لم تعد خيامهم المهترئة البالية تَقيهم بردَ الشتاء القارس، أصبحت لا تستر تضرعهم داخلها جوعًا وبردًا بعد أن نهش أجسادهم الهزيلة التي أنهكتْها حرب الإبادة دون أن يحرك العالم ساكنًا.
ووفق تقرير نشرته اليوم وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”: فخلال ساعات النهار يحاول النازحون في غزة إصلاح ما يستطيعون من خيامهم البالية المصنوعة من شوادر وأقمشة ونايلون، التي أكلتها حرارة الشمس اللاهبة خلال أيام الصيف الراحلة قريبًا عنهم؛ أملًا أن تَقيهم برودةَ الليل التي لا تُحتَمَل في ظلّ العيش بالعراء بدلًا من الجدران التي بالكاد تقي من البرد الذي يتسلّل للأجساد في ظلّ غياب كل وسائل التدفئة؛ بسبب انقطاع الكهرباء والغاز والوقود منذ بداية الحرب.
تقول الحاجة “أم حسين”: إن برودة الجو وشدة الرياح التي تهبّ في المناطق المفتوحة شيء صعب ولا يستطيع الإنسان أن يتحمَّله في ظلّ نقص الأغطية والملابس، وتمزق الخيام بعد أن أكلتها الشمس وأذابت الموادّ المصنوعة منها.
وتشير إلى أنّ افتقاد وسائل التدفئة الآمنة يحرم النازحين من الشعور بالدفء لينهش البردُ أطرافَهم وأجسادهم ولا يستطيعوا فعل أي شيء، سوى التضرُّع لله عز وجل أن يزيل الغمة عنهم وأن تنقشع الحرب بأقرب وقت ممكن.
بينما يقول المواطن “علاء حمدان”: إن أغلب الرجال خلال ساعات النهار الباردة يحاولون بما يتوفر لديهم من إمكانيات إصلاح ما يتلف ويتمزّق من خيامهم خلال ساعات الليل؛ حيث تزداد سرعة الرياح وتتمزّق أجزاء من خيامهم البالية التي بالكاد تسترهم عن أعين المارّة ولا تقيهم البرد القارس.
ويضيف “حمدان”: أن أغلب خيام النازحين في كل مناطق النزوح الحالية أصبحت مهترئة، وإن لم تكن مهترئة من الشمس وعوامل التعرية الطبيعية، فإنها بليت من كثرة عمليات النزوح ونقلها من مكان لآخر في ظلّ إجبار قوات الاحتلال المواطنين على النزوح المتتالي.
من جهته يقول المواطن عمرو الشيخ: لقد قمت بشراء نايلون شفّاف جديد وقمت بوضعه على خيمتي التي بَلي قماشها؛ من أجل الحصول على بعض الدفء في ظل اقتحام مربعانية الشتاء لخيامنا سريعًا، إلا أنني تفاجأت صباحًا بتمزق النايلون من شدة الرياح التي ضربت مناطق قطاع غزة خلال ساعات الليل الحالك.
وطالب “الشيخ” المؤسسات الدولية والمحلية وكل أصحاب الضمائر الحية، بالنظر بعين الرحمة للنازحين وتقديم مساعدات لهم من خيام وشوادر قبل أن يموتوا من البرد، بدلًا من القصف الذي يحيط بهم من كل جانب. ويضيف: لم يعدْ لنا طاقة لاحتمال البرد في ظلّ النقص الكبير من الأغطية والغذاء، ومنع إدخال اللحوم والدواجن ومشتقاتها ولا حتى التمور والبسكويت والشوكولاتة التي تمدّ الجسم بالطاقة والدفء.
فيما يقول المواطن محمود النجار: لقد قضيت ليلتي خارج الخيمة وأنا أبحث حولها؛ خشية أن تقتلعها الرياح الشديدة خلال ساعات الليل، أشعلت نار الحطب أمام باب الخيمة أملًا بأن تمد والدي وزوجتي وأطفالي الدفء في ظلّ برودة الليل.
ويشير “النجار”: لم يعد الواحد منّا يشعر بأطرافه من شدة البرد، وأصبح يخشى الموت مع اشتداد البرد وزيادة خفقان دقات القلب من شدة البرد، متمنيًا أن تنقشع الحرب ويتم الإعمار بأسرع وقت ممكن؛ لأنه كلما مشت الأيام تُخلف المزيد من الضحايا سواء بالقصف والقتل أو بالبرد وسوء التغذية.
بينما يقول المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” فيليب لازاريني، في تصريح له: أطفال غزة يتجمدون حتى الموت بسبب البرد ونقص المأوى، وإن الأغطية والإمدادات الشتوية ظلّت عالقة منذ أشهر في انتظار الموافقة لدخولها إلى قطاع غزة.
وأضاف: يجب الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة للسماح بدخول الإمدادات الأساسية المطلوبة بشدة؛ حيث أصبحت الحاجة للاستجابة لمتطلبات فصل الشتاء في غزة أكثرَ إلحاحًا.
وقالت مسؤولة الطوارئ في “الأونروا” لويز ووتريدج، في تصريح لها: إن أكثر من مليونَيْ شخص ما زالوا محاصرين في ظروف مروعة في غزة، ومحرومين من احتياجاتهم الأساسية.
وأشارت “ووتريدج” إلى أن السكان لا يمكنهم الفرار، ويبدو الأمر وكأن كل طريق يمكن أن تسلكه يؤدي إلى الموت، قائلةً: إن الأحوال الجوية ساءت في الأيام الماضية وسيستمرّ هذا النمط كما كان متوقعًا، إلّا أنّ الوكالة اضطرّت إلى إعطاء الأولوية للغذاء على مساعدات المأوى.
وأضافت: لدينا إمدادات خارج قطاع غزة تنتظر دخول القطاع منذ ستة أشهر، هذا هو الواقع الذي يعيشه العاملون في المجال الإنساني هنا، يتعيّن علينا الاختيار بين حصول الناس على الطعام أو حصولهم على المأوى.
من جهتها قالت مسؤولة الاتصالات الرئيسية في المنظمة اليونيسف في غزة “روزاليا بولين” في تصريح لها: إن غزة هي واحدة من أكثر الأماكن المحزنة بالنسبة لنا كعاملين في المجال الإنساني؛ لأنّ كل جهد صغير لإنقاذ حياة طفل يضيع بسبب الدمار العنيف، ظلّ الأطفال على حافة هذا الكابوس؛ حيث أبلغ عن قتل أكثر من 14500 طفل، وإصابة الآلاف غيرهم.
وحذّرت “بولين” من صعوبة الوضع مع حلول فصل الشتاء على غزة؛ حيث الأطفال يشعرون بالبرد والرطوبة، فيما لا يزال الكثير منهم يرتدون ملابس الصيف، مضيفة أن الأطفال يبحثون بين الأنقاض عن قطع بلاستيكية ليحرقوها، وأن الأمراض منتشرة في القطاع في ظل انعدام الخدمات الصحية وتعرض المستشفيات للهجوم بشكل مستمر.
وفي ظلّ حرب الإبادة المسعورة ضد شعبنا يشار إلى أن العديد من الأطفال الرضع فقدوا حياتهم تجمدًا بسبب برودة الطقس وانعدام وسائل التدفئة والأغطية الكافية، كما فقد “الحكيم أحمد الزهارنة” الذي يعمل في مستشفى غزة الأوروبي ومستشفى الصليب الأحمر الميداني نتيجة البرد القارس؛ حيث عثر عليه جثة هامدة داخل خيمته في منطقة المواصي المكتظة بالنازحين والخيام البالية غرب محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة.