
في قاعة مليئة بالتصفيق الحاد والهتافات المتباينة، افتتح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ خطابه الأخير أمام الكونجرس بمشهد درامي: إخراج نائب ديمقراطي من تكساس بعد ثوانٍ من بدء الكلمة، بينما رفع معارضون لافتات تندّد بسياساته، ردَّ الجمهوريون بهتافات “الولايات المتحدة!”، في مشهد يعكس عُمق الانقسام الذي يهزّ أمريكا. خطابٌ حمل وعوداً اقتصادية جريئة، وهجوماً لاذعاً على الخصوم، حيث استهزأ ترامب بالديمقراطيين الموجودين في القاعة، ورؤيةً خارجية مُثيرة للجدل.. فماذا تضمّن؟
خطاب ناري
ففي أطول خطابٍ لرئيسٍ أمام الكونجرس منذ عقود، استعرض ترامب إنجازاتٍ وصفها بـ”غير المسبوقة”، بدءاً من خفض معدلات الجريمة إلى تعزيز الاقتصاد. لكنّ خطابه تجاوز التفاؤل إلى التحدّي الصريح: “نحن لم نبدأ بعد”، مُعلناً عزمه المُضي قدماً في سياساتٍ ترفضها المعارضة. لم يتردّد في مهاجمة جو بايدن؛ واصفًا إياه بـ”الأسوأ في التاريخ”، بينما تجاهل انتقادات الديمقراطيين الذين رفضوا حتى التصفيق لإنجازاته المزعومة، وفقاً لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
ولم تكن القاعة ساحةً للخطاب فحسب؛ بل لمعركة سياسية مكشوفة. رفعت النائبة ميلاني ستانسبري؛ لافتةً كُتب عليها “هذا ليس طبيعياً”، بينما هزَّ النائب آل غرين؛ عصاه وهو يصرخ: “ليس لك تفويض!”. المشهد الأبرز كان إخراج غرين من القاعة بقرارٍ من رئيس الكونغرس الجمهوري؛ ما أثار موجة سخرية وغضباً على منصات التواصل.
اقتصاد مُشتعل
وأشعل ترامب الحرب التجارية من جديدٍ بفرض رسومٍ جمركية على الصين والمكسيك وكندا، مما تسبَّب في انهيارٍ مؤقتٍ للبورصة. رغم تحذيرات الخبراء من مخاطر حرب تجارية عالمية، أكّد ترامب عزمه على سياسة “العين بالعين”، واعداً بجني “تريليونات الدولارات”. لكنّ صمت بعض الجمهوريين عند ذكر الرسوم كشف عن توتراتٍ داخل الحزب نفسه.
وفي مفاجأةٍ غير متوقعة، أعلن ترامب تلقّيه رسالة من الرئيس الأوكراني زيلينسكي؛ تُعبّر عن استعداد كييف للمفاوضات مع روسيا، جاء ذلك بعد أيامٍ من تجميد واشنطن المساعدات العسكرية لأوكرانيا، واجتماعٍ وُصِفَ بـ”العدائي” بين ترامب وفانس من جهة، وزيلينسكي من جهة أخرى. فهل تُعيد الإدارة الأمريكية رسم تحالفاتها في ظلّ حرب أوكرانيا؟ السؤال يلوح في الأفق.
استعراض درامي
ووعد ترامب بـ”ثورة اقتصادية” عبر مشاريع ضخمة، أبرزها خط أنابيب الغاز العملاق في ألاسكا، وإلغاء قانون دعم صناعة الرقائق الإلكترونية الذي أقرّه بايدن. كما طالب الكونغرس بحظر عمليات تغيير الجنس للأطفال، مُستنداً إلى خطابٍ محافظ يلقى رواجاً لدى قاعدته الانتخابية.
ولم يخلُ الخطاب من لمسات تلفزيونية: منح ترامب وساماً فخرياً لطفلٍ نجا من السرطان، وأعلن قبول شابٍ في أكاديمية عسكرية بعد مقتل والده. هذه اللحظات “الإنسانية” حاولت تخفيف حدّة الخطاب، لكنّها لم تُخفِ الانتقادات الموجّهة لاستغلال المشاعر لأغراض سياسية.
ورغم التفاؤل الذي حمله الخطاب، إلا أن التحديات تبقى جاثمة: انقسامٌ سياسي غير مسبوق، مخاوف اقتصادية من تداعيات الرسوم الجمركية، وعلاقات خارجية هشة مع حلفاء تقليديين. حتى الديمقراطيون المنقسمون على أنفسهم بدأوا يبحثون عن إجابةٍ لسؤالٍ مركزي: هل يستطيع ترامب تحويل خطابه الناري إلى واقعٍ دائم، أم أنَّ رياح التغيير ستعصف بوعوده مع اقتراب الانتخابات؟