابهم ما بين كرة قدم وطائرة وتنس طاولة وبلياردو.
عسير
العادات الرمضانية في عسير، حيث ارتبط هذا الشهر الكريم لدى الأسر العسيرية بعديدٍ من العادات التي يحتفي بها سكان منطقة في كل عام، التي ترسخت لديهم من خلال تجهيز الأكلات الشعبية، وتزيين المنازل، وإشعال النيران على رؤوس الجبال قديماً، التي اندثر بعضها بفعل التقنية الحديثة، بينما بقيت الأكلات الشعبية تتصدّر موائد أهالي عسير، الذين لم يتخلوا عن عادات الطهي القديمة، والمأكولات التراثية، واستخدام أدوات الطهي المصنوعة من الحجر. ويعد (الدول) و(السيار) من أهم العادات التي يمارسها أهل عسير في رمضان، فيقول الناس: ندول “أي يزور بعضنا بعضاً بالتداول”، وهي عادة من عادات الذين حرصوا على التواصل فيما بين الأهل والأقارب وأهل الحي والجيران والأصدقاء، ويقوم الناس بـ “الدول” في هذا الشهر بعد صلاة التراويح، ويقدم كل منهم ما يسمّى “المعروض” وهو عبارة عن ضيافة من المكسرات والمرطبات والعصائر والفاكهة، وأحياناً يكون الـ “دول” عبارة عن الإفطار كل يوم في بيت من بيوت الأهل، ابتداءً بالكبير. ويعتز أهالي عسير كثيراً بموروثهم الشعبي، ويحرصون على المحافظة عليه خوفاً من الضياع والاندثار، وهم يعتزون بهذه العادات القديمة التي تؤصّل علاقاتهم بعضهم ببعض، كما أن هناك عادة أخرى تقوم بها العائلات في عسير تُسمَّى “صندوق العائلة”، وهو عبارة عن صندوق يتم وضع مبالغ نقدية فيه من قِبل كل شخصٍ في الأسرة، تبعاً لاتفاق معين، ويهدف إلى التكاتف والتكافل الاجتماعي، حيث يقوم هذا الصندوق بتقديم الدعم لمن يحتاج إليه من العائلة. ويحرص عديد من السيدات في عسير في ليالي رمضان الكريم بإرسال وجبة إفطار يومياً إلى المسجد، وتكون الوجبة عبارة عن قهوة وتمر وخبز البر، وذلك طلباً للأجر والثواب، وهي أيضاً عادة رمضانية عسيرية قديمة. وينتهز البعض الفرصة لشراء عديدٍ من الأواني وأدوات الزينة والأثاث والفخاريات، بينما يستمتع المتسوّقون بعد صلاة العصر في كل يوم رمضاني في الأسواق التجارية، والأسواق الشعبية، وسوق المواشي، للتسوّق وشراء كل مستلزماتهم، في أجواءٍ رمضانية مميزة، وشراء مأكولاتهم، ومنها: “المغش” الشهيرة و”الحلبة” و”البقل” و”الشوربة” و”السمبوسة”، وكثيراً ما تجتمع كل هذه الأكلات على سفرة واحدة. ومن أبرز العادات العسيرية اجتماع الأسرة الواحدة من أبناء متزوجين، في بيت العائلة الكبير. ولا تخلو المنازل من قراءة القرآن وإحياء المساجد كأي شهرٍ من شهور العام، ولكن شهر رمضان له خصوصية، وكان أهالي عسير يحتفون بمقدم شهر الخير والبركة بإطلاق الرصاص في الهواء، كما “يُحَنُّونَ” الضأن والبقر بعناية قبل ليلة البركة الشعبانية. ويظل لهذا الشهر روحانيته الخاصّة لدى أهالي عسير، وما يحيط به من عادات وتقاليد خاصّة، تتماشى مع حضور هذا الشهر العظيم في أرواح الناس.
عرعر
من عرعر، عادات شهر رمضان الكريم في هذه المدينة الشمالية فمازال عديد من الأسر الشمالية تحن لبعض العادات القديمة التي اندثرت مع مرور الزمن بعد أن كان أمراً أساسياً ومعروفاً، وهي تبادل الأطباق والأكلات الرمضانية كالسمبوسة الفطائر والذي يُعرف بـ” الطعمة” بين الجيران. ويكثر حالياً عديد من الممارسات الرياضية في الاستراحات الشبابية، والمسطحات الخضراء والملاعب، وتكون الكرة الطائرة وكرة القدم المتصدّرتين الأعلى والمحبّبة للشباب في هذا الشهر في منافسة حامية بين الاستراحات الشبابية فيما بينهم، تليها ممارسة المشي ودخول أندية اللياقة والحديد. ويفضل كثير من كبار السن شرب حليب الإبل، وأن يكونوا على مائدة الإفطار بجوار الأبناء والأحفاد بإفطار جماعي.. موكدين أهمية الحليب صحياً فيما يُعرف لديهم بمصطلحهم الشعبي بـ “خرط البطن” وما له من الفوائد الصحية للجسم، إضافة إلى الجريش والشوربة والأكلات الدارجة في شتى مناطق السعودية.
حائل
من حائل، أن “عروس الشمال” تستقبل شهر رمضان الكريم بالاستعداد للعبادة والتهيؤ لصلاة التراويح والتهجد، حيث يغلب على أبناء منطقة حائل العاملين في القطاعات الحكومية تفضيلهم التمتع بإجازتهم السنوية خلال شهر رمضان الكريم للتفرغ للعبادة. ويهتم أبناء منطقة حائل خلال الشهر الفضيل بالتجمُّع العائلي بين الأسرة الواحدة أو بين أبناء العمومة والأقارب، والملاحظ أن الشقق الفندقية تحجز بشكلٍ كاملٍ حيث يختار المستأجر القادم من خارج منطقة حائل أقرب الشقق لعائلته ليقضي الإجازة بقربهم، ويفضل الجميع الإفطار سوياً، خاصة عند الرجال؛ وتفضل النساء السهرات الاجتماعية عند الأقارب بعد صلاة العشاء حتى قبيل السحور. وتتميّز حائل بالارتباط الاجتماعي، وينقسم “الحائليون” في رمضان الكريم، إلى مجموعات على وجبة الإفطار لتحقيق ترابط العائلة الواحدة حتى وإن كانوا في أحياءٍ متفرقة من المدينة، وغالباً ما يجمع بيت الوالدين أبناء العائلة الواحدة، فيما يحرص أيضا أبناء الأقارب على وضع جدول زمني للإفطار كل يوم عند أحد الأقارب.. وبدأ منذ 3 سنوات في حائل “إفطار الحي”، وهو عبارة عن تجمُّع لما يزيد على عشر عائلات من أهل الحي يتم الإفطار كل يوم عند منزلٍ من الحي. ويحرص أبناء الحي الواحد على المشاركة في إفطار المساجد في الحي سواء بالماء أو العصائر أو المأكولات المختلفة، وذلك بالتنسيق مع إمام المسجد، وتناول الأكلات التي تتميّز بها منطقة حائل كـ: “الثريد” و”الحنيني” و”الصبيب” و”القرصان” أو “الهفتان”، والمطازيز “القريصات” والهريس والجريش، من أهم الأكلات الشعبية التي يحرص على تناولها كبار السن في حائل.. فيما تحرص بعض العائلات على أكلة “الهبيشة” التي تعد من الأكلات التي اقتات عليها القدماء من أهالي حائل إبّان الحاجة والعوز. وفي السنوات الأخيرة بدأت “البسيسة” تظهر على مائدة الإفطار في حائل, خاصة عند مزجها مع التمر. وبعض المواطنين يرون أن الأكلات الحديثة التي تُباع جاهزة كاللقيمات والسمبوسة بدأت تختفي معها بعض الأكلات الشعبية التي تحتاج إلى جهد سواء في الإعداد أو العجن، خاصة في المنازل التي لا يوجد بها كبار سن.