تشهد سوريا تحوّلًا جذريًا في المشهد السياسي بعد سقوط نظام بشار الأسد وفراره إلى روسيا، إثر هجوم عسكري خاطف قادته فصائل المعارضة بزعامة أحمد الشرع في ديسمبر الماضي. ومع إعلان الإدارة السورية الجديدة عن مطالبتها موسكو بتسليم الأسد، تجد روسيا نفسها في موقف معقد، حيث تواجه خيارات صعبة بين حماية نفوذها الإقليمي أو الحفاظ على علاقتها مع النظام السابق الذي دعمته طيلة سنوات الحرب.
وطالبت دمشق، إلى جانب تسليم الأسد، باتخاذ خطوات عملية لإعادة بناء الثقة بين البلدين، تشمل دفع تعويضات والمشاركة الفاعلة في إعادة الإعمار، وفقًا لـ”رويترز”، غير أن موسكو لم تعلّق رسميًا على هذه المطالب، إذ رفض المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الإدلاء بأي تصريح حول إمكانية تسليم الأسد أو الاستجابة لمطالب الإدارة الجديدة.
حسابات موسكو
رغم أن سقوط الأسد شكّل ضربة إستراتيجية لروسيا، إلا أن الكرملين لا يزال يملك أوراقًا قوية في المشهد السوري، أبرزها السيطرة على قاعدتي طرطوس البحرية وحميميم الجوية، وهما موقعان يمثلان أهمية قصوى للوجود العسكري الروسي في الشرق الأوسط.
ومع تغير موازين القوى في دمشق، تحاول موسكو الحفاظ على نفوذها عبر الحوار مع القيادة السورية الجديدة، دون أن تتخلى تمامًا عن الأسد، الذي لا يزال في الأراضي الروسية. ويبدو أن الكرملين يراهن على كسب الوقت لدراسة الخيارات المتاحة، فقد يكون تسليم الأسد ورقة تفاوضية يمكن استخدامها في صفقات سياسية واقتصادية مستقبلية.
مواقف متباينة
وداخليًا، تشهد روسيا انقسامًا بين التيارات الداعمة لاستمرار العلاقة مع النظام السابق، وبين الأصوات التي ترى أن التخلي عن الأسد قد يكون ثمنًا معقولًا للحفاظ على المصالح الروسية في سوريا. وفي حين تسعى موسكو إلى الحفاظ على نفوذها عبر دعم الاستقرار في سوريا، فإنها تدرك أن تجاهل مطالب دمشق قد يؤدي إلى فتور في العلاقات مع الإدارة الجديدة، ما قد يهدد المصالح الروسية طويلة الأمد.
وعلى المستوى الدولي، تواجه روسيا ضغوطًا من عدة أطراف، إذ ترى بعض الدول أن تسليم الأسد قد يسهم في إنهاء إرث الحرب السورية وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون الإقليمي. في المقابل، فإن أي خطوة من هذا النوع قد تثير غضب حلفاء الأسد التقليديين، مثل إيران، التي لا تزال تحتفظ بنفوذ واسع في سوريا.
مستقبل العلاقة
رغم الغموض الذي يحيط بموقف موسكو، إلا أن المؤشرات الحالية ترجّح أن الكرملين لن يتخذ قرارًا سريعًا بشأن الأسد، بل سيحاول الموازنة بين مصالحه الاستراتيجية والضغوط السياسية التي يتعرض لها. وربما تسعى روسيا إلى التفاوض على تسوية تضمن خروج الأسد بشكل يحفظ ماء الوجه، مقابل ضمانات اقتصادية أو سياسية من الإدارة السورية الجديدة.
ومع استمرار المشاورات بين الجانبين، يبقى التساؤل الأهم: هل تضحي موسكو بحليفها القديم من أجل ترسيخ علاقتها مع القيادة الجديدة، أم أنها ستبحث عن صيغة تضمن استمرار نفوذها دون تقديم تنازلات كبيرة؟