قارن كاتب صحفي سعودي بين مشهدين على النقيض تماما من بعضهما، أحدهما يمثل صورة مشرفة لبر الوالدين، والآخر يصور العقوق في أقبح أشكاله.
ووضع الكاتب محمد بن عيسى الكنعان مشهد إقدام شاب على رمي والدته على قارعة الطريق ، ثم انطلاقه بسيارته ترافقه زوجته إلى تبوك، والمشهد الآخر هو قيام خريج كلية الملك فهد الأمنية بتقبيل قدمي والده أثناء مراسم الاحتفال بتخرجه وزملائه، وذلك عندما أدى له التحية العسكرية التي رد الوالد بمثلها، لينكب الضابط الشاب على قدمي والده يقبلهما.
وقال الكنعان في مقال له بصحيفة الجزيرة الصادرة الثلاثاء (10 يونيو):” هذا المشهدان الاجتماعيان حدثا في بحر أسبوع واحد، يعكسان حجم التناقض في بعديهما الديني والأخلاقي على مستوى حياتنا المعاصرة، بين سلوك إنساني راق يكاد يكون استثنائياً، وبين سلوك شيطاني سافل تتبرأ منه الحيوانات التي لا تعقل ولكنها تستجيب لفطرتها”.
وذكر الكنعان في مقال عنوانه “بيننا كائنات غير طبيعية” : ” بين هذين المشهدين تبدو أزمتنا الاجتماعية، فرغم كل مناهجنا التعليمية الزاخرة بالمكانة الرفيعة للوالدين، ورغم مواعظنا الدينية التي تؤكد برّهما وأنّ رضا الله من رضاهما، ورغم أساليبنا التربوية التي تجعل الوالدين هما محوري الأمن الأسري واستقراره، ورغم برامجنا الإعلامية الهادفة، إلاّ أنّ مجتمعنا لايزال يعاني من كائنات غير طبيعية، منزوعة الرحمة، معدومة الفطرة السوية، كائنات تعتقد أنها مخلدة بهذه الدنيا الفانية، وتنسى أنّ البر والعقوق سلف ودين تتبادله الأجيال في الأسرة الواحدة. فيا من رميت أمك على قارعة الطريق انتظر أمر الله، انتظر ردّ الدّين. فالله سبحانه يمهل ولا يهمل، ويرد الحقوق في أوقات هو سبحانه يقدرها لحكمة يقتضيها”.
ووصف الكنعان مشهد الابن بالقول:” إن قيام أحد خريجي كلية الملك فهد الأمنية بتقبيل قدمي والده، تقديراً منه لهذا الأب وعرفاناً بفضله – بعد الله – في تحقيق مستقبله، ووصوله إلى هذا اليوم الذي يشكل إنجازاً حقيقياً في حياته ونقلة نوعية في مراحلها، فهذا الشاب لا يملك ما يمكن أن يقدمه لأبيه إلاّ أن يبرهن له العلاقة بين ما تحقق له وما بذله والده، من خلال ذلك الموقف المشرف الذي لفت نظر الجميع، ولقي الإشادة الاجتماعية بهذا الابن البار، خاصة في عصر طغت فيه الماديات”.
أما السلوك الآخر، فقال عنه:” إنه موقف خسيس داس فاعله على كل القيم السامية، والاعتبارات الإنسانية، وواجبات الفطرة السوية، ولم يكترث بحلال أو حرام، أو يخَفْ رب الجنة والنار. موقف يقف له شعر الجسد هلعاً، لأنه يرسم صورة من صور العقوق بتصرف أغرب من الخيال، عندما أقدم شاب على رمي والدته على قارعة الطريق تحت حرارة الشمس اللاهبة، ثم انطلق بسيارته ترافقه زوجته إلى تبوك، دون أن يعي أنه ارتكب واحدة من أعظم كبائر الذنوب، وهي عقوق الوالدين”.