“عيون غابت عنها الحياة، واضطرابات نفسية، إضراب عن الطعام، الخضوع للعلاج من الاكتئاب، ضعف الأمل في الفكاك من الأسوار”، بعض ملامح أحوال سجناء جوانتانامو الأمريكي، وفق ما رصده فريق من الصحفيين البريطانيين مؤخرًا.
وتمكن الفريق التابع لصحيفة “ميرور” البريطانية من الحصول على تصريح من الجيش الأمريكي بالقيام بأول تغطية إعلامية لسجن جوانتانامو، الواقع شرق كوبا، بعد الإفراج عن المعتقلين الخمسة التابعين لجماعة طالبان.
وأفاد “شون رايمنت”، الصحفي الذي باشر كتابة التقرير بـ”ميرور”، بأن أفضل كلمة تصف معتقلي جوانتانامو الـ 149 هي “أنهم سجناء بلا أمل”.
وأكد أن حال هؤلاء السجناء يجعلنا نتساءل عن مدى شفافية الحكومة الأمريكية فيما تنقله من أخبار عن حال المعتقلين الذين لم تتم محاكمتهم إلى الآن.
وبحسب “شون رايمنت” الصحفي الذي سمحت له إدارة السجن بإلقاء نظرة على السجناء من وراء عازل زجاجي يسمح له برؤيتهم دون سماع أصواتهم، فإن أول ما لفت نظره هو منظر رجل مسلم حليق الرأس، طويل اللحية، يضع على رأسه سماعات لا تكاد تفارق أذنه، يستمع بها للقرآن وبيده الأخرى سبحة يحركها بأصابعه باستمرار.
وبدت عينا السجين خاليتين من الحياة، وظهرت عليه بوضوح علامات ما يعانيه من اضطرابات نفسية.
وبعد التفرس في ملامح المعتقل الذي أخذ يجوب ساحة الطعام بخطوات متوازية، تبين للصحفي أن هذا الرجل ما هو إلا المعتقل السعودي شاكر عامر (45 عاما).
وبحسب التقرير فإن شاكر عامر هو أقدم سجين في جوانتانامو؛ إذ تم القبض عليه عام 2002 أثناء عمله مع إحدى الجمعيات الخيرية الإسلامية في أفغانستان.
وبالرغم من حصول شاكر على البراءة، إلا أنه فقد الأمل في الخروج من زنزانته؛ نظرا لرفض السلطات الأمريكية السماح له بالذهاب للعيش مع زوجته بريطانية الجنسية وأولاده في بريطانيا.
ويقول “شون” إنه عندما سأل أحد الحراس عن رد فعل المعتقلين عندما شاهدوا عملية الإفراج عن خمسة منهم، رد الحارس قائلا: “كانوا هادئين للغاية، لقد استرعاهم المشهد لبعض الوقت ثم سرعان ما ذهبوا ليمارسوا أنشطتهم اليومية”.
واستطرد الصحفي قائلا إنه عندما أظهر استغرابه من ردة فعل السجناء كان الرد الذي حصل عليه هو “إنهم سعداء بحياتهم داخل المعتقل”.
ووفق “شون” فإن التقارير غير الرسمية الصادرة عن أحوال هؤلاء السجناء “السعداء” أفادت بأن 45 منهم يخضعون لجلسات علاج نفسي لعلاج حالات الاكتئاب والقلق التي أصيبوا بها، بينما لجأ قرابة العشرين منهم للإضراب عن الطعام.
وعندما استفهم “شون” عن كيفية تعامل إدارة السجن مع حالات الإضراب عن الطعام، كانت إجابة المسؤولين السجن إنهم يلجؤون إلى إطعام هؤلاء المضربين بالقوة عندما تبدأ أجسامهم تنهار.
وبحسب كبير أطباء السجن فإن السجين المضرب يتم إطعامه عن طريق استخدام أسلوب “التغذية المعوية”؛ حيث يقوم الحراس بربط السجين في كرسي ليتمكن الطبيب بعد ذلك من دفع أنبوب الطعام داخل أنف السجين حتى تصل لمعدته. وعلق الطبيب على هذا قائلا “لن نسمح لهم بالموت”.
ويحتفظ الجيش الأمريكي في جوانتانامو بالسجناء المصنفين بأنهم الأشد خطرا، كصناع القنابل وممولي الجماعات الإرهابية وحراس زعيم تنظيم القاعدة الراحل، أسامة بن لادن، الشخصيين وقادة التنظيم.
وينتمي سجناء جوانتانامو البالغ عددهم 149 إلى 21 دولة، ولم يخضع جلهم للمحاكمة، كما لم يتم الإفراج عمن أظهرت التحقيقات براءته.
ومن بين الحالات القليلة التي تم فيها إطلاق سراح سجناء بالمعتقل في السنوات الأخيرة جاء إطلاق سراح 5 أفغان من حركة طالبان، قبل أسابيع، وذلك في صفقة تفرج بموجبها الحركة عن الجندي الأمريكي بو بيرجدال الذي كانت تحتجزه على مدار 5 أعوام.
ومعتقل جوانتانامو أنشأته الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن عام 2002، باعتباره مقرًا لمحاكم استثنائية لمن وصفهم بـ”المقاتلين الأعداء”، وذلك بعد نحو عام من وقوع تفجيرات 11 سبتمبر التي أشارت الأصابع الاتهام فيها إلى تنظيم القاعدة.
والمعتقل يتصف بأنه “سيء السمعة” لما به من انتهاكات لحقوق السجناء، سواء فيما يتعلق بالمحاكمة أو أماكن الاحتجاز أو عدم الإفراج عن الكثيرين ممن تصدر بحقهم أحكام البراءة، وذلك وفق تقارير منظمات دولية، من بينها منظمة العفو الدولية.